في قلب الخرطوم، حيث تصافح الأرض ماء النيل، تقف الكلاكلة المنورة شامخة كأيقونة للصمود والإرادة، شاهدة على جراح الحرب وملاحم البقاء. هنا أناس عانوا من ويلات الخراب والدمار، فقدوا الأحبة والمنازل والذكريات، وانكوت قلوبهم بنيران الفقد، لكنهم لم ينكسروا. عادوا إلى ديارهم المنكوبة يحملون عزيمة لا تلين، وقلوبا مفعمة بالإيمان والرجاء، فبدأوا رحلة الإعمار من جديد، وكأنهم يقولون للعالم : “نحن أبناء هذه الأرض، ونحن لها ما بقينا”
لم تكن الحرب آخر محنهم؛ فحين أطلت حمى الضنك بوجهها القاتل، تسلحت الكلاكلة المنورة بالوعي والإرادة، وواجهت المرض القاسي بصبر المؤمنين وشجاعة الرجال. فقدت الكلاكلة المنورة شابا نبيلا هو بكري عبد الشكور، غرسة طيبة من رجل كريم وابن كرام، وفارس من فرسان الجموعية الذين عرفوا بالشجاعة والكرم والإقدام. وكان رحيله فاجعة جلل هزت القلوب، إذ غاب الجسد وبقيت السيرة العطرة نبراسا يضيء ذاكرة أهله وناسه، لذلك اصبح رمزا للتضحية والعطاء. ورغم الألم، لم يهن شباب الكلاكلة وشاباتها، بل عقدوا العهد على أنفسهم أن يكونوا حائط صد ضد المرض، فانطلقت الحملات الشعبية، وتوحدوا كالجسد الواحد، ينظفون الشوارع، يطهرون البيوت، ويقيمون دولة من الوعي والإصرار، حتى قطعوا شوطا عظيما في معركة أصحاح البيئة.
واليوم، تقف الكلاكلة المنورة على أعتاب كارثة جديدة؛ إذ ارتفع منسوب النيل حتى بات يهدد حياتهم وممتلكاتهم، موجة غادرة تكاد تجرف معها ما بنوه بعرقهم وصبرهم. إنها معركة أكبر من طاقتهم، وأثقل من إمكانياتهم، تحتاج إلى عزم الدولة وسندها، وتحتاج إلى قائد من طراز خاص.
وهنا، تتوجه القلوب والألسن بنداء عاجل إلى والي الخرطوم، الرجل الشجاع، ورفيق المحن ومعين هذه الولاية في أحلك الظروف، ذلك الذي عرفه الناس فارسا للمهمات الصعبة، ورجلا لم يهرب من لظى الحرب ولا غادر ولايته ساعة الخطر، بل ظل ثابتا مع شعبه منذ انطلاق أول رصاصة وحتى بشائر النصر العظيم. لقد كان وما يزال نعم السند بعد الله، ونعم النصير لمن قصد بابه.
إننا، أهل الكلاكلة المنورة، نرفع إليكم استغاثتنا ونداءنا العاجل : مدوا يد العون قبل أن يبتلع النيل بيوتا عامرة وأحلاما غالية. أنقذوا هذه البقعة الطيبة من مصير قاسي لا قبل لأبنائها به. فإن الكلاكلة المنورة ليست مجرد حي، بل أسرة واحدة، متآلفة، متراحمة، جيرانها بمثابة الأهل، يفرحون معا ويحزنون معا، يتقاسمون اللقمة كما يتقاسمون الألم.
إن عيون أهلها تتطلع إليكم اليوم، بثقة ويقين، أنكم ستكونون سندهم كما عهدوكم، وأنكم لن تتركوا هذه الأسرة الكبيرة فريسة الغرق والخوف. إن التاريخ لا ينسى الرجال الذين يقفون عند الشدائد، والناس لا ينسون من جعل آلامهم همه، ودموعهم قضيته.
فيا والي الخرطوم، أيها الرجل الهمام، يا من كتبت اسمك في ذاكرة هذه الولاية بمواقفك المشرفة، نناشدك التدخل العاجل واتخاذ الحلول الجذرية لهذه الكارثة قبل أن تستفحل. وليكن هذا النداء صرخة تصل إلى مسامع كل مسؤول، ودعوة لكل صاحب ضمير أن يقف مع أهل الكلاكلة المنورة، أهل الوفاء والكرامة والصبر.
ختاما : نسأل الله جل في علاه أن يكلل مساعي الجميع بالتوفيق والسداد، وأن يشملكم بحفظه ورعايته. ولأهلي وجيراني بالكلاكلة المنورة، لكم من القلب دعاء صادق، ومحبة لا تنقطع، ودعم مادي ومعنوي متصل وإن حال بيننا البعد؛ فأنتم في سويداء القلب، وذكراكم في الضمير الحي لا تغيب.