دول الرباعية والموقف المتشدد ضد الإسلاميين

بدأت مساعٍ حثيثة لتسويق الحوار السوداني – السوداني على هامش الترتيبات التي تعد لها دول الرباعية. والهدف من ذلك هو التمهيد لفكرة بدء العملية السياسية بعد توصل الطرفين المتحاربين إلى وقف إطلاق النار، بناءً على ما تقترحه الرباعية. هذه المساعي بدأها الاتحاد الأفريقي ثم واجهت رفضاً من تنظيمي صمود، وتأسيس. وكذلك بدأت بورتسودان تتحدث عن هذا الحوار الذي لا يستثني أحداً. بل عادت إلى تنشيط التحالف العسكري المدني الذي سبق انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021. مصر من جانبها أيضاً ألمحت إلى ضرورة الاعتماد على السودانيين جميعاً لخلق جبهة مدنية متحدة بعد الحرب، وذلك في ذات الوقت الذي ترى فيه ضرورة أن يكون للجيش دور في الفترة الانتقالية.
من حيث المبدأ هناك حاجة قصوى للم شعث المكون المدني في حال حصول توقف إطلاق النار. ولكن الاستقطاب الحاد في المشهد السياسي الذي أحدثه الانقلاب, وأهوال الحرب عبر خريطة التحالفات السياسية التي أعقبت سقوط نطام الحركة الإسلامية. إضافة إلى ذلك تسلل العامل المناطقي ليؤثر في كل الأحزاب والتيارات السياسية جميعها ليرسم صورة جديدة في طريقة تعاطي القوى الفاعلة في السودان مع الواقع. ووفقاً لهذه المعطيات الجديدة فإن التحدي الأبرز الذي يجابهه اتفاق الرباعية لو تم هو كيفية تمثيل الأوزان القومية في العملية السياسية التي يرثها المدنيون لاستئناف الانتقال الديمقراطي في البلاد.
إذا كان بيان الرباعي الافتتاحي قد شدد على أبعاد الإخوان المسلمين من المشاركة السياسية في المساعي التي تعقب تحقيق وقف إطلاق النار فإن المعضلة الأساسية هي كيفية قفل الطريق أمام الإسلاميين من الإحتيال عبر واجهات الجيش، أو تنظيمات أخرى، لاختراق العملية السياسية كما حدث هذا إبان اختراقهم للانتقال الديمقراطي الأخير.
إن اتفاق الدول الأربع على أن يكون المدنيون الذين يضطلعون بمرحلة ما بعد الحرب بلا أي تمثيل للإسلاميين يمثل بارقة أمل في اعادة البلاد إلى جادة الطريق نحو حل قضاياها التاريخية. فالإسلام السياسي منذ دخوله في البلاد زاد من تعقيدات المشكل السوداني عبر كل مراحل الحكومات الوطنية. فهو ما إن سطا دعاته على السلطة حتى تفجرت المشاكل أضعافاً إضعافاً حتى قادوا البلاد إلى الحرب، سواءً بتاثيرهم المستتر من خلال اختراق الدولة، أو عبر رافعاتهم المجتمعية.
لن يشهد السودان أي استقرار سياسي، أو أمني، أو اقتصادي، لو نحت الرباعية إلى إيقاف الحرب ما لم يتمكن المدنيون من التيقظ لمحاولة سعي الحركة الإسلامية بواجهاتها في الجيش، والاقتصاد، والإعلام، والمرافق الحكومية، في تحقيق اختراق جديد لإفساد الأوضاع السياسي بعد انتهاء الحرب.
الاستهانة بقدرة الإسلاميين الهائلة لإفساد الاوضاع في البلاد يتجذر منذ فترة الستينات لدى كثير من التيارات، والرموز السودانية، والمحللين. وتأخذهم الطيبة السودانية في التعامل معهم برفق وحنو باعتبار أن الديمقراطية تستلزم حريتهم. ولكن الإسلام السياسي لا يعترف أصلاً بشروط اللعب السياسي النظيف، ومن هنا يستغل هذه الطيبة لتوطيد أركانه سواء بالعنف، أو الحرب. وقد اتضحت بعد ثورة ديسمبر الثغرات التي يمتهزها الإسلاميين عبر الوثيقة الدستورية فضلا عن سماحة حكومة حمدوك في الإبقاء عليهم، وهم يشكلون جيوباً في الخدمة المدنية، والقطاع الخاص. وبعد الحرب استطاعوا من خلال وجودهم الدولة في تدعيم وجودهم في القطاع العام. وعلى مستوى القطاع الخاص فقد وظفوا المال السوداني المنهوب من تشكيل منصات إعلامية لفرض سرديات محددة والضغط لاستمرار الحرب.
إن مستقبل السودان رهين بتقليم أظافر الإسلام السياسي، وقطع الطريق أمامه، للحفاظ على استقراره في حال وقف الحرب. والعبء الأكبر يقع على كاهل قوى إعلان الحرية والتغيير التي أسقطت نظامهم. وبدون هذا التحالف فالرباعية وحدها لا تستطيع أن تحقق شرط الاستقرار السياسي، والأمني، لإنجاز التحول الديمقراطي.