صباح الخير مدرستي وهل باع( عواد ) أرضه فى دلقو المحس؟

صباح الخير مدرستي وهل باع( عواد ) أرضه فى دلقو المحس؟
  • 10 ديسمبر 2025
  • لا توجد تعليقات

محمد يوسف وردي

شاهدت مقطع فيديو يظهر ناس يضعون حجر الأساس لمدرسة دلقو الإبتدائية الجديدة وسط تهليل وتكبير وبهجة وتلويح بالسبابة على طريقة الكيزان المستهبلين، وقيل لي إن هذه المدرسة ستشيد بأموال المسؤولية المجتمعية، وهو اسم الدلع للرشوة وتستخدمه دولتنا الفاشلة لشراء صمت الأهالي الذين يشكون من الآثار الضارة للتعدين العشوائي على صحتهم وبيئتهم ويطالبون بإيقافه… وقبل أن نعلق بأى شىء لا بد من البحث عن إجابة لسؤال المليون دولار .. ماذا عن  المدرسة القديمة، مدرستنا،مصيرها شنو؟ دعونا من المبنى والأسوار وأشجار النيم. محمود يريد أن يعرف إذا كان قد تم حفظ سجلات القبول والمراسلات وشبكات الخريجين وكراسات التحضير الخاصة بمئات المعلمين الذين عملوا فى مدرستنا الخ الخ ، وهل نفهم أن بناء المدرسة الجديدة فى موقع بعيد من الأولى  يعنى  أنهم دمروا أرشيف مدرستنا وتخلصوا من الخرائد التى تركها خلفهم الآلاف من أبناء المحس؟.
لقد اختفت مدرستنا نتيجة الإذلال والانتقام والتهميش التى تعرضت لها على يد نظام الإخوان الإرهابى والذى حكم البلاد لثلاثين عاما فودر المدرسة وضيعها وفرغ ذاكرتها.
كانت مدرستنا العريقة نخبوية بامتياز، وكانت  منارة راسخةً للاستقرار والطموح وكانت شديدة الالتزام برعاية العقول الشابة، ولا غرو  فكل الأبناء  الذين عبروا  من هناك كانوا يدركون أن أباءهم كانوا مؤمنين إيماناً راسخا بأن التعليم قادرٌ على تغيير حياة الناس والمجتمعات.لذلك  تماهوا مع رغبات اهلهم فصنعوا لمدرستنا تميزها التعليمي والاجتماعي.
وعرفت مدرستنا بأنها كانت تحتضن كل تلميذ جديد وتبث فيه شيئا من روحها، بخاصة الفضول الفكرى وقيم الشجاعة والمروءة والأخلاق وخدمة المجتمع، كانت مدرستنا بارعة فى خلط قيمها العريقة مع منهج تربوى موجه نحو المستقبل. لذلك ما انفك خريجوها بعد مرور عقود وعقود يرددون بفخر سيرتها.
بدأت مدرستنا مسيرتها التنويرية فى 1912، ثم أوقفها المستعمر فى 1924 عقابا للسكان الذين كان يظن الإنجليز لغباء استخباراتهم أنهم يدسون ابنهم  المناضل سيد فرح بعد قمع ثورة اللواء الأبيض.
ثم اعيد افتتاح المدرسة فى 1937 على يد الأهالى الذين اقتطعوا من قوت أطفالهم لبناء مدرستهم ( علمت من أستاذنا أنور محمدين أن دفترا تاريخيا يحوى أسماء الأهالى وتبرعاتهم كان بحوزة  الزعيم محمد سعيد دسوقي الذي سلمه للجنة التى أعدت الاحتفال باليوبيل الذهبي للمدرسة فى عام 1987).
للأسف يظن البعض أن قبول أموال المسؤولية المجتمعية لا غبار عليه إذا كانت موجهة للإعمار .. لكن بناء المدرسة الجديدة ليس تطورا حضريا يا هؤلاء ،بقدر ما هو محو ثقافي وتاريخي وسياسي.
وبقدر ما أنكم شركاء فى جريمة ستلاحقكم تبعاتها حتى ولو بعد حين .
إن المدرسة التي  لا يمكن أن نعثر فى خزانتها على الدرجات التى حصل عليها  الشهيد الباسل عثمان أبوشيبة في الامتحانات و إبداعات المعلم الفنان عبد الرحيم قناوى وخربشات الطالب حسن عبد الله الزبير ضرغام أحد أشطر من مروا على المدرسة، ستفشل ما لم تستمد قوتها من تاريخ المدرسة العريق، وحتى إذا افترضنا أنها قادرة على صوغ منهج تربوى جيد فسوف تكون عاجزةً عن دفع الأولاد لصوغ مستقبل زاهر. أنت بتدميرك للمدرسة القديمة وأرشيفها تكون محوت بأستيكة الدليل الملموس على تاريخها الزاهر ، لكي تحرم الأجيال القادمة من الاعتزاز بمدرستهم ودراسة تاريخها .إذ إن المهم هو تكريم التاريخ والوعي به والتفكير فيه لأن كل طوبة فى بناء المدرسة الجديدة، وكل حجرة دراسة جديدة فيها وكل سبورة فيها تستمد قوتها من تاريخ المدرسة العريق.
ولنكن صرحاء، أصلا ما فائدة بناء مدرسة جديدة فى مكان حتى القماري فارقت نخيله بسبب الهواء المسموم المشبع بالزئبق والسيانايد والقادم من جهة مربعات التعدين، حيث كل شىء هناك سداح مداح فى محيط يغلب عليه الشعور باللا دولة؟؟!!
ولا أشك أن الآلاف من أبناء دلقو وعموم المحس الذين تخرجوا من هذه المدرسة،لو طلب منهم المساهمة لبناء المدرسة الجديدة لسارعوا بأموالهم
لكتابة فصل جديد فى قصة بدأت قبل أكثر من 113 عامًا، وكانوا هم  جزءا أصيلا منها.
ولنكن صرحاء أكثر  وأكثر ،ونذكر ناسنا بأن التاريخ يسجل ويدون حركتكم بوقائعها وأحداثها .ولا يوجد ما هو أكثر إيلاما من التاريخ بالمناسبة ، وكل ما أخشاه أن يوصم التاريخ  جميع من يقبضون أموال المسؤولية المجتمعية أو يغضون الطرف عنها ،بذات صفة الخيانة التي طالت عواد الذى باع أرضه.. ولا حول ولا قوة!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*