حكايتي مع مراية متقرقرة

حكايتي مع مراية متقرقرة
  • 11 ديسمبر 2025
  • لا توجد تعليقات

جعفر عباس

نصحتني زوجتي بأن أمسح يدي ووجهي ب”كريم”، لأن جلدي “مُقشِّف”، فرفضت نصيحتها لأنني من جيل كان يسيء الظن بجماعة النيفيا، ولما رأيت الشر والشرر يتطاير من عينيها، أخذت منها أنبوبا مصابا بإنفلونزا، بدليل خروج مادة لزجة ومقرفة من فوهته، ولكن رائحته كانت طيبة، ووقفت أمام المرآة لأتمتع بشكلي بعد ان يلمع بتأثير الكريم المعطر، وأنا أغني “كلميني يا مرايا / أنا شايفك طربانة/ حكوا ليكِ حكاية وللاّ كنت معانا/ وللاّ إنتي بتقري يا ساحرة ظنوني/ و لاّ شفتي الصورة شايلاها عيوني”. وإذا بالمراية تسألني: قلت عمرك كم؟ وتجاهلت السؤال، وأمعنت النظر فيها، ووجدت أمامي شخصا عجيب الشكل والملامح: مين؟ شعبولا عمل رجيم؟ ودققت النظر، فكان الشخص الذي في المرآة يشبه جعفر عباس الذي كان. فقلت: الدوام لله يا ابو الجعافر. يا ما دوخت سعاد حسني وهند رستم، وقلت إنك تخشى “الشلب”، وتقول المراية الآن إنك في حال تجعل حتى بت قضيم تنفر منك، حسرة على شبابك يا ابو الجعافر
أظن أن المراية- وهي أنثى- مصابة بفيروس القرقرة، الذي يجعل الأنثى تنتقل من خانة الجنس اللطيف إلى خانة الجنس العنيف: عدوانية وشرانية وحاسدة وحاقدة، وطويلة اللسان وقليلة الإحسان
حاولت أن أواسي نفسي متذكرا ان هناك بعض “أولاد دفعتي” صاروا يمشون بالعكاكيز، وبعض زميلات الدراسة صرن جدّات قبل سنين وسنين، وأجرين عمليات تبديل الرُّكَب، ثم تذكرت حماقة تدريس البنات في المرحلة الثانوية، وبين الحين والآخر تستوقفني بقايا امرأة بصحبتها شابة يانعة، وتقول لي: أنت أستاذ جعفر؟ ما عرفتني؟ أنا زبيدة، درستني في زفت الطين الثانوية. ثم تطلب مني أن أُسلم على بنتها زازا التي تدرس في أوكرانيا! أود لو أصيح في وجهها: لا شفتك ولا أعرفك، وعيب عليكي تعاكسي شابل لا تعرفينه! وليه ما في مسيرة روسية طخت بنتك؟ ولكن مصيبتي هي ان ذاكرتي فوتوغرافية، وأعرف أنني فعلا درستها في مدرسة الزفت بنات، عندما كانت هي في عمر بنتها زازا الأوكرانية، ويجعلني كل ذلك محبطا، ومتعاطفا مع أقراني الذين يصبغون شعرهم بعد ان تصل بهم الحياة الى نقطة ضربات الجزاء الترجيحية!
ويا جيل الشباب “الحقيقي”، لا تفترضوا ان كل كبار السن حكماء؛ شخصيا لا أحس بأنني “حكيم”، لأنني ما زلت أرتكب أخطاء وحماقات طفولية. وعندما أقود سيارة فإنني أتفوه بعبارات غير لائقة كلما تحرش بسيارتي سائق طائش. وأخالط أناسا في مثل سني وأعجب من ان بعضهم “طوله طول النخلة وعقله عقل السخلة”. وبعضهم يتحدث عن الأمراض التي يعاني منها وكأنها إنجاز، وبعضهم صفعته المرايا كما فعلت بي، وبدلا من ان يقول: لن يصلح العطار ما يفسده الدهر من دمار، يعاند ويكابر، ويستخدم الموكيت لإخفاء الصلعة والمساحيق لإخفاء التجاعيد
وزارني ود كتكوت في المنام وقال لي إن أفضل وسيلة لهزيمة المرايا وتخليصها من فيروس القرقرة، هو العمل بمقتضى الآية الكريمة “وانكحوا ما طاب لكم من النساء……”، بعد الوقوف أمام المرآة والصياح: “سنة يا أنا” والمحس والدناقلة عز المُنى، ويا أرض احفظي ما عليكِ.

الوسوم جعفر-عباس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*