معضلة الجيش و الشعب و الديمقراطية في السودان

معضلة الجيش و الشعب و الديمقراطية في السودان
  • 18 ديسمبر 2019
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

مرت على بلادنا ثلاث ديمقراطيات جميعها انتهت إلى انقلاب عسكري شمولي ، و في المرات الثلاث لم يحرك الجيش و لا الشعب ساكنا في مواجهة الانقلاب لمنعه من تقويض النظام الديمقراطي، و الان بلادنا تتقدم نحو الديمقراطية الرابعة فهل الجيش مستعد لحمايتها ؟ هل الشعب جاهز للدفاع عنها ؟ و ما هي الأسباب التي قد تهددها و تسقطها ؟ .

لحماية الديمقراطية الرابعة نحتاج لعمل جبار في أوساط العسكر و المدنيين حتى يكونا على أهبة الاستعداد لحماية الديمقراطية الرابعة في وجه أي مغامر يفكر في الإطاحة بها بالقوة ، بحيث نضمن لحظة الانقلاب خروج الشعب إلى الشوارع و تحرك الجيش تحركا سريعا مضادا يشل حركة الانقلابيين و يعيد السلطة للشرعية الديمقراطية .

انجاز هذا العمل ليس سهلا فهناك عوائق تقف أمامه ، أولها تفاوت الإيمان بالديمقراطية كنظام حكم كفء بين المدنيين و العسكر ، إذا لم يصل الطرفان إلى مرحلة الايمان الكامل بالنظام الديمقراطي فلا يمكن ان يقدما التضحيات لحمايته . و هذا يقودنا الى القول بأن ايمان الجيش و الشعب بالديمقراطية في لحظة انقلابي مايو ١٩٦٩ و يونيو ١٩٨٩ كان أقل من أن يمثل دافعا لهما ليهبوا لحمايتها ، و هذه الحقيقة التاريخية تقودنا مباشرة إلى استنتاج مستقبلي يقول في اللحظة التي ينخفض فيها ايمان الشعب و الجيش بالديمقراطية سيكون النظام الديمقراطي عرضة للسقوط بانقلاب عسكري .

العائق الثاني أمام إنجاز هذا العمل يتعلق بما تقدمه الديمقراطية كنظام حكم ، قيمة الفائدة التي يتحصل عليها كل طرف ( الجيش و الشعب ) من النظام الديمقراطي تحدد الى مدى بعيد استعدادهما لحمايته ، نعم من فوائد الديمقراطية توفير الحريات ، و لكن الشعب يحتاج ايضا للعيش الكريم و التنمية و الخدمات ، فقضايا مثل الخبز و الوقود و المواصلات تفوق في أهميتها لقطاعات كبيرة من الشعب و الجيش أهمية حرية التعبير مثلا ، لذلك كلما ازداد الرضا بما يقدمه النظام الديمقراطي من خدمات و رعاية كلما ازدادات القناعة به و الاستعداد لحمايته و الدفاع عنه .

الأنظمة الشمولية كانت تستخدم وسيلة خبيثة للمحافظة على حكمها ، حيث تعمد الى دعم العسكريين و الصرف عليهم و لا تقدم للمدنيين الا الفتات ، الانقاذ كانت تصرف ٧٠% من الميزانية العامة على الامن و الدفاع و تصرف اقل من ٣% على التعليم و الصحة ، و اذا احتج المدنيون قمعتهم بهذه الأجهزة الأمنية المحفزة ، هذه الطريقة الخبيثة تستهدف بالأساس رشوة العسكريين بالامتيازات و بالمقابل كف يدهم عن دعم اي تحرك عسكري مضاد ، و هو ما قد تفتقده الأنظمة الديمقراطية ، التي ستعامل الجميع كمواطنين بلا تمييز سواء عسكريين او مدنيين .

هذه المعضلة سوف تشكل هاجسا مقلقا ، فالعسكريون سيرون في تقليل امتيازاتهم عدم تقدير لهم ، بينما المدنيون قد يرون تحسنا في حياتهم و لكن هذا التحسن قد تهدره الأحزاب المعارضة بالالاعيب السياسية و فوضى المظاهرات المسيسة ، مما يربك الجماهير و يفقدهم الولاء للنظام الديمقراطي و ينزع عنهم الاستعداد لحمايته و هي الحالة التي وصل إليها الشريف الهندي في الديمقراطية الثالثة حين قال ( الديمقراطية دي لو سرقها طلب ما بنقول ليه جر ) .

من العوائق الأخرى سيطرة الأحزاب السياسية على النقابات ، و استخدامها في مواجهة الحكومات المنتخبة ديمقراطيا بالمطالب المستحيلة و من ثم الدخول في الإضرابات و الاعتصامات بلا أي أسباب حقيقية مما يفجر الوضع الداخلي و يفاقم ازمات النظام الديمقراطي و يجعله عرضة للانهيار .

الصحافة كذلك قد تلعب دورا مخربا للديمقراطية حين تستهدف بث الإشاعات و التخذيل و الاحباط ، مما يدخل الجماهير في دوامة شك و إحباط لا تنتهي الا بالتخلص من الديمقراطية نفسها . و هذا ما يستوجب ميثاق شرف صحفي يجعل حماية الديمقراطية مقدم على ما عداه من معارك مع الحكومة المنتخبة .

و من المهددات كذلك ضعف بنية الأحزاب السياسية و ضعف المؤسسية و الديمقراطية داخلها مما يجعلها غير قادرة على توفير كوادر مقتدرة للحكم ، و غير قادرة على التكيف مع المستجدات و الأزمات و بالتالي ضعف ناتجها في الأداء الحكومي ، و هو ما يتطلب من الأحزاب السياسية جميعها ان تهتم بعملية التنظيم و المأسسة و تأهيل الكوادر الشابة و بناء المؤسسات الحقيقية المتمتعة باستقلالية القرار و الموقف.

اجمالا المهددات التي تعترض الديمقراطية الرابعة هي ضعف الوعي و الإيمان بالديمقراطية كنظام حكم ، ضعف الأداء الاقتصادي و الخدمي للنظام الديمقراطي ، ضعف ديمقراطية و مؤسسية الأحزاب السياسية و انصرافها عن الصراع الإيجابي الى الصراع المدمر ، الصحافة غير المسؤلة، و النقابات المسيسة .

مهم إدارة حوار جاد و شفاف بين جميع فئات الشعب لمعالجة كل هذه العوائق ، و على رأس ذلك إدارة حوار صريح بين العسكريين و المدنيين ، يتصارح فيه الجميع حول مخاوف كل طرف تجاه الاخر و تحفظاته على الديمقراطيات السابقة ، و بحث سبل معالجة هذه المخاوف و التحفظات بما يضمن الولاء الكامل من الجميع للنظام الديمقراطي و حمايته من غول الانقلابيين .


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.