كباشي وشباب الحتانة وتجييش العواطف

كباشي وشباب الحتانة وتجييش العواطف
  • 06 أغسطس 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

ما حدث لعضو مجلس السيادة كباشي في الحتانة هو نموذج طبيعي لما يحدث في الساحة من تجييش للعواطف واستغلال لشباب لجان المقاومة، اذا كان الكيزان يستغلون الدين من أجل تجييش عواطف الجماهير، فإن تيارات ثورية متعددة تستغل قضية الشهداء وجريمة فض الاعتصام لتجييش عواطف شباب الثورة ، جريمة فض الاعتصام الآن تحت التحقيق، وحتى يصدر فيها أمر قضائي، فإن مسؤلية افراد المجلس العسكري ستكون مسؤلية افتراضية بنص القاعدة القانونية ( المتهم بريء حتى تثبت إدانته).

الشهداء من المدنيين والعساكر الذين ذهبوا إلى الله في ثورة ديسمبر هم التضحيات التي عبدت الطريق نحو فجر الخلاص، هذه التضحيات ثمنها هو الحرية التي نعيشها اليوم، ومقابلها هو الديمقراطية التي تنمو رويدا رويدا في بلادنا، تعطيل الشراكة وزيادة العراقيل أمام الحكومة الانتقالية والتجييش العاطفي والبكاء والصراخ والهتافات من أجل الأخذ بدماء الشهداء هو امتهان لقيمة التضحية ونكران لمبدأ التضحية من أجل الحقوق، لم نر في تاريخ البشرية مطالب بدماء شهداء ثورات الحرية تهدر قيمة الحرية نفسها وتدمر غايات الثورة العليا.

هل غرق السودانيون عند الاستقلال في عواطف الاخذ بحق دماء شهداء النضال ضد المستعمر وتركوا غاية الشهداء المتمثلة في تحقيق الاستقلال؟!! هل طالب الأنصار بعد ثورة ابريل بدماء إمام الأنصار وشهداء مذبحة الجزيرة ابا من نميري والشيوعيين والقوميين وتركوا غاية هؤلاء الشهداء المتمثلة في هزيمة دولة الشمولية واستعادة دولة الديمقراطية؟!!

الذين يطالبون بدماء شهداء ثورة ديسمبر ويحولونها بعد انتصار الثورة من قضية قانونية مكانها ملفات القضاء، إلى قضية سياسية يحاصرون بها البعض ويتركون البعض ، هم عاطفيون غير ممتلكين لحقيقة ان للثورة غايات عليا هي التي دفع من أجلها الشهداء أرواحهم، الحرية والديمقراطية ودولة القانون هي هذه الغايات، الغاية ليست القصاص للشهداء او البكاء للجرحى، فشهداء النضال منذ فجر ٣٠يونيو ١٩٨٩ بمئات الآلاف والجرحى بالملايين، وجميعهم شهداء الحرية والديمقراطية وليس الشهداء هم من قضوا في ثورة ديسمبر فقط، لذلك فلننتبه للغايات، ان نحقق ما استشهدوا لاجله وما نزفوا لاجله، فإن لم يتحقق فلنواصل التضحيات شهداء وراء شهداء، أما إذا تحقق فقد ربح بيع الشهداء، وصدق الجرحى.

الشهداء في المواكب والاعتصام لم يختاروا الموت ولا اختار الجرحى الجراح، بل هم ثوار اختارتهم يد القدر من بين الملايين التي خرجت تهتف وتركض في الشوارع، هم من دفعوا الثمن وكان يمكن أن يدفعه أي ثائر آخر على يمينهم او يسارهم بطيب خاطر، لذلك لا لتجييش العواطف من أجل تضحيات طبيعية يبذلها كل شعب ثار للحرية، بل يجب تجييش العواطف من أجل الغايات الحقيقية للثورة، الغايات التي تستفيد منها الأجيال الحالية واللاحقة، الغايات التي تصنع دولة متحضرة ومتطورة ونامية، السلام العادل المستدام، الديمقراطية التي لا تحكم فيها هذه البلاد الا بالانتخابات، الحرية التي لا يتم فيها تقييد او تمييز، ودولة القانون التي لا ينفذ فيها مجرم بجريمته مهما طال الامد والزمان.


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.