قانون الحكم اللامركزي يفارق “الدستورية” وروح الثورة (3): تكليف الولاة وضعف المهام

قانون الحكم اللامركزي يفارق “الدستورية” وروح الثورة (3): تكليف الولاة وضعف المهام
  • 23 أغسطس 2020
  • لا توجد تعليقات

المستشار البشرى عبدالحميد

بموجب مشروع قانون تنظيم الحكم اللامركزي والعلاقة بين أجهزته لسنة 2020م يعين رئيس مجلس الوزراء الوالي، ويعتمده محلس السيادة، وقد نصّت المادة (7) من القانون شروط تعيين الوالي، وحصرتها في الشروط العامة التي تتعلق بالجنسية، والسن، والتأهيل وعدم الإدانة بحكم نهائي من محكمة، وذلك دون النص على الشروط والمعايير الأساسية المتفق عليها بين شركاء الفترة الانتقالية، التي تتمثل في إيمان الوالي بمبادئ وأهداف الثورة، والتمتع بالسند الشعبي في الولاية، وأن يكون ملماً بقضاياها وتركيبتها السكانية والاجتماعية والثقافية ، وألا يكون ممن شاركوا في مؤسسات الحكم في ظل النظام البائد أو أجهزته عند سقوط النظام. هذه الشروط تعدّ مهمة إذ إنها تضمن تمكن الوالي من القيام بمهامه بالشكل الفاعل، والمطلوب؛ لمواجهة تحديات المرحلة الانتقالية بالولايات؛ مما يخفف عبء المسؤوليات على المركز للتفرغ للتحديات الوطنية الكبرى.

أما سلطات واختصاصات الوالي فقد وردت في المادة (8)، وهي تشمل: إشرافه على حكم الولاية، وحسن إدارته ورعاية مصالحها، وتعيين نائبه، وأعضاء حكومته، ورئاسة الحكومة التنفيذية، والتوقيع على القوانين الولائية، وإصدار المراسيم، والتنسيق بين المؤسسات القومية بالولاية، والإشراف على أجهزة الحكم المحلي، وأي سلطات منصوص عليها في القانون.

هذا النص يوحي بأن مهمة الوالي مهمة إشرافية، وبعض الصلاحيات العامة فقط، مع غياب النصوص الواضحة التي تحدد سلطاته التنفيذية الأصيلة في إدارة الولاية، بوصفه المسؤول التنفيذي الأول الخاضع للمساءلة أمام رئيس مجلس الوزراء.

إن من أهم المهام والسلطات التي يجب أن توكل لأي والٍ في ظل الظروف الاستثنائية والأمنية التي تمرّ بها عدد من الولايات التزام الوالي بحفظ الأمن والاستقرار، واتخاذ التدابير اللازمة لحفظ أمن الأنفس والممتلكات، ولكن تم ابتسار النص الخاص بأمن الولاية في المادة 8 (د) من القانون بأن الوالي هو رئيس لجنة تنسيق الأمن في الولاية، وكان من الأهمية بمكان وجود نص واضح حول المسؤولية الأمنية للوالي، ولجنة الأمن في الولاية حول الصلاحيات والاختصاصات والمسؤولية الأمنية في مستوياته المختلفة بالولاية.

  وتتضمن صلاحيات الوالي تعيين أعضاء حكومته بموجب المادة (11) من القانون على أن تتوافر فيهم  ذات شروط تعيين الوالي المنصوص عليها في أحكام المادة (7)، وهي الشروط العامة  تتعلق بالجنسية، والسن، والتأهيل، وعدم الإدانة في جريمة، وهي شروط غير كافية لتمكين أي مسؤول من شغل المناصب العليا، إذ يجب أن تتضمن الشروط والمعايير الأساسية المتفق عليها بين شركاء الحكومة الانتقالية المتمثلة في إيمان المكلف بالمنصب بمبادئ وأهداف الثورة، والتمتع بالسند الشعبي، وملماً بالقضايا ذات الصلة بالمنصب، ولديه المؤهلات والخبرة الكافية في مجال التكليف، قادراً على التعامل مع التركيبة السكانية والاجتماعية، وألا يكون من الذين شاركوا في مؤسسات الحكم البائد أو أجهزته عند سقوط النظام، ليكون لديه القبول وقادراً على القيام بمهام منصبه بالكفاءة المطلوبة

وبذات القدر الذي غابت فيه نصوص مهمة بشأن اختصاصات الوالي تكرر الأمر على مستوى اختصاصات وسلطات الحكومة الانتقالية الولائية، إذ حددت المادة (13) لسلطات واختصاصات الحكومة الولائية في القيام بالتدابير والخطط العامة، والسياسات والسلطات الواردة في اختصاصات الوزارات، وإجازة الموازنة، والاطلاع على التقارير، وإصدار اللوائح، وأي اختصاصات يوكلها الوالي.

هذا مع غياب النص على المهام والصلاحيات والاختصاصات الأساسية التي تتصل بتطبيق الحكم اللامركزي بمعناه وأبعاده الحقيقية؛ للقيام بالدور المناط به في تنفيذ مهام الفترة الانتقالية المنصوص عليها في المادة (8) من الوثيقة الدستورية لسنة 2019م، التي تتضمن دون النص دون حصر:

– الإشراف على حسن إدارة وتشغيل الأجهزة الشرطية والأمنية، والحفاظ على أمن واستقرار الولاية، وطمأنينة مواطنيها، وتنفيذ القوانين وفق الاختصاصات المختلفة.

–  المساهمة مع الحكومة الاتحادية كأصحاب مصلحة في تحقيق السلام العادل والشامل، بمخاطبة جذور المشكلة في مناطق الحروب والنزاعات في الولايات، والعمل على معالجة آثارها.

– إلغاء جميع القوانين الولائية المقيدة للحريات، أو التي تميز بين المواطنين، واجراء الإصلاحات القانونية المطلوبة على مستوى الولاية، وإعادة بناء الأجهزة العدلية في الولاية.

– التعاون والمساهمة مع الحكومة الاتحادية في معالجة الأزمة الاقتصادية، وقضايا المعيشية للمواطنين في الولاية.

– العمل على تسوية أوضاع المفصولين تعسفياً من الوظائف الولائية من خلال إعادتهم لوظائفهم، أو جبر ما لحق بهم من ضرر وفقاً للقانون، وتوسيع فرص العمل لهم في مختلف المجالات.

–  تفكيك بنية التمكين لنظام الثلاثين من يونيو 1989م، وبناء المؤسسات ودولة القانون على المستوى الولائي.

وفيما يتعلق بمسؤوليات الحكومة الولائية نصت المادة 12 على المسؤولية التضامنية للحكومة الانتقالية بالولاية الذي يجعل الوالي مسؤولاً في أداء مهامه أمام رئيس مجلس الوزراء، وأن عضو حكومة الولاية مسؤول عن أداء مهامه أمام الوالي والمجلس التشريعي الانتقالي.

هذا النص لم يشر إلى حق المجلس التشريعي في مساءلة الوالي، إذ من المعلوم أن الوالي يجب أن يكون مسؤولاً أيضاً أمام المجلس التشريعي الذي يحق له استجوابه ومساءلته حول أدائه لمهامه، بما في ذلك حق سحب الثقة منه إذا ما تتطلب الأمر ذلك، والعيب الأساسي في هذه المادة أن ما ورد فيه من نص لا مجال لتطبيقه من الناحية العملية؛ لوجود العيب الأساسي في قانون تنظيم الحكم اللامركزي والعلاقة بين أجهزته لسنة 2020م الذي لم يلتزم بالمبدأ الدستوري الخاص بالفصل  بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وهذا ما سنتناوله في الحلقة المقبلة.

يتبع

المستشار البشرى عبد الحميد

التعليقات مغلقة.