اعتقال بكرواي، وإحباط محاولة للانقلاب على البرهان

بعد تواتر أنباء عن اعتقال قائد سابق لانقلاب، وتقارير عن إفشال محاولة انقلابية حديثة ضد البرهان، إلى أي مدى يمكن توقع نجاح انقلاب قادم على البرهان، وهل اكتملت معطياته في ظل مناخ الإحالة، والاعتقال، الذي طال بكرواي، أم أن الأمور لم تنضج بعد ليبادر مغامرون في الإطاحة الناجحة به؟ وهل تفكر – أم فكرت مجموعة من الحركة الإسلامية، وقدرت – في إزاحة حليفها لكونه يمثل عائقاً على المدى البعيد أمام تحقيق مشروعها للعودة من أجل السيطرة التامة على السلطة؟ وهل ما نشهده الآن هو في الحقيقة صراع جناح عسكري إسلاموي في الجيش ضد جناح إسلاموي آخر يناصر البرهان؟
وماهي ردود الفعل على أداء الجيش في الميدان سواء أقدم ضباط على انقلاب محكوم بالفشل، وإذا نجحوا في الإطاحة بالبرهان فهل نشهد تطوراً جديداً على واقع البلاد؟ وبالنسبة لحلفاء البرهان في الإقليم كيف ينظرون إلى انقلاب ناجح على حليفهم الأقوى، وهل سيعون لاحقاً أن رهانهم عليه كان ضرباً من غياب البعد الإستراتيجي في قراءتها للمشهد السياسي؟ وفوق كل هذا هل تحتمل حالة الجيش الآن وجود انقلاب فاشل أو ناجح ليعزز أداءه أكثر فأكثر في التعامل مع الدعم السريع وكذلك التعامل مع قواه العسكرية المساندة من براءتين وحركات مسلحة وإعلاميين ولايفجية وداعمين بخلفيات سياسية ومناطقية وقبلية، أم أن البرهان بكل أخطائه يمثل الخيار الأفضل، وأن غيابه عن المشهد قد يمثل كارثة حقيقية لسلطة بورتسودان؟ وهل نستطيع القول إن الذي يخلف البرهان بانقلابه الناجح إذا قدر الله سوف يفيد الجيش في تحقيق نصر كاسح على البرهان أم أنه سيعمل على تحقيق السلام، أم في الغالب يمنح الدعم السريع فرصة للاستقواء أكثر؟
في وقت ما يزال البرهان فاقداً الشرعية، وساعياً لنيل رضا الاتحاد الأفريقي، والمجتمع الدولي، فكيف يفكر إذن الانقلابيون القادمون في هذا الموضوع إذا كان لا بد من نيلهم شرعية أفريقية، ودولية، تمهد لهم الاستمرار في تحقيق أهدافهم الانقلابية؟ وعلى مستوى المشهد السياسي هل سنشهد انقساماً خطيراً في جبهة المؤيدين للحرب، وكذا البرهان، ما قد يؤدي إلى مواقف تضر بالدعم الإعلامي للجيش؟
قد تتنوع الإجابات على مثل هذه الأسئلة الضرورية لفهم المشهد السياسي، والعسكري، المعقد في البلاد. ولكن خطوة الانقلاب على البرهان، أو عدمها، أمر مفتوح على إفراز المستقبل.
فالانقلاب على البرهان – بكل المقاييس – تبرره الحاجة الملحة لمعارضيه في الجيش، وخارج الجيش مثل الحاجة السابقة لبكراوي، وهاشم عبد المطلب، للانقضاض على مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية. ويجدر بالذكر أننا كنا قبل الانقلابين على خلو تام بالمعرفة ما إذا كان هناك انقلاب سيُكشف بجانب أسماء قادته. فالانقلاب العسكري بطبيعته يأتي دائماً مفاجئاً ليؤكد نجاحه، أو فشله. وبهذا التقدير فإن أي انقلاب في إفريقيا يظل في حكم الغيب إلى أن تفيدنا الأنباء بوقوعه.
لا أحد يستطيع أن يتنبأ بمستقبل الانقلابات العسكرية، وأوان وقوعها، وقادتها، حتى تظهر الحقيقة أمام الرأي العام.
من خلال قراءتنا للعلاقة المضطربة بين البرهان وبين مؤيدي الحرب الذين لديهم حلفاء داخل الجيش ما يزال هذا الإضطراب ماثلاً حتى الآن. بل إن بعض المؤيدين للحرب، خصوصاً المنتمين للمؤتمر الوطني المنحل، يأخذون على البرهان دوره في المشاركة مع قوى الحرية والتغيير لإنهاء سلطة الإنقاذ. ويضاف لهذا أن لدى الإنقاذيين – بعد الحرب – ألف سبب لمضاعفة عدم الثقة تجاه البرهان الذي وافق من خلال اتفاق جدة، والمنامة، تسليمهم للمحكمة الدولية كأقصى، وحتى سرية لقاء البرهان – بولس، ونتائجه، ما تزال سبباً للتشكيك في وفاء البرهان لمؤيدي حربه من الإسلاميين تحديدا.
هذه الحقائق في مجملها تمثل السماد الخصب لمحاولة الانقلاب على البرهان في وقت وقفنا على تهديدات مبطنة ضده طوال زمن الحرب، وكذلك ابتزازه في حال اتخاذ مواقف للتسوية مع الدعم السريع لإنهاء الحرب. وكما نعلم أن كل انقلاباتنا السابقة فرضتها مثل التناقضات السياسية والعسكرية التي نعايشها اليوم، فضلاً عن عدم الرضا التام على القائد العام سواء من جهة ضباط في الخدمة، أو من جهة سياسيين، وإعلاميين كثر، يرون أنه منح الدعم السريع كل الأسباب للتمرد على الدولة.
أياً كانت المبررات التي أدت إلى إعادة اعتقال بكراوي، ومصداقية تقارير جديدة عن كشف محاولة انقلابية جديدة على البرهان، فإن الشتاء الذي هو على الأبواب – على أكثر تقدير – سيشهد أحداثاً ساخنة على صعيد مشهد السودان السياسي، والعسكري، وذلك ببقاء البرهان على سدة سلطة بورتسودان، أو آخر خلافه