الحكم اللامركزي يفارق “الدستورية” وروح الثورة (4): الحكومة الولائية والمجلس التشريعي “اثنان في واحد”

الحكم اللامركزي يفارق “الدستورية” وروح الثورة (4): الحكومة الولائية والمجلس التشريعي “اثنان  في واحد”
  • 25 أغسطس 2020
  • لا توجد تعليقات

المستشار البشرى عبدالحميد

تهتم الدول في إصدار تشريعاتها الدستورية والقانونية بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، وهي: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية؛ لما يحققه هذا الفصل من آثار إيجابية في مسيرة الحرية والعدالة والديمقراطية.

الالتزام بترسيخ مبدأ فصل السلطات يجعل من مؤسسات الدولة وأجهزتها آلة تعمل من تلقاء نفسها؛ إذ تمكّنها من ممارسة مهامها بعيداً من الوصاية. وبشفافية تامة، بمكنها بالقيام بأدوارها الدستورية والقانونية في الحكم بما يحقق التنمية والاستقرار والنماء. ل

أهمية فصل السلطات أكدت الوثيقة الدستورية لسنة 2019م على هذا المبدأ، وهو بذلك أمر ملزم يجب تنزيله في القوانين الخاصة بمستويات الحكم الانتقالي المختلفة، وهذا ما كان يجب أن يحدث في قانون تنظيم الحكم اللامركزي والعلاقة بين أجهزته لسنة 2020م.

يتناول القانون في الفصل الرابع منه الأحكام الخاصة بالمجلس التشريعي الانتقالي الولائي بدءاً من الكيفية التي يتم بها تكوين المجلس التشريعي الولائي بالنص في المادة 17(1) على تكوين المجلس التشريعي من ثمانية وأربعين عضواً في كل من ولايات الخرطوم والجزيرة وجنوب دارفور، وخمسة وعشرين الى اثنين وثلاثين عضواً في الولايات الأخرى.

أما الفقرة (2)، فإنها تنص على أن يجري اختيار أعضاء المجلس من مكونات الحرية والتغيير، والمكونات الاجتماعية الأخرى بالولاية دون تحديد لهذه المكونات؛ وهذا ما يفتح الباب للاجتهادات واختلاف الرؤى حول ماهية تلك المكونات، وكيفية تمثيلها؛ لذا كان من المهم معالجة هذا الأمر بالإحالة الى ما ورد بالمادة (24) من الوثيقة الدستورية لسنة 2019م الخاص بتكوين المجلس التشريعي الانتقالي القومي، إذ فصلت كيفية تكوين المجلس التشريعي وتوزيع نسب التمثيل بين شركاء الفترة الانتقالية أو من خلال  النص صراحة في هذا القانون بما يطابق النص الدستوري حول النسب والتكوين على النحو الآتي: “يتم تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي للولاية بنسبة 67% يمثلون قوى إعلان الحرية والتغيير ونسبة 33% للقوى الأخرى غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير، التي تتم  تسميتها، وتحديد نسبة مشاركة كل منها بالتشاور بين قوى اعلان الحرية والتغيير بالولاية ووالي الولاية، على أن تراعي جميع المكونات تمثيل المرأة بنسبة 40% في النسبة المخصصة لها، على أن يراعى في تكوين المجلس التشريعي الانتقالي للولاية استيعاب مكونات مجتمع الولاية من قوى سياسية ومدنية ومهنية، وإدارات أهلية، وطرق صوفية، والمؤسسة العسكرية، وقوى المقاومة المسلحة”.

سلطات المجلس التشريعي الولائي وصلاحياته، تم النص عليها في المادة 18 من القانون، وتم حصرها في إصدار القوانين الولائية، واجازة الموازنة، ومراقبة أداء الحكومة التنفيذية، وتشكيل اللجان المتخصصة والطارئة، وطلب التقارير من أعضاء الحكومة، وإصدار اللوائح المنظمة لأعمالها.

هذا النص تجاهل مجموعة من المهام الأساسية للفترة الانتقالية والمضمنة في الاتفاق السياسي، والوثيقة الدستورية، والتي كان من الواجب تضمينها؛ لكونها مطالب أساسية تتعلق بسلطة المجلس في إلغاء جميع القوانين الولائية المقيدة للحريات، أو تلك التي تميز بين المواطنين، وإجراء الإصلاحات القانونية المطلوبة، وإعادة بناء الأجهزة العدلية في الولاية، وكذلك إقرار وتفنين السياسات الخاصة بتعزيز الحقوق القانونية للنساء والشباب في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومحاربة كل أنواع التمييز والعنف ضد النساء بما يتماشى ومبادئ وأهداف الثورة.

كما أنه كان من الأهمية بمكان أن يتضمن القانون صلاحيات المجلس في انتخاب رئيس المجلس، ورؤساء اللجان، وكذلك سلطات المجلس في حق استجواب الوالي، وأعضاء حكومته، وسحب الثقة من الوالي، وأي من أعضاء حكومته، وكذلك حق سحب الثقة من رئيس المجلس، ورؤساء اللجان متى ما اقتضى الأمر ذلك.

أما النقطة الأساسية التي تشكل مخالفة دستورية واضحة تتصل بمبدأ فصل السلطات فهو نص المادة 23 من القانون الذي نص على أيلولة سلطة التشريع لحين تكوين المجلس التشريعي لحكومة الولاية ، وعضوين اثنين ممثلين لكل من الحكومات المحلية بالولاية؛ لتمارس سلطات التشريع في اجتماع مشترك، تتخذ القرارات فيه بالتوافق أو بأغلبية ثلثي الأعضاء.

هذا نص معيب وغير دستوري لمخالفته مبدأ فصل السلطات من خلال منح سلطات المجلس التشريعي المتمثلة في التشريع، والرقابة للسلطة التنفيذية، التي يجب أن تكون تحت رقابة ومحاسبة المجلس التشريعي، وهو الأمر الذي يخالف نص المادة (25) (ب) من الوثيقة الدستورية لسنة 2019م التي تنص على صلاحية المجلس التشريعي في مراقبة أداء السلطة التنفيذية، ومساءلته، وسحب الثقة منه، أو من أحد أعضائه عند الاقتضاء.

إن جمع السلطتين التنفيذية والتشريعية كاملاً، ولو بشكل مؤقت، في يد الجهاز التنفيذي ممثلاً في الحكومة وممثلين من الحكومات المحلية أمر مخالف للدستور، ويجب إلغاؤه.

ولأهمية قيام المجالس التشريعية بشكل عاجل، كان من الضروري النص ًعلى قيد زمني قصير يتم خلالها تشكيل المجالس التشريعية الولائية؛ لضمان تحقيق فصل السطات، وترسيخ الممارسة السياسية والدستورية الراشدة.

وفي إطار تقييد ممارسة اللامركزية، والتضييق في الصلاحيات على المستوى الولائي، جاء نص المادة (24) من القانون لإنشاء ما يسمى (المجلس الأعلى للحكم اللامركزي) برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية كل من وزراء الداخلية، والعدل، والحكم الاتحادي، والمالية والتخطيط الاقتصادي، والزراعة والموارد الطبيعية، والري والموارد المائية، والعمل والتنمية الاجتماعية، وولاة الولايات.

وقد تمت الإشارة  إلى المجلس الأعلى في المادة 25  من القانون بوصفه الآلية المنظمة لأعمال أجهزة الحكم اللامركزي المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية لسنة 2019م، مع تحديد اختصاصاته وسلطاته؛ لتشمل اقتراح السياسات الخاصة بتطوير الحكم اللامركزي، وابتدار التعديلات الهيكلية في بنية الحكم اللامركزي، والاطلاع على التقارير الدورية الخاصة بأداء أجهزة الحكم اللامركزي بالولايات، والتوصية بشأنها لرئيس مجلس الوزراء، مع القيام بأي مهام يكلفه بها مجلس الوزراء.

إن وجود هذا المجلس بالسلطات والصلاحيات المنصوص عليها في القانون فيه تقييد لممارسة اللامركزية بشكل موسع، كما تتطلب الأوضاع السياسية في البلاد، خصوصاً أن ما منح من صلاحيات للمجلس الأعلى تتقاطع مع صلاحيات وسلطات مستويات الحكم المختلفة بما فيه الحكم الاتحادي.

كما يلاحظ أيضاً أن المادة (27) من القانون نصت على أن وزارة الحكم الاتحادي هي الجهاز التنفيذي للمجلس، وحدد لها مهاماً تفصيلية تشكل تغولاً على كثير من السلطات والصلاحيات لمختلف مستويات الحكم، خصوصاً المستوى الولائي؛ وهذا ما قد يشكل عقبة في طريق الإدارة الصحيحة للولايات، ولمختلف مستويات الحكم؛ لذا فمن الأوفق إلغاء المجلس المذكور؛ لتمكين كل مستوى من مستويات الحكم من ممارسة سلطاته وصلاحياته، وفق الوثيقة الدستورية والقوانين الصادرة بموجبها، بعيداً من البيروقراطية، وبما يحقق تنفيذ السلطات والاختصاصات بشكل صحيح خاضع للمتابعة والمراقبة والمساءلة وفق مقتضيات الحكم الراشد.

يتبع

التعليقات مغلقة.