كتبَ مصطفى.. والحمدلله

كتبَ مصطفى.. والحمدلله
إهداء من مصطفى
  • 02 سبتمبر 2020
  • لا توجد تعليقات

د. حاتم قمرالدين عبدالرحيم

عامان من عمر الزمان، عرفت فيهما مصطفى، وأحببته منذ الوهلةِ الأولى ولا أدري ما السبب..
مصطفى.. طفلٌ في الثانية عشرة من عمره.. أصيب إصابة بالغة في يده اليمنى أدت إلى تأثر وظيفة يده بصورة كبيرة..
مصطفى.. الابن الوحيد لأبويه بعد سعيٍ طويل للإنجاب.. فوالده في أواخر العقد السادس من عمره..
ووالدته معلمه بلغت درجة موجهة بوزارة التعليم..

كل هذه المعطيات جعلت من هذه الأسره حلبةً تتصارع فيها الآلام والآمال، وأرضاً تسقى بماء الصبر الذي تتجرعه ولا تكاد تسيغه..

بالنسبة لي كان ذلك وحده دافعاً قوياً للاجتهاد، والعمل الشاق جيئة وذهاباً بين غرف العمليات والعيادة وبرنامج إعادة التأهيل والعلاج الوظيفي.. رحلةُ تتناقض فيها المشاعر وتترجمها دموع الأم المكلومة دعواتٍ تصارع الأقدار وتخترق حُجب السماء لتستقر عند مليك مقتدر..

بعد عامين من العناء والفرح تارة والحزن تارة أخرى، كتب اليوم مصطفى.. قدِم من أقصى ساحات اليأس مضمخاً بزخّاتِ آماله وإيمانه.. جاء من أقاصي الشلل الكامل لليد .. وعاد بعد عامين ليمسك بالقلم .. ويكتب..
كتب ليجعلني أكتب.. ولسان حالي يلهج بالشكر أولاً و أخيراً للذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم…

مصطفى سيعود للمدرسة بعد توقف لعامين، ليس نادماً على ما فات.. وعلمت أنه من المتميزين وسط أقرانه.. حاولتُ عبثاً أن أواسيه والجود بالموجود، فأنا لا أملك ربع إيمانه وعزيمته.. قلت له : يا مصطفى، الحمدلله ستعود للمدرسة وستكتب مجدداً وسترسم.. فكان الرد منه أبلغ وقال لي ( جئتك مشلول اليد واليوم أنا أعود وأنا أكتب باليدين بدل الواحدة، فماذا ينقصني الآن؟ .. ) إشارة منه إلى اعتياده استخدام اليد اليسرى طوال العامين حتى في الكتابة…

اليوم وقّعت في دفتر متابعته إذن الخروج الأخير.. و منحته شهادته الطبية لمدرسته بمقدرته على العودة حتى يتسنى له الالتحاق بها.. اليوم اختلجت في دواخلي مشاعر الفرح والحزن.. الفرح بالنجاح وسط نظرات أعين أفراد أسرته الذين لم يتسع لهم مكتبي ودعواتهم التي تقشعر لها الأبدان ..فاللهم القبول.. ومشاعر الحزن على فراق مصطفى العائد إلى مدينته بشمال السودان.. لحظات ختمها مصطفى بقلمي الذي أهديته له وأهداني من مداده سطرين .. و أي سطرين..

الحمدلله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله… وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى.. وصلى الله وسلم على من سُميتَ تيمناً به..

شكراً مصطفى…

حاتم قمرالدين

التحرير: قريباً حوار شامل مع الطبيب الإنسان حاتم قمر الدين عبدالرحيم استشاري جراحة العظام وجراحة اليد والمرفق أستاذ جراحة العظام بجامعة أمدرمان الإسلامية والأمين العام لجمعية جراحة اليد السودانية.

التعليقات مغلقة.