مآسي الفيضان

مآسي الفيضان
  • 06 سبتمبر 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

مناظر مؤلمة وثقتها الكاميرات من قلب الفيضان، إنهيار بيت مواطن سوداني امام عينيه في قلب الخرطوم، رجل كبير السن يجلس ساهما امام منزله وامامه تروس التراب والشوالات وهو يضع يده على خده في حيرة وجزع وقلة حيلة، منظر المراكب تجول بين المنازل بعد أن كانت لا تبارح النيل، منظر المواطنين الفارين من بيوتهم تاركين خلفهم كل شيء لينجوا بحياتهم، جميعها مناظر مؤلمة نراها كل رأس ساعة والاستغاثات تترى والنداءات تتكرر والمياه العاتية تهجم على البيوت والقرى والمدن في مناظر مرعبة ومخيفة.

الفيضان الراهن لم يحدث في السودان عبر تاريخه، لم يحدث ان خرجت الامور عن السيطرة كما تحدث الآن، لا أدري هل هي عين وأصابت حكومة الثورة التي ما تنهض من أزمة الا وتسقط في أخرى، ام هي نتاج التخطيط العمراني والشره في البيع والتملك حتى صارت عقارات الخرطوم أغلى من لندن ودبي والرياض. والمشكلة الأكبر ان هذا الغرق يترافق مع أوضاع مأساوية، غلاء فاحش، ارتفاع جنوني في الاسعار، انهيار يومي للجنيه، انعدام لبعض أنواع الأدوية، صفوف بلا نهاية امام محطات الوقود، وفوق ذلك أفق سياسي مغلق، يعجز معه الجميع عن تحديد إلى أين نسير؟ ومن يقودنا؟ فاللاعبون السياسيون كل منهم يرمي الفشل الاقتصادي على الاخر، والمواطن المسحوق يدفع الثمن.

لا نريد أن نضغط الحكومة أكثر مما هي مضغوطة، ولكن ماذا يفعل صاحب دخل محدود انهار منزله وفقد بداخله كل شيء؟ ماذا يفعل صاحب بقالة او طبلية او محل موبايلات فقد كل راسماله في الدنيا فجأة وبدون ان يستعد لهذه المصيبة؟ الدولة عليها ان تدعم هؤلاء المتضررين، ان فشلت الدولة في حمايتهم من هذا الفيضان، فعليها أن توفر لهم الحماية من الضياع واليأس والمجهول، اتمنى ان تشرع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية مع وزارة المالية وصندوق الزكاة ورجال الأعمال في إعداد خطة لجبر الضرر، تشرع لجانها مباشرة في حصر الخسائر وتبويبها ومن ثم في المستقبل القريب تعويض المواطنين المتضررين بما يعيدهم للحياة مجددا.

على الصعيد الاخر، حدوث هذا الفيضان الكارثي الان، يجعل إمكانية حدوثه مرة اخرى قريبا غير مستبعدة، وتحسبا لذلك على الحكومة التفكير استراتيجيا في كيفية حماية المواطنين من تكرار هذه المأساة، لا يجب ان تتكيء الحكومة على سد النهضة وحقيقة انه سيكون علاجا لهذه المشكلة، لأن السؤال المهم هنا هو وماذا اذا انهار هذا السد نفسه؟ اذا كانت امطار بسيطة كهذه أحدثت هذا الغرق وهذه الكارثة فماذا يحدث اذا انهار سد النهضة ونحن لم نعد لذلك العدة؟ بالتأكيد سيكون أندفاع الماء الجارف والعاتي كافيا لمسح مدنا بأكملها وقرى بالكامل، وستكون الخسائر كارثية. لذلك الدولة عليها التفكير في طرق تمنع بها هذا النيل من التمرد وتحفظ به الارواح، مؤتمر لمناقشة هذه الطرق سيكون خيارا جيدا وسيسمع أهل الحكومة مقترحات بناءه وأفكار عظيمة من ابناء وخبراء السودان وستكون جميعها سودانية مية المية.


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.