جاذبيتها أقوى من جاذبية الأرض

العيون

العيون
  • 15 يوليو 2017
  • لا توجد تعليقات

آسيا المدني

قال تعالي: ألم نجعل له عينين (البلد:8).

وفي أنفسكم أفلا تبصرون(لذاريات:21).

أحبتي القراء الأعزاء هنالك آيات كثيرة للموقنين لا حصر، ولا عد لها، ونأخذ على سبيل المثال العيون.

العين البشرية آية من آيات الله، فهي ذات 256 بصمة، وتتكون من ملايين الخلايا البصرية، وهي كرة صغيرة لا يتعدى وزنها 8 جرامات، ولكنها، قد تفعل بالناظر إليها، والمتأمل فيها مفعول السحر. وتعلم من يتمعنها بعمق دروساً وعظات وعبر جمة.

علمتني العيون بأن لها جاذبية أقوى من جاذبية الأرض التي اكتشفها نيوتن، وأظن بأن الفرق بينهما يكمن في أن الثانية تجذب الأشياء إلى الأسفل، والأولى تجذب القلوب إلى أعلى. يا له من سحر. ولما لا؟ العيون كانت ولا زالت سراً من أسرار الجمال، وقد تغنى بها كثير من الشعراء، وأبدعوا في وصفها، وتباروا فيه من حيث الشكل، واللون، والأثر الذي تتركه.

وحمل الشعر العربي أجمل تجليات العيون، وترجم كل تفاصيلها. وهي وحي ملهم للشعراء والمبدعين والمحبين وعشاق العيون.
ومع تطور المجتمعات لم يخل الشعر من رمزية العيون. ولكل عين نظراتها وأهدابها.. الخ.

ليت الذي خلق العيون السودا
خلق القلوب الخافقات حديد
صنفت العيون بأشكالها .

كالمسدلة او الفاترة ( ذات الدلال والغنج في النظرة) التي قال فيها يزيد بن معاوية الذي سحرته جاريته بعينيها الفاترتين:
عليّ أن أجيب إذا دعتني
ذوات الدل والحدق المراض

وقال ابن الرومي:
يسبي العقول بمقلة مكحولة
بفتور غنج لا فتور نعاس

كما شكا شوقي:
أداري العيون الفواتر ساجيا
وأشكو لها كيد إنسانها ليا

الفواتر.. الفاترات.. النواعس.. الناعسات.. تجدها كثيراً في الشعر الغنائي السوداني، ولا سبيل للحصر هنا.. عيونه نعسانه.. فتاكه فتانه. .. الناعسات عيونك عيون الصيد حاكت عيونك ويا ناعس الأجفان…. الكثير المثير من هذا الوصف.

العيون اللوزية الساحرة سحرتني عيونك وبقيت مجنونك من أول نظرة… عيونك كانوا في عيوني يصدوني وينادوني وأخاف لو قلت حبوني …
العيون البيض لو صفن
يجرحنك ويتلاصفن
مره نظرن لي اوقفن
شالوا نومي وما انصفن
العيون السود كاحلات
في دلالن متهاملات يجرحنك ما سائلات
يتركنك متجاهلات

وهذا غيض من فيض عن الشعر الغنائي السوداني الذي أبرز جمال العيون وتأثيرها (حقيبة الفن) الذي أثرت وجدان الشعب السوداني.
كما سلبت العيون الألباب بأنواعها
العيون الدعجاء والشهلاء.. النجلاء

العيون الكحيلة التي هي أشد فتكا وسحرا.. والعيون الحوراء التي قال فيها جرير أجمل ما قيل في العيون من شعر:
أن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
وهن أضعف خلق الله إنسانا

كما علمتني العيون أحبتي الأعزاء، بأنها مرآة نقية صافية تعكس ما بدواخلنا عارياً من غير زيف، لذلك لغتها أبلغ وأصدق من كل حديث. .فأحرص على أن يكون ما بداخلك جميلاً ونقياً؛ لأن عيناك حتما ستعكس ما بداخلك؛ لأنها أصدق في كل حال.

كما تعلمت منها، بأن لها لغة عالمية، لا تحتاج إلى ترجمان، أينما ذهبت تستطيع قرأتها، وتستطيع بها إيصال آلاف الكلمات والمشاعر، لغتها هي السهل الممتنع وسهولتها وامتناعها يعكس شخصياتنا بين غموض ووضوح.

وبين الغموض والوضوح قصص وحكايات لتنوع بشري عجيب، هكذا هي الحياة ثراؤها في زخم تنوعها. فتعلم من لغة العيون مرونة التواصل، مهما اختلفت الأنواع والاجناس. واجعل الاختلاف والتنوع بقدرتك على التفاعل معه تكاملا خلاقاً. كن عالمياً كالعيون. والعيون سلوك.. تستطيع أن تميز الشخص من نظرته، فيسهل تصنيفه؛ لما للعين من بصمة خاصة.

قديما قيل -في ثقافة أهلنا البسطاء – هذا الشخص مهذب (عينه ما برفعها)، دليل على السلوك الحسن (فلان عينه طايرة)، دليل على سوء السلوك لكل من الجنسين.

كما نعلم تماماً العين أداة التهذيب والتقويم، فبنظرة والد، أو أم، أو معلم تستطيع أن تغير سلوكك في لحظة، وهذا عهدناه عندما كنا صغاراً، كأن اذا صدر منا سلوك غير مرض في وجود ضيف ما، فترى سهام العيون تتقاذفك من الكبار، وتتوعدك بأمر قد يكون مفعولاً بعد مغادرة الضيوف. أو ربما انسحبت من ذاك المكان غير آسف.

وتعلمت من العيون
هنالك عين ساخطة وأخرى راضيه وكل تعمل عكس الأخرى
عين الرضاء عن كل عيب كليله
لكن عين السخط تبدي المساوئا

وتعلمت من العيون بمختلف ألوانها وأشكالها وسحرها، أن هناك تناغماً مبهراً بينها وبين القلب والجسد.. فإذا سألت العين عن القلب تجيب بالسعادة أو بالدموع، وإذا سألت الجسد من سيعبر عن أوجاعك؟ دموع العين ستكون الإجابة. لأتأكد بأنه أنت انا مهما اتسع الفنا.

ودرس العيون مهما تعددت الأشكال والألوان فالجمال واحد…ومهما تعددت الأسباب والمسببات فالدمع شاهد.. للفرح دموع، وللحزن دموع، وبين هذا وذاك… الأمل دائماً في سطوع.

فيا أحبتي الرائعون العيون نعمة قيمة من نعم الله على العباد.. دعونا نوظفها في مرضاة الله وحبه، لا في معصية، لأن الله يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور.

تعصي إله وانت تظهر حبه
هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيع

ونسأله البصر والبصيرة، وان نكون من ذوي العيون الباكية من خشية الله، هذه أهمية التدبر والتمعن والتفكر في الآية الكريمة ومدلولاته: وفي أنفسكم أفلا تبصرون (الذاريات: 21).

سلطنة عمان
مسقط

الوسوم آسيا-المدني-

التعليقات مغلقة.