ثلاثة شعراء محور قصائدهم الحرية الفيتوري و محجوب شريف و هاشم صديق أثروا الساحة بإبداعاتهم

ثلاثة شعراء محور قصائدهم الحرية الفيتوري و محجوب شريف و هاشم صديق أثروا الساحة بإبداعاتهم
  • 12 فبراير 2021
  • لا توجد تعليقات

بابكر عيسي



كثيرون هم من تغنوا للحرية و السلام و العدالة في مختلف بقاع المعمورة و بكل لغات الأرض بإعتبار هذا الثالوث المقدس مثل توق البشرية أن تنعم بحياة ملؤها الأمن و الإستقرار و السعادة … الذين تغنوا للحرية حتى تحققت هم فرسان هذا الزمن و كل الأزمنة … و الحمد لله أننا عشنا زمناً عاصرنا فيه بعض هؤلاء المبدعين من مختلف الجنسيات و أشعلوا في داخلنا التوق للإنعتاق من أسر العبودية و الإستلاب.
قررت هذا الإسبوع أن ابتعد عن السياسة و مرارتها و أن أختار في حلقه أولى عدد من الشعراء الذين عايشتهم و الذين إمتلأت رئتانا بعبير كلماتهم و رحيق معانيهم النبيلة و هم يغنون للأرض و الإنسان و الحرية ، هؤلاء المبدعون حفروا أسمائهم بأحرف من نور في دواخلنا و أصبحوا أهزوجة نتغنى بها في الصباح والمساء و نقاوم من خلالها لحظات اليأس و الإنكسار و الهزيمة و الإحباط.
لأن الوطن هو الذي يسكنني سأختار أولاً ثلاثة من شعراء بلادي تركوا بصمات لن تمحى في وجداننا منذ نعومة الأظافر و حتى خيوط المشيب و هم محمد الفيتوري و محجوب شريف و هاشم صديق، منهم من رحل و لكن تظل حوافر خيولهم تصهل في الأفاق و تمتد في الوجدان و تنتقل مثل العدوى من جيل إلى جيل و منهم من بقي يقاتل بالكلمة و المعنى و النغم.
“أبداً ما هنت يا سوداننا يوماً علينا بالذي أصبح شمساً في يدينا” تلك كانت صرخة المبدع الراحل محمد مفتاح الفيتوري منادياً بأن الصبح أصبح و أنه لا مكان للسجن و لا السجان و أن شمس الحرية قد إنبثقت من وسط العتمة و الظلام.
مناداة الفيتوري بالحرية تجاوزت نطاقة الجغرافي لتشمل كل القارة السمراء -أفريقيا- حيث قدم لقراء العربية سلسلة من الدواويين الشعرية تحرض على الثورة و تدعوا للإنعتاق من سطوة المستعمر البغيض و من حالة الإرتهان البشعة.
و لله در ذلك الشاعر الراحل فقد كان ثر العطاء كتب العديد من القصائد و أرخ لمرحلة تاريخية بالغة الدقة و الهشاشة و كتب بقلب الإنسان المحب و بقلم الثائر الجسور إلى أن إختطفه الموت في المغرب و هو بعيد عن أهله و أحبته و عشاقه في وطنه السودان و في كل البقاع العربية التي عاش فيها و أحبها و غنى لها.
الفيتوري شاعر لا يتكرر في زماننا الراهن حيث الإنكسار بلغ مداه و أغرقتنا الفجيعة في مستنقع آسن من المؤامرات و الرزايا و الخيانة ، و ظل صوته صداحاً و كلماته قوية و أدائه رائع في الإلقاء و في الأمسيات الشعرية التي طاف بها ربوع العالم العربي مدافعاً عن الإنسان و منتصراً لقضاياه الوجودية و الحضارية من كل أنواع القهر و الإستلاب و العدوان.
سيبقى صوت الفيتوري الشعري مناره سامقه نستضيء بها في ظلمات أيامنا الحالكة ” ما تقولي شن سويت … ما شفت ما سويت … غير البطمن ناس … بي همهم حسيت “
هذا صوت آخر خرج من دهاليز الظلام و العتمة و غنى للحرية في أسمى معانيها، و كان عليه رحمه الله رائعاً و طيباً و ودوداً، أحبه كل من عرفه عن قرب و تغنت بقصائده الجماهير الهادرة في شوارع الخرطوم و كل المدن السودانية خلال ثورة ديسمبر المجيدة.
زار محجوب شريف كل زنازين السودان الضيقة رغم فسحة الأرض و لم تضيق العتمة على رؤياه فقد كان يرى المستقبل على راحتي يديه، و تنبأ في وقت مبكر بزوال الطغيان و تحققت رؤيته عبر الحشود الهادرة و كتبت قصائده على الجداريات ” حنبنيهو البنحلم بيهو يوماتي … وطن شامخ وطن عاتي… وطن خير ديمقراطي “.
ترك زاداً وافراً للأجيال القادمة كما ترك زوجة مناضلة و بنتان رائعاتان و عشرات القصائد الثورية، كان مصادماً رغم رقته و لم يعرف المهادنة و عاش واقفاً و مات واقفاً.
قصائده أيقونات في جيد الثورة و لم تكسره المعتقلات و لا السجون التي كان من مرتاديها على الدوام دفاعاً عن الحرية و الديمقراطية و الحكم المدني.
و كم تمنينا لو الأمنيات تتحقق أن يكون معنا هو و حميد و الحدربي ليرقبوا روعة المشهد في إعتصام القيادة و ليشدوا لنا بعميق كلماته الموحية و أناشيده الثائرة و ليكتب لنا صفحة في سفر التاريخ في الراهن المعاصر.
” لما الليل الظالم طول … فجر النور من عينا إتحول … كنا نعيد الماضي الأول … ماضي جدودنا الهزموا الباغي … و هدوا قلاع الظلم الطاغي”
” كانت ملحمة ” و كان في ريعان صباه لم يتجاوز العشرين لكنه قدم هذه الإنشودة الخالدة التي كل ما نسمعها تنبت في مساماتنا سيوف الحق … إنه الرائع المبدع الجميل هاشم صديق، المصادم الذي لا يهاب في الحق لومة لائم، ظل و مازال معطاءاً و قريباً من نبض الجماهير التي أحبته و ترنمت بالعديد العديد من قصائده الخالدة “عيويناتك ترع لولي و بحار ياقوت، مناحات ريد حزاينية”
يحزنني أننا بعد الثورة المجيدة لم نحتفي بهذا الإنسان الرائع، الوافر العطاء في الغناء و المسرح و في النشيد الثوري فهو طاقة متجددة و كنز من الإبداع، و ما أحوجنا لإسهامات هاشم صديق في المسرح، و نحن نحتاجه لخلق وعي جديد حتى يتعلم أطفالنا أن الإبداع ممكن على يد المبدعين.
اتمنى أن تحتضن الوسائط الإعلامية المقروءة و المسموعة و المشاهدة هذا النبوغ المبكر و أن تنهل من نبعه الفياض و من ذخيرته التي لا تنضب.
ستكون لنا عودة ثانية مع مبدعين آخرين ” أعطوا لهذا الشعب معنى ان يعيش وينتصر”.

الوسوم بابكر-عيسي

التعليقات مغلقة.