الرد على أسئلة العلمانية

الرد على أسئلة العلمانية
  • 25 يوليو 2021
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

ردا على مقال الأمس سأل احدهم؛ الا تعتبر الهجرة الراهنة من بلاد المسلمين تجاه الغرب العلماني دليلا على أن العلمانية هي الافضل؟ الاجابة: الهجرات نحو الغرب ليست من العالم المسلم فقط، العالم العلماني كذلك هناك من يهاجرون منه لاوربا العلمانية. جميع دول أفريقيا، ماعدا دول شمال إفريقيا المسلمة، جميعها دول علمانية ويهاجر سكانها الى الغرب العلماني، فنتسأل نحن بدورنا، لماذا يهاجر العلمانيون إلى بلاد علمانية اخرى؟ لماذا لم تساعد العلمانية دول أفريقيا العلمانية الفقيرة مثل تشاد وجنوب السودان وافريقيا الوسطى على التطور حتى تصبح مثل دول أوربا العلمانية؟

ردنا على السؤال أعلاه يثبت أن العلمانية ليست هي السبب المباشر في النهضة والتطور للدول، العلمانية ليست حلا سحريا لمشاكل البلدان الفقيرة، وجود العلمانية او عدمه لن يكون سببا في نهضة بلد فقير، يجب أن يفهم دعاة العلمانية من السودانيين هذا، ولا يحاولوا تسويق العلمانية كأنها المخرج من أزمات السودان.

بالنظر لخريطة العالم، العالم معظمه علماني، الاستثناء هو الدول المسلمة، دول قليلة من العالم المسلم هي دول علمانية، أما الغالبية العظمى منه فهي دول غير علمانية، هذه الروح المتفردة في العالم الإسلامي لم تأت من فراغ وإنما جاءت من كون أن الإسلام حضارة يعتز بها أصحابها ويحملونها هوية راسخة في وجه العالم، ويقدمونها كنموذج وحل لقضايا ومشكلات العالم، وهذا لوحده يجب أن ينبه الغافلين الذين يظنون أن الحياة لا تتم للمسلمين الا بالعلمانية.

تساؤل آخر وردني حول تركيا العلمانية، صحيح تركيا دولة علمانية ولكن دعونا نقارن بين تركيا العلمانية وتركيا العثمانية المسلمة، أيهما أعظم؟ اردوغان نفسه حين تنتفخ اوداجه ويظهر كانه أسد لا يفعل شيئا سوى انه يسترجع ذكرى تاريخ دولته حين رفعت راية الاسلام، لذلك لا يمكن لعاقل ان يتحدث عن ان تركيا تطورت بالعلمانية، فالحقيقة أن تركيا انحطت بالعلمانية وتركت مجدها التليد الذي صنعته تحت راية الاسلام.

المسلمون الآن في مستوى حضاري متدني مقارنة بدول أوربا العلمانية هذه حقيقة واقعية، ولكن هناك حقيقة أخرى هي ان دول العالم المسلم في مستوى حضاري متقدم على دول أفريقيا العلمانية، لذلك السؤال المهم هنا: كيف صعدت أوربا وتأخرت أفريقيا مع كونهما دول علمانية؟ هذا يثبت أن العلمانية ليست السبب، ثمة سبب اخر، وهذا صحيح، نهضت أوربا لأنها عملت بجد من أجل النهضة، تماما كما فعل المسلمون في القرون من الثامن إلى الرابع عشر، وسبقهم الفرس والروم، وسبق أولئك الإغريق، وكلها مشيئة ذكرها الله تعالى في قوله ( وتلك الأيام نداولها بين الناس).

المسلمون متأخرون الان عن اوربا، ولكنهم يستندون على أرث عظيم جدا قوامه الإيمان بالله وبمحمد، لم يسيطر المسلمون على العالم الا تحت هذه الراية، لذلك يعمل الغرب الف حساب للاسلام وليس للعلمانيين، ويعلم ان امتناع الدول المسلمة عن بيع هويتها وتزييفها بالعلمانية إنما هو ثبات حضاري عظيم يستحق الاحترام ويدل على ان الصعود الإسلامي أت لا محالة.

يجب أن نتذكر أننا في السودان صنعنا تاريخا عظيما في عهد الثورة المهدية، التي رفعت شعارات الدين، بعض المناضلين ضد الحقبة الاستعمارية في ذلك الوقت من غير المتدينين ومنهم كارل ماركس كانوا يظنون أن الأديان مخدر للشعوب وملهاة عن الحقوق ومقارعة الظلم، ولكن ما فعلته الثورة المهدية السودانية برايات الدين حين وحدت السودانيين وقاتلت المستعمر الظالم وانتزعت حريتها واستقلالها، جعلهم يعيدون التفكير في القدرة الكامنة في الأديان، وقدرتها علي مواجهة الظلم ورفع رايات التحرر والاستقلال.

تاريخ السودان المستقل الذي صنعه بنوه الاحرار، هو تاريخ ديني، منذ الممالك المسيحية القديمة، ثم السلطنة الزرقاء المسلمة، سلطنة دارفور، ومملكة المسبعات، ثم دولة المهدية، وحتى اليوم، أكثر من ١٥٠٠ سنة من الارث الحضاري المجتمعي والعمق الوجودي المتصل بالآخرة، من العبث والسذاجة ان نرمى به بكل هذه البساطة من أجل اتفاق مع احد المتمردين الذين تمردوا على الدولة الديمقراطية وعلى الدولة الشمولية على السواء، وأثبت أنه مجرد خادم لاجندة خارجية لا علاقة لها بتاريخ السودان ولا انسانه ولا جذوره ولا تراثه العريق.

يوسف السندي
sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.