من يضع العراقيل أمام التحوّل الديمقراطي؟

من يضع العراقيل أمام التحوّل الديمقراطي؟
  • 01 أكتوبر 2021
  • لا توجد تعليقات

م. أكرم عمر

سئمنا مرور أي حدثٌ يضطرنا إلى سماع أقوال رئيس مجلس السيادة، التي تعيدنا بالذاكرة الى ما بعد إسقاط المخلوع وتفنُّنه ومجلسه العسكري آنذاك (أو لجنة المخلوع الأمنية إن أمعنا في الوصف) في التلكؤ لتوقيع الوثيقة الدستورية تحت ضغط الاعتصام التاريخي.. ورغم تلك الممارسات التي لم تكن خافيةً على أحد، لم نختلف مع قوى الحرية والتغيير حينها بأن السبيل الوحيد لحقن الدماء هو التوقيع على تلك الوثيقة، وضمان هدنة العسكر، وإيقاف رصاصهم الموجّه إلى صدور أبنائنا دون مسؤولية، في محاولاتهم البائسة لقمع هذه الثورة العظيمة.. الى أن جاءت لحظة الغدر الكبرى وشهدنا مجزرة فض الإعتصام وفشله ومجلسه المشؤوم في حماية المدنيين السلميين الذين كانوا يمارسون حقهم الديمقراطي الأصيل مطالبين بالحرية والسلام والعدالة، وإعادة بناء وطنهم الذي مزقت أوصاله ممارسات حكومة المخلوع التي لا زالت بقاياها تعبثُ بالبلاد والعباد على مرأي ومسمع من هذا المجلس، الذي كثُرت أكاذيبه وألاعيبه لعرقلة هذه الفترة المفصلية من تاريخ بلادنا، وفشله الذريع في أداء ما جاء من أجل تحقيقه.
جاء خطاب البرهان بعد فض الإعتصام يلهج بالنصر المبين ظناً منه بأن الثورة قد وُئدت بعد تلك المجزرة المسمومة، وتنكّر عما تم الاتفاق عليه مع قحت، وقرَّر عدم الخوض معهم مجدداً في مفاوضات وادّعى بأن هنالك قوى أخرى (وطنية) يعلم الداني والقاصي ماهيتها وكينونتها قدمت مبادرات أفضل، ولكن إرادة شعبنا البطل وهبَّته الهادرة في مليونيات الثلاثين من يونيو في كل بقاع السودان أعادت الأمور لنصابها سريعاً.
لكنه لم يَعِ الدرس للأسف، وجاءت تصريحاته الأخيرة كسابقاتها، كأنه نُصِّبَ وَصيِّاً على هذا الشعب المُعلِّم.

أيها البرهان: جاء لقاؤكم بمنسوبي القوات المسلحة بعد إفشال المحاولة الإنقلابية، وكأنكم قد استعدتم أراضي تم اغتصابها، وحققتم نصراً مبيناً تظهرون فيه بمظهر الأبطال الذي بدوتم عليه.. هل اجهاضكم لمحاولة انقلاب هي المسوّغ الذي يعطيكم الحق في انتقاد الشق المدني لحكومة الفترة الإاتقالية بهذه الطريقة الفوقية؟؟ وتأكيد عظم دوركم وايحاؤكم (المتكرِّر) بأن هذه الدولة من غيركم لن تتقدّم، ولن تعبر وأنكم ربّان هذه السفينة تقودونها أنّى شئتم؟؟
ألم تسألوا أنفسكم: ما المناسبة التي جئتم من أجل التحدث عنها؟؟ أين شجبكم وإدانتكم لتلك المحاولة التي أفشلتموها كما زعمتم؟ وما الخطوات التي ستتخذونها في مواجهة هؤلاء الانقلابيين؟ وما التدابير المُتَّبعة لوقف هكذا محاولات مستقبلاً؟ أين هيبة الرتب الرفيعة التي تحملونها؟ وأين هيبة الدولة التي تترأسون مجلس سيادتها بالشراكة مع الشق المدني الذي ظللتم تنتقدونه وتناصبونه العداء؟
لعلّي أهمس في أذنكم مذكّراً بأن ما قامت به قواتكم المسلحة في إحباط المحاولة هو واجبها الذي لا يعطيها الحق في اتخاذه مطيِّة للتربُّع على مقاليد الحكم مُتناسية بأنها وإلى الآن فاشلة بامتياز في إنجاز مهامها للفترة الإنتقالية، ونحن نستنكر تجاوزاتها العديدة أقلّاها وجود نقاط تفتيش عسكرية في العاصمة للقوات المسلحة، رغم أن ذلك فقط من صلاحيات قوات الشرطة “المدنية” بالتعاون مع الجهات العدلية لبسط الأمن، أما قوَّاتكم فمكانها على الحدود لا داخل المدن ووسط الأسواق.

اصطحبتم نائب رئيس مجلسكم السيادي لمقر المدرعات بالشجرة وتغزَّلتم فيه (نفاقاً ومداهنة) في محاولة فطيرة لتصوير الأمر للعامة بأنكم تعملون في تناغم تام ولم يخلُ ذلك من الإعتراف به ضمنياً نداً لكم (في الرتبة العسكرية) وأنتم تقومون بالإشادة بدور الدعم السريع وكأننا نجهل تاريخه وكيفية انتزاعه لنفوذه وسيطرته، وتغوُّله على الكثير من صلاحياتكم وسلطاتكم دون وجه حق، ورفضه علانيةً دمج قواته واستيعابها داخل المؤسسة العسكرية (صاحبة الجلد والرأس) وعدم مقدرتكم على انتقاد ذلك أو إظهاره علانيةً كما تفعلون مع المدنيين، مما يوضّح جلياً ضعفكم في الإمساك بمقاليد الملف الأمني الشائك، ويعزّز من انتشار الجريمة المسلحة والقتل والتهريب.. فعن أي انقلاب جئتم تتحدثون؟؟ وأنتم أنفسكم تعيشون أحوالاً (مقلوبة).

أيمكنكم الإجابة على بعض التساؤلات البسيطة أيها البرهان حتى لا نطيل؟؟ فاشلةٌ حكومة مدنية بصلاحياتٍ محدودة مُحاصَرة بشركاء يعيقون عملها، ورغم ذلك استطاعت انتشال الإقتصاد بإصلاحاتٍ واسعة واتفاقيات قيِّمة، وأوقفت انهيار العملة وحافظت على سعرٍ ثابت الدولار في فترة وجيزة، وحرَّرت السودان من وطأة الديون المثقلة، وأعادته تحت مظلة المجتمع الدولي بعد أن رفعت اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وحرَّرت أسعار الوقود وحجَّمت من السوق الموازية بشكلٍ غير مسبوق، وانتشلت الزراعة من الضياع وكشفت الكثير المثير من فساد نظام البشير ولا زالت تعمل في تفكيك التمكين، وهي ماضية نحو إنجاز ملفاتها العالقة رغم العراقيل دون منٍّ أو أذى؟؟؟ أم فاشلٌ من لم يستطع فتح طريقٍ أغلقه متمردون وهو ملف أمن دولة، وفشل في استعادة ميناءٍ رئيسي يعتبر شرياناً حدودياً للبلاد، ولم يتعاون في تسليم شركاته للدولة لجرد ميزانياتها وإعادتها لخزينة الدولة، ولم ينجز ملف دمج الحركات المسلحة ومليشيات الدعم السريع تحت لواء المؤسسة العسكرية وحقن دماء الأبرياء وحفظ الأمن على الحدود كما نصّت على ذلك الوثيقة الدستورية؟؟ ولا يزال “ينتقد الشق المدني” وهو يقف مكتوف الأيدي أمام تهريب الذهب ونهب خيرات البلاد؟؟ فمتى سنسمع بنتائج محاكمات الإنقلابيين الذين سطوا على السلطة في العام 89؟؟ وانقلابيي 2021م ومن الذي كان يقف خلفهم (من المدنيِّين)؟؟؟؟

نوجه للبرهان سؤالاً أخيراً وبشكلٍ مباشر لا يحتمل التأويل.. من المسؤول عن مجزرة فض الإعتصام؟؟ ولا نريد تذكيركم بأنها كانت أمام بوابات القيادة العامة للقوات المسلحة وأنتم تتبوأون قيادتها حينها وفشلتم حتى اللحظة (أي بعد أكثر من عامين) في تقديم تفسير مقنع لما حدث خلالها.. بل تخبَّطت تصريحاتكم حول الأمر؟؟ مما ولّد في قلوبنا شكوكاً بأنكم شاركتم فيها طالما أنكم لم تقدموا المجرمين للعدالة ليقتص الشعب المكلوم منهم، وهو الشئ الوحيد الذي سيطفئ تلك النيران التي تشتعل في القلوب.. ولن تموت الحقائق مهما حاولتم تغييبها.. ولن تصمت لجنة نبيل أديب الى الأبد، ولن يفلت أي شخص شارك في هذا العمل المخزي والذي أصبح عاراً يلازم قواتنا المسلحة حتى قيام الساعة.. ألم يكن من الأجدر لسيادتكم تقديم استقالاتكم إن كانت لديكم ذرة من دمٍ أو إحساسٍ بالمسئولية حيال هذه الجريمة النكراء وأنتم ترأسون المجلس العسكري آنذاك؟؟؟

واهمٌ أنت أيها البرهان إن ظننت بأنك ستخلع بزتك العسكرية يوماً ما لتحكمنا (ديمقراطياً)، وحالمٌ إن تخيلت أن تصبح بطلاً قومياً مهما تودَّدت أو هدّدت وتوعدت.. فهذا الجيش يذخر بالنبلاء والوطنيين الشرفاء الذين يحملون وطنهم وشعبهم في حدقات عيونهم، ولديهم من الخبرة والهيبة والشكيمة ما يؤهلهم لقيادته ببراعة وحنكة ليؤدي دوره المنوط به على أكمل وجه، ولن تغرنا خطبكم المكرورة ومحاولاتكم البائسة لدغدغة مشاعر العسكر لتنصيبكم قائداً دائماً لهم لتمارسوا هذه الديكتاتورية علينا.. ولن يعود هذا الجيش أبداً للتدخل في السياسة بأمر الشعب والقانون.. فثورتنا تمضي لتحقيق أهدافها رغماً عن عراقيلكم ومخططاتكم الخاسرة لتقويض عملية الانتقال إلى المدنية كاملة الدسم.. ولا تظنوا بأن صبرنا عليكم سيطول؟ وحتماً سيطالكم التغيير كما طال سابقيكم.. وفي الختام ندعوكم إلى سماع رأي الشعب السوداني فيكم.
وكما يقول المثل (رضينا بالهم.. والهم ما راضٍي بينا)!!!

الوسوم م.-أكرم-عمر

التعليقات مغلقة.