قادة الإنقلاب وحمدوك أمام تحديات سودانية ودولية متنامية

قادة الإنقلاب وحمدوك أمام تحديات سودانية ودولية متنامية
  • 27 نوفمبر 2021
  • لا توجد تعليقات

محمد المكي أحمد

بعدما قوبل انقلاب الفريق عبد الفتاح البرهان والفريق محمد حمدان، في 25 أكتوبر 2021، بعاصفة رفض داخل السودان وخارجه ، جرت مياه محلية ودولية كثيرة تحت جسر الأحداث الساخنة ، وجاء اتفاق 21 نوفمبر 2021 بين قائد الجيش ودكتور عبد الله حمدوك – وهو رئيس الحكومة الانتقالية (الثانية) سابقا ورئيس الحكومة التي ستُشكل في أجواء إنقلاب- ليُثير علامات استفهام عدة.

من أهم الأسئلة: ما تأثير تفاعلات رفض الشوارع بمظاهراتها، المتواصلة، على أجواء ما بعد اتفاق البرهان وحمدوك، وهل جاء الترحيب الدولي بإعادة حمدوك إلى رئاسة الحكومة من دون معايير، ومرتكزات، للحكم على مدى اقتران أقوال قادة الانقلاب وحمدوك، بأفعالهم، بشأن( التحول الديمقراطي الحقيقي) و( المرجعية الدستورية)؟

هل أستطاع قادة الانقلاب، باتفاق البرهان وحمدوك، أن يكسروا دائرة الحصار داخليا، أي هل استطاعوا حتى الآن أن يتحكموا في نبض الشوارع، ويُسكتوها، رغم القتل والقمع، والملاحقات، وهل استأنفت الولايات المتحدة وأوروبا الدعم السياسي والاقتصادي، كما كان الحال قبل الانقلاب ، أم أن هناك شروطا وضعتها تلك الدول ، لتشكل محكات إختبار لصدقية الانقلابيين وحمدوك أيضا؟

من يتابع حراك الشوارع السودانية، بمليونياتها ،المتواصلة، في مدن العاصمة المثلثة ( الخرطوم، الخرطوم بحري، وأم درمان) و في مدن سودانية سيخرج بنتيجة ، تؤكد أن صوت الشوارع مرتفع كسقف مطالبها .

في تظاهرات 25 نوفمبر 2021 رفع متظاهرون شعارات ( الثورة ثورة شعب، السلطة سلطة شعب، والعسكر للثكنات) و( سلم، سلم، يابرهان، ورانا وطن عايز بنيان) و( الدم قصاد الدم ما بنقبل الدية) و(شهدانا ما ماتوا ، عايشين مع الثوار) و(الشعب أقوى، والردة مستحيلة) وصوب بعضهم انتقادات شديدة للبرهان وحميدتي وحمدوك.

ما أثار حزن كثيرين، وبينهم كاتب هذه الحروف ، أن حمدوك الذي كان محل احتضان جماعي بسبب ما وُصف بـ (صموده) في فترة ( الحبس) التي جعلت منه رمزا للدولة المدنية ، لم تعد النظرة اليه كما كانت سابقا، بسبب تفاهمات ثنائية مع انقلابيين.

كنت بين المعجبين بشخصيته الوقورة، الرصينة، لكن هذا لم يمنعني من توجيه انتقادات شديدة لبعض سياساته ، ولأداء حكومتيه ( الأولى والثانية) ، و في الوقت نفسه كتبت في وقت سابق، وما زلت أرى، أنه رجل محترم، وصاحب خطاب سياسي رصين.

دعوت البرهان وحميدتي في مقال، قبل الانقلاب إلى اعتماد أسلوب حمدوك الرصين في الخطاب السياسي ،عندما كانا يُطلقان ما وصفته بـالخطابات العشوائية، التي مهدت للإنقلاب، لكن الآن يرى مؤيدون لحمدوك وأرى أنه دعم الانقلابيين ، باتفاقه مع البرهان.

كانت الأمنيات أن يخرج من ( الحبس) محمولا إلى مكتبه ،على أكتاف شباب السودان، وليس منقولا من مقر ( حبسه) وإقامته الجبرية إلى القصر، لتوقيع اتفاق مع البرهان، و كان يمكن أن يأتي اليه قائد الانقلاب، طالبا تهدئة الشوارع، لأن الشوارع راهنت عليه ، ورفعت صوره، لكنه خذلها بطريقة أوجعت من أحبوه وأحاطوه بتقدير، ومحبة، خصوصا أنه كان رئيسا لحكومة الثورة، السلمية، الباهرة.

الشوارع الثائرة أوجعها ذلك المشهد….

الشوارع التي خرجت في 25 نوفمبر الجاري، حددت أهدافها مجددا ، وفي الصدارة، التمسك بالحكم المدني، والعدالة للشهداء والجرحى والمفقودين، ومحاسبة من سفكوا الدماء في دارفور هذه الأيام ،وجاءت المجزرة في قرى جبل مون لتكشف أن قادة الانقلاب وبعض قادة الحركات المسلحة انخرطوا في الصراع على كراسي الحكم، وتجاهلوا بسط الأمن في دارفور، ومعلوم أن تأمين حياة المواطنين تأتي في صدارة مسؤوليات العسكريين، وليس الغرق في أوحال السياسة .

كان المشهد رائعا، حينما هتف المتظاهرون، السلميون بإدانة عمليات القتل بدم بارد في قرى جبل مون ، هذا النبض لا يستغرب ُ، إذ أنهم من صاغوا ورددوا في إعتصام ( القيادة) الشعار، الدرس( ياعنصري ومغرور كل البلد دارفور).

من روائع التظاهرات أن عمادها هم شباب، يحركهم أولا وأخيرا نبضهم ووعيهم بحقوقهم، وهم ليسوا ضحايا تضليل سياسي من قوى مهنية و سياسية كما يزعم بعض مؤيدي الانقلاب، أي أن الانقلابيين أخطأوا الهدف، وفشلوا في قراءة تفاعلات نبض جيل جديد، مدهش، ورائع.

المشكلة هنا هي مشكلة من يتوهم أنه بالبطش والقمع وقطع خدمة الانترنت والاتصالات الهاتفية سيُغير المعادلات في شوارع السودان، أوالقناعات في قلوب وعقول الشباب.

المتظاهرون يرفعون في مواكبهم صور الشهداء في فضاء المواكب، الهادرة، لم ينسوا المعتقلين ، وبينهم شباب من لجان المقاومة وصحافيون، ووزراء، وسياسيون، وناشطون، ورافضون للظلم.

هذا يعني أن الرسالة الأهم التي ترسلها ( المليونيات) تقول لقادة الانقلاب ولحمدوك، لن يهدأ لكم بال، أو يستقر لكم حال، إذا استمر الانقلاب، والإطاحة بأهداف الثورة، وبتضحيات جيل أدهش العالم بسلميته، ووعيه، وجسارته.

الرسالة تقول أيضا أن لا مستقبل للسلطة الانقلابية، طال الزمن أو قصر، وأنه ليس في مقدور أحد كسر إرادة شباب تجاوز بوعيه كل المُسلمات القديمة، ما يعني أن لا خيار سوى خيار سقوط الانقلاب بإرادة الشعب، أو أن يتراجع قادته عن كل قراراتهم، طوعا أو كرها.

أما بشأن ( الترحيب) بإعادة حمدوك ، باتفاق مع البرهان ، وهل هناك شروط وضغوط على قادة الانقلاب، فتبدو أهمية الإشارة إلى أن موقف دول الترويكا ( أميركا وبريطانيا والنرويج) ودول الإتحاد الأوروبي وسويسرا وكندا ، جاء سريعا في 21 نوفمبر 2021، ما يعكس دلالات.

هذه الدول ( رحبت باتفاق لإعادة تنصيب الدكتور عبد الله حمدوك رئيسا للوزراء في حكومة انتقالية بقيادة مدنية ) وقالت ( نرحب بالإفراج عن حمدوك من الإقامة الجبرية) لكنها قرنت ترحيبها بمطالب، أو استحقاقات، أو شروط، في صدارتها أنها شددت على الالتزام بالإعلان الدستوري لعام 2019 كأساس لعملية الانتقال نحو الديمقراطية) وهذا يعني أن نص اتفاق البرهان وحمدوك لا قيمة له إذا تناقض مع جوهر الوثيقة الدستورية، رغم نواقصها.

وفيما نوهت هذه الدول الكبرى بإطلاق سراح حمدوك، فقد دعت إلى ( الافراج الفوري عن جميع المعتقلين السياسيين) واعتبرت ذلك مجرد ( خطوات أولى ، نحو استعادة الانتقال، والنظام الدستوري وسيادة القانون في السودان).

هذا معناه أن أمام الانقلابيين وحمدوك تحديات استحقاقات الانتقال الديمقراطي وضرورات الاحتكام لسيادة القانون، وخصوصا أن المواكب تعرضت لغاز مُسيل للدموع في 25 نوفمبر 2021 رغم توجيه حمدوك بشأن حماية المتظاهرين، السلميين .

لم تقدم (الترويكا) ودول الإتحاد الأوروبي وسويسرا وكندا ترحيبا مفتوحا لاتفاق البرهان وحمدوك، إذ أنها بالإضافة إلى دعوتها إلى (خطوات) لتأكيد الالتزام بالإعلان الدستوري لعام 2019 فانها شددت على ( تضامننا مع الشعب السوداني) وأكدت ( دعمنا عملية انتقال ناجحة، تؤدي إلى سودان حر ، ديمقراطي، عادل، وسلمي) .

هذا الموقف سيضع قادة الانقلاب أمام محكات صعبة ، والأمر نفسه ينطبق على حمدوك، ما يعني أنه إذا لم تُتخذ خطوات تلبي تطلعات الشعب سيفقد حمدوك جاذبيته لدى دول سعت إلى إرجاعه رئيسا لحكومة، ستُشكل تحت مظلة وتأثير انقلابيين.

بمقارنة موقف ( الترويكا) ودول الإتحاد الأوروبي وسويسرا وكندا في 21 نوفمبر 2021 بموقف أميركا وبريطانيا والنرويج ( الترويكا) ووقائع لقاء سفرائها مع البرهان في 9 نوفمبر من الشهر نفسه، أي قبل اتفاق البرهان وحمدوك ، تتضح طبيعة الضغوط التي مورست على قادة الانقلاب، إذ أن السفراء وجهوا ( تحذيرا) للبرهان من (الإجراءات الأحادية) ودعوه إلى إعادة الوثيقة الدستورية، وعودة رئيس الوزراء حمدوك لمنصبه).

هذا معناه أن الضغوط الغربية لعبت دورا فاعلا، في تفاهمات قادة الانقلاب مع حمدوك، خصوصا بعد تعليق مساعدات أميركية، وجهود دولية لإعفاء ديون.

ورغم ذلك وصفت أميركا اتفاق البرهان وحمدوك بـ ( الخطوة الأولى) كما أعلنت واشنطن أنها (تراقب الوضع في السودان )وأن مسألة إعادة الدعم المالي المُعلق تتوقف على تطورات الأحداث، وكان وزير الخارجية الأميركي السيد انتوني بلينكن دعا البرهان وحمدوك في اتصالين هاتفيين، غداة توقيع اتفاقهما إلى (إعادة المسار الديمقراطي) أي أن الرسالة اُرسلت إلى صاحبي الاتفاق الثنائي، في توقيت متزامن.

اللافت في هذا الإطار، أن متحدثا باسم الإتحاد الأوروبي، قال في تصريح تزامن أيضا مع تصريحات أميركية ( نحن لا ندعم حمدوك كشخص بل ندعم الحكم المدني) وهذه رسالة إلى حمدوك، والسودانيين، والعالم.

في هذا الإطار دانت (الترويكا) ودول الإتحاد الأوروبي، وسويسرا، وكندا، بعد اتفاق البرهان وحمدوك ( قتل العشرات من المتظاهرين، وجرح المئات والاعتقال بشكل تعسفي) وشمل ذلك صحافيين، وحضت البرهان وحمدوك على اتباع ( نهج ، شامل ، وتشاوري، حقيقي ، لانشاء المؤسسات الانتقالية المتبقية ).

هذا معناه أن أمام البرهان وحمدوك تحديات، ومثلما تتنامى سودانيا، فهي تتصاعد دوليا، بهدف تنفيذ مطالب دول كبرى، وأرى أن رفض قوى شبابية ومهنية وسياسية الحوار مع قادة الانقلاب، سيضع صاحبي الاتفاق الثنائي أمام اختبارات متواصلة، بشأن كيفيات تكوين مؤسسات تعبر عن نبض ثورة ديسمبر وشبابها والقوى المهنية والسياسية كافة.

هذا يعني أن قادة الانقلاب سيضرون لإدارة حوار مع قوى منشقة من أحزابها، أو شخصيات تُهادن الانقلابيين، لأسباب متباينة،وفي كل الأحوال، أرى أنه ليس في مقدور قادة الانقلاب جمع الصف الوطني، لأن ذلك يستوجب مناخ حريات، وتشريعات متفق عليها، والتزام بالقوانين، و هذا لن يحدث في مناخ انقلاب وأجواء هيمنة وترغيب وترهيب، وعدم احترام لحقوق الإنسان.

أخلص إلى أن قادة الانقلاب ما زالوا يقبعون في دائرة الضغوط والحصار الدولي، كما أن الدول الغربية المهتمة بالشأن السوداني تواجه أيضا تحديات الصدقية، وستكشف مواقفها في هذه الفترة مدى التزامها بدعم حقوق الشعب السوداني، أما مواقفها المُعلنة ، حتى الآن ، فتصب في مجرى الدعم لنبض الشوارع.

أيا تكن مواقف الدول الكبرى، المستقبلية، فإن إرادة الشوارع السودانية، أي إرادة الشباب والشعب، هي محط الرهان، والآمال، والأنظار، لرفع أعلام النصر.

هذه الإرادة التي لا تنكسر فجرت ثورتي أكتوبر 1964 وأبريل 1985، ثم ثورة ديسمبر2018 وبعطاء شبابي غير مسبوق، وقد اسقطت إرادة الشعب حكما ديكتاتوريا، فاسدا، ولم تستأذن دولة كبرى أو صغرى، ومن دون أن تستقوى بدعم أحد.

صوت الشوارع، السلمية أجبر دول كبرى وسيُجبرها ودول بالإقليم على احترام إرادة، وتطلعات شعب السودان، التواق للحرية والعيش الكريم، ومواكبة روح العصر.
برقية:
وقود الثورة، الحي، نابع من قلوب وعقول بنات وأبناء السودان في الداخل والخارج.
modalmakki@hotmail.com
٢٧ نوفمبر ٢٠٢١

التعليقات مغلقة.