نظرات ومراجعات في جانبٍ من تراث العلاّمة أبو سليم*

نظرات ومراجعات في جانبٍ من تراث العلاّمة أبو سليم*
  • 02 مارس 2022
  • لا توجد تعليقات

د.خالد محمد فرح

تمهيد:

مما لا شك فيه أن مجرد التفكير في إمكانية الإحاطة بمجمل التراث الفكري بالغ الضخامة والثراء والتنوع للراحل البروفيسور محمد ابراهيم ابو سليم 1927- 2004م ، لا تعدو كونها دعوى عريضة للغاية ، يتعذر تحققها في الواقع ، خصوصا من خلال مجرد مقال كهذا ، معد للنشر في عدد خاص من اصدارة بمناسبة احتفائية مكرسة لهذا المؤرخ الضخم ، والعالم الموسوعي الكبير .
وربما لا نتجاوز الحقيقة اذا ما قررنا أن محمد ابراهيم ابو سليم ، يعد واحدا من اغزر المؤلفين السودانيين انتاجاً ونشرا ، كما أن انتاجه يتميز بالكثرة الملحوظة من حيث الكم ، وبالجودة النوعية من حيث الكيف ، فضلاً عن التنوع المدهش في الموضوعات التي طرقها أو ألّف فيها. وربما لا يدانيه من مجايليه في هذه الناحية ، نوعاً ما ، إلا رفيقي دربه منذ مدرسة وادي سيدنا الثانوية ثم كلية الآداب بكلية الخرطوم الجامعية (جامعة الخرطوم الآن): البروفيسور يوسف فضل حسن ، والبروفيسور عون الشريف قاسم.
والحال كذلك ، فقد لفتت بالفعل مؤلفات البروفيسور محمد إبراهيم ابو سليم بتميزها المبهر كماً ونوعاً ، نفراً من الباحثين فأفردوها بمصنفات كاملة في أكثر من مناسبة ، لا على سبيل الرصد الببليوغرافي فحسب ، بل من خلال سرديات استعراضية علمية وموضوعية ناقدة ، سلَّطوا من خلالها أشعة من الاضواء الكاشفة على تلك الكنوز ، ولفتوا الانظار والعقول لما فيها من افكار ومعلومات ومباحث وتحليلات عظيمة المتعة والفائدة في جميع الجوانب التي تطرقت اليها.
فمن بين تلك المصنفات التي تناولت مؤلفات محمد ابراهيم ابو سليم حصراً على سبيل المثال فقط: مقال للبروفيسور يوسف فضل حسن بعنوان: ” الريادة والتفرد في مؤلفات الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم ” ، وهو في الاصل ورقة قدمها في النادي النوبي بالخرطوم بتاريخ 10 فبراير 2005 م ، في حفل تكريم الأستاذ الدكتور محمد إبراهيم أبو سليم ، ونُشرت لاحقاً في كتاب لذات المؤلف.
ومن بين الاعمال الباكرة نسبياً ، التي قصرها مؤلفوها على مصنفات محمد ابراهيم ابو سليم ، ورقة بعنوان: ” البروفيسور محمد إبراهيم أبو سليم وتطور دار الوثائق القوميه ، 1955 – 1995م ، مع قائمة ببلوجرافية بأعماله ” ، أعدها الدكتور الحاج سالم مصطفى ، أستاذ علوم المكتبات والمعلومات سابقاً بعدد من الجامعات بالسودان ودولة الإمارات العربية المتحدة ، وقدمها في حفل تكريم هيئة شؤون الانصار للبروفيسور أبو سليم ، بمكتبة ” البشير الريح ” بام درمان بتاريخ 7 مارس 1996م. وهذا العمل للدكتور الحاج سالم مصطفى ، هو في تقديرنا، من أوعب المصنفات الببليوغرافية التي تناولت تفاصيل التراث الفكري والأكاديمي والمهني والاداري للبروفيسور محمد ابراهيم ابو سليم.
ونود أن نختتم هذه القائمة التمثيلية، وغير الاستقصائية بأية حال من الأحوال، للمصنفات المخصصة للحديث عن محمد ابراهيم ابو سليم ومؤلفاته ، بالإشارة الى كتيب صغير من تاليف البروفيسور أحمد إبراهيم أبو شوك ، عنوانه هو: محمد إبراهيم أبو سليم محققاً ومؤرخا.
وهكذا يقول عنه صنوه البروفيسور يوسف فضل حسن ما يلي باختصار:
” … رفد الاستاذ الدكتور محمد ابراهيم ابو سليم شيخ المؤرخين السودانيين المكتبة العربية والسودانية ، بقرابة الثمانين كتاباً وبحثاً ، صارت صرحاً علميا عظيماً يتعذر على الباحثين في تاريخ السودان تجاوز مضمونه. وعلى قمة هذا الصرح تقف مؤلفاته عن المهدية…… وامتد عطاؤه الثر ليرفد الفكر السوداني والبحث العلمي في الثقافة والأدب والأرشيف والوثائق ، وطرق مجالات جديدة في التاريخ ، فولج مجال التاريخ الاقتصادي والفكري ، وهي ما يمكن ان نسميه بعلم أصول التاريخ أو الأساس المادي لحركة التاريخ. فكتب عن الارض وملكيتها وعلاقاتها ، وعن الساقية والنخيل ، كما كتب عن الزعماء كالإمام عبد الرحمن المهدي والسيد علي الميرغني. ويغلب على كل هذه المؤلفات التنوع والأصالة، وتبين فكره الموسوعي. وهي أيضاً ، تجسيد للمثابرة والتفاني والإخلاص في البحث العلمي والتقصي الأكاديمي ، حيث تصلح أن تُحكى للأجيال القادمة قدوة تبتغي وانموذجاً يُحتذى. ”
وعلى سبيل التدليل على ” قومية ” البروفيسور محمد إبراهيم أبو سليم ، وتجاوزه للانتماءات والولاءات الضيقة ، مما جعله موضع ثقة واحترام واعتبار قادة البلاد في شتى الحقب المتعاقبة ، كتب تلميذه وحواريه البروفيسور أحمد إبراهيم أبو شوك ما نصه:
” … استطاع أن يعايش كل الأنظمة السياسية التي مرت على السودان بعد الاستقلال ، ويكون موضع ثقة واحترام عند قادة العمل السياسي باختلاف مدارسهم الفكرية. لذا فتجده عضواً بارزاً في لجنة دراسة الإدارة الأهلية التي كونتها الحكومة الديموقراطية عام 1966م ، وحادي ركب في اللجنة التي قامت بحصر مقتنيات السيد عبد الرحمن المهدي بالجزيرة أبا عام 1970م ، ومستشاراً في لجنة إعادة تقسيم المديريات والحكم الإقليمي ، ورئيساً للجنة التوثيق في مؤتمر الحوار الوطني الذي نظمته حكومة الإنقاذ عام 1990م. تقديراً لجهوده الفكرية منحته حكومة مايو 1985 – 1969 )م ) وسام الآداب والعلوم والفنون الذهبي ، وتقنيناً لإنجازاته في مجال الدراسات المهدية كرّمه أنصار الإمام المهدي ، وعرفاناً لعطائه المستمر في إرساء دعائم التراث السوداني ، والعمل الوطني ، قلّدته حكومة الإنقاذ وسام الجدارة والخدمة الطويلة الممتازة .. ”
على أنه على الرغم من هذه السيرة الباذخة ، والتركة العلمية والفكرية العامرة والمرموقة للبروفيسور محمد إبراهيم ابو سليم ، إلا أننا آنسنا من خلال مطالعتنا في عدد من مؤلفاته ، جملة من المعلومات والاستنتاجات والتقريرات التي بدت لنا مجالا محتملاً ومشروعا للمناقشة ، بل المراجعة والاستدراك.
ولا يهولنّ القارىء الكريم لفظ ” الاستدراك ” المستخدم في هذا السياق ، فإنه حاشا لله ، لا يصدر عن تطاول ولا استنقاص ، وإنما عن محض الرغبة في الحوار مع تراث المؤلف ، والتسديد والمقاربة ليس إلا ، والتنبيه الى بعض الهفوات حتى يمكن تصويبها في الطبعات اللاحقة من هذه المؤلفات المرموقة ، وذات السلطة والمرجعية المعرفية الباذخة. هذا، واستدراك اللاحقين على السابقين ، والتنبيه إلى هفواتهم وأخطائهم ، تقليد فكري وعلمي أصيل وعريق من تقاليد ثقافتنا العربية والاسلامية. ولعل أشهر كتب الاستدراك، هو كتاب الإمام أبي عبد الله الحاكم النيسابوري 321 – 405 هـ:المستدرك على الصحيحين ، أي صحيحي البخاري ومسلم.
ذلك بأن الكمال لله وحده ، وجلّ من لا يخطىء ولا يسهو، سبحانه وتعالى. وقد جاء في القول المأثور ” لن تعدم الحسناء ذاما ” ، ومن ذلك أيضاً قول بشار بن بُرد في ذات المعنى:
كفى المرء فضلاً أن تُعدّ معايبه
ومن طريف ما يمكن ذكره في هذا المقام كذلك ، أن البروفيسور أبا سليم نفسه قد انتهج ذات النهج مع صديقه وصنوه البروفيسور يوسف فضل ، في الفصل الذي عقده حول كتاب طبقات ود ضيف الله ، وذلك إذ يقول:
” إن ضبط نص الطبقات على هذا الوجه ، قد انتهى به إلى نص أساسي معتمد ، ويمكننا الآن أن نقول إننا نملك نصا للطبقات يغنينا عن العودة إلى النسخ الخطية وإلى طبعتي صديق ومنديل.
غير أن هذا كله لا يعني أن عمل محقق الطبقات يجىء مبرأ من كل عيب. وقد يختلف المرء أحياناً مع المحقق في بعض ما يذهب إليه ، أو قد يرى أنه يعبر دون تعليق في موضع كان يستحق النظر ، وأحياناً يحس المرء أن المحقق قد وصل إلى أمر إلا أنه يحذر عن ذكره لفرط دقته. وقد حاول أن يصلح بعض ذلك في الطبعة الثانية للتحقيق.
ولكن ذلك متوقع في عمل كبير كهذا ، وليس من عمل بغير نقص. وسبحان المبرأ من كل عيب. ومع ذلك فإن المؤاخذة أقل مما يتوقع في أول تحقيق علمي شامل للطبقات. ”
مراجعات في بعض مؤلفات أبو سليم:
أولاً: الحركة الفكرية في المهدية:
في صفحة 28 من الطبعة الثالثة من هذا الكتاب الصادرة في عام 1989م ، وقفنا على خطأ طباعي بسيط في كتابة اسم الشيخ: محمد الطيب البصير ، الذي أثبته المؤلف سهوا هكذا ” البشير ” وذلك حين يقول:
” وكانت الطريقة السمانية تعاني من خلاف خطير ، ذلك لأن الشيخين القرشي ود الزين والشيخ الطيب البشير … قد اختلفا مع محمد شريف ، باعتبار أن لهما التقدمة بحكم أنهما أخذا الطريقة على يد الشيخ أحمد الطيب البشير. ”
– وفي صفحة 30 من ذات الطبعة من هذا الكتاب ، يميل ابو سليم الى الشك في أن يكون الإمام محمد أحمد المهدي قد أفصح لشيخه السابق الأستاذ محمد شريف نور الدائم عن مهديته في عام 1295هـ/ 1878م ، مما حدا بمحمد شريف إلى طرده وزجره كما زعم.
ويعلق أبو سليم على ذلك الزعم قائلاً:
” ولكن زعم محمد شريف لا يمكن التسليم به ، أولاً لأن قوله هذا صدر عنه في معرض الهجوم على المهدي وتكذيبه ، والذي رتّبه عبد القادر باشا حكمدار السودان ، وحرّض عليه العلماء ورجال الدين ومنهم محمد شريف ، وثانياً لأنّ فكرة المهدية لم يكن لها وجود في ذهن المهدي في هذا الوقت المبكر. ”

وعندنا أن أبا سليم لم يبرز بينة ، أو دليلاً خطياً أو عقلياً مقنعاً يؤكد بما لا يتطرق اليه الشك أن محمد أحمد المهدي لم تراوده فكرة المهدية في عام 1878م أو قبلها ، كما لم يبرز لنا شيئا من خطب المهدي ورسائله وغيرها من أدبيات المهدية الأخرى التي هو العليم والخبير بها خبرة واسعة ، ما يكذّب زعم محمد شريف نور الدائم الذي لم يكتف بالتفوه به شفاهة ، وإنما خطه يراعه شعراً في معرض قصيدته الرائية الشهيرة، في بيان خبر المهدي من وجهة نظره بالطبع ، والتي تنطوي على بعض الإشارات ذات الدلالة والمضمون التاريخي ، وذلك مثل قوله:
لقد جاءني في عام زعٍ بموضعٍ
على جبلِ السلطانِ في شاطىء البحرِ
فعام زع هو بحساب الجُمّل يعني عام 1277هـ ، ذلك بأن الزاي تقابل الرقم 7 والعين تقابل الرقم70. وهنا يحدد الشيخ محمد شريف تاريخ العام الذي التحق فيه محمد احمد بمدرسته أو ” مسيده ” للدراسة عليه ، وهي تقابل العام 1861 ميلادية ، أي عندما كان المهدي في سن الثامنة عشرة من عمره.
أما الموضع المُسمّى ” جبل السلطان ” ، فإنه موجود بام مرحي موطن الولي الشهير الشبخ أحمد الطيب البشير 1742 -1823م ، الذي هو جد محمد شريف نفسه. وهذا يعني ان المهدي قد التحق بمحمد شريف منذ ان كان بموطن آبائه بام مرحي ، وقبل ان ينتقل لاحقا إلى منطقة ” العراديب ” بالنيل الأبيض.
ثم يمضي في ذات القصيدة فيقول:
إلى الخمس والتسعين أدركه القضا
بما مضى في سابق العلمِ بالنّشرِ
وهو نص واضح على أن مكاشفة محمد أحمد لمحمد شريف في أمر المهدية قد كانت في عام 1878م. وبإزاء هذا الميل الى التفصيل الدقيق من قبل محمد شريف على نحو ما أورده في قصيدته المفعمة في مجملها بالصدق وحرارة الانفعال، بما في ذلك إنصافه للامام المهدي في بدايتها ، وتنويهه بصلاحه وورعه وتواضعه، وإخلاصه في عبادته وفي خدمة شيخه في أول أمره ، يغدو من الصعب الركون إلى احتمال أن يكون محمد شريف قد اختلق مسألة إفضاء محمد أحمد بن عبد الله ود فحل إليه بأنه قد خوطب بأنه المهدي في عام ١٨٧٨م.
وللمفارقة، فإن أبا سليم يرد في سخرية في ذات الكتاب ، رأياً للبروفيسور الراحل محمد أحمد الحاج ، مفاده أنّ مهدية مهدي السودان ، مستقاة من أدبيات حركة الشيخ عثمان دان فوديو 1754 –1817م ، المصلح والمجاهد المعروف ، ومؤسس دولة الخلافة الصكتية بشمال نيجيريا.
وفي هذا يقول أبو سليم:-
” أما القول الذي ردَّده محمد أحمد الحاج كثيراً ، بأن مهدية السودان كان مصدرها حركة دان فوديو ، باعتبار أن أقوال فوديو وجماعته عن المهدية قد انتشرت في دارفور ، وأن عبد الله ، خليفة المهدي فيما بعد ، قام بنقلها إلى المهدي ، ومن ثم قام المهدي بدعوته ، فزعمٌ لا يسنده دليل ، ولا مكان له إلا في خيال صاحبه. ”
ورغم أننا نؤيد أبا سليم تأييداً تاماً في استبعاده أن يكون المهدي قد أخذ فكرة المهدية من تراث الشيخ عثمان دان فوديو عن طريق الخليفة عبد الله ، وأنَّ المهدي لِمَا عُرف عنه من سعة اطلاع وتبحر في علوم التراث الإسلامي جميعها منذ عهد الدراسة والطلب ، وخصوصاً عكوفه على أمهات كتب التصوف التي تغص بأخبار المهدي ، سواء كانت بأقلام مؤلفين مغاربة أو مشارقة ، قد اختمرت في ذهنه فكرة المهدية على نحوٍ مستقل ، إلا أننا نرى في استبعاده بدون دليل من أي نوع ، لإمكانية أن يكون المهدي قد فاتح أستاذه محمد شريف في أمر مهديته منذ عام 1878م ، تعضيداً ضمنياً بالفعل ، لمذهب من يقولون بتأثر المهدي بآراء دان فوديو حصراً حول المهدي.
هذا ، ومما قد يجدر بنا ذكره في هذا المقام أيضاً ، أن المهدي وعثمان دان فوديو كليهما قد امتاحا عبر سنديهما العلميين على التوالي ، من تراث عالم موسوعي كبير وذائع الصيت من رجال القرن الثاني عشر الهجري الموافق للقرن الثامن عشر الميلادي ، كان مهتما بمسألة ” المهدي المنتظر ” ، هو الشريف محمد مرتضى الزبيدي 1732 – 1791م . ذلك بأن الشيخ عثمان دان فوديو قد تتلمذ على يد الشيخ جبريل بن عمر الطارقي الاغاديسي ( ت 1789م ) ، الذي كان قد تتلمذ بدوره على يد الشريف مرتضى الزبيدي المذكور. وفي المقابل ، نجد أنَّ المهدي قد درس في مطلع شبابه على يد الشيخ الأمين الصويلح بكركوج ، الذي هو حفيد الشيخ أحمد بن عيسى الأنصاري 1737 – 1826م ، وكان هذا الأخير قد درس على الشريف مرتضى الزبيدي المذكور بالقاهرة ، وحصل منه على إجازة بتآليفه ومروياته ، كما أخذ منه إجازات بالمكاتبة ، لعدد من مجايليه من علماء السودان وشيوخه بسلطنة سنار آنئذ.
وقد أثر عن الشريف مرتضى الزبيدي أنه أرسل مرة خطاباً الى أحمد باشا الجزار أمير عكّا بالشام في العهد العثماني ، أسر إليه فيه أنه يرى أن الجزار هو ” المهدي المنتظر “. فما أشبه هذه الواقعة بقصة الخليفة عبد الله مع الزبير باشا ، وما قيل عن محاولته التزيين لهذا الأخير بأنه هو المهدي المنتظر أيضا.
وبذلك يتعزز لدينا الاعتقاد بأن المهدي انما استقى فكرة المهدية ، غالباً من ذات المصادر التي استقاها منها الشيخ عثمان دان فوديو وغيره من علماء المسلمين وطلاب العلم في بلدانهم المختلفة حيثما كانوا . ذلك بأن المصادر هي نفس المصادر ، وقد كانت فاشية ومنتشرة ، وليست قاصرة على صقع بعينه من أصقاع العالم الإسلامي.
ثانياً: أدباء وعُلماء ومؤرخون في تاريخ السودان:
جاء فيه في صفحة 92 من الطبعة الأولى ، قول أبي سليم:
” أما مكمايكل فقد أورد في الجزء الثاني من كتاب تاريخ العرب في السودان ، والذي نُشر لأول مرة في عام ١٩٣٢، ثم نُشر مصوّراً في عام ١٩٦٧م الخ ”
والشاهد هو قوله إن كتاب مكمايكل المشار إليه قد نشر لأول مرة في عام 1932 ، وهذا هو خطأ طباعي غالباً ، وإنما الصواب هو أن تلك الطبعة الأولى قد صدرت في عام 1922م.
وفي صفحة 93 من ذات الكتاب ، يخطّىء أبو سليم مكمايكل لأن هذا الأخير ” يورد ترجمة لشخص يدعى عبد الباقي الولي ( رقم 2 ) ، ولكن لا يرد شخص في الطبقات بهذا الاسم. ”

لقد أخطأ مكمايكل في الواقع عندما خص شخصاً اسمه عبد الباقي الولي بترجمة منفصلة ، في معرض ترجمته لمادة كتاب طبقات ود ضيف الله ، توهّماً منه بأن ود ضيف الله قد أفرد له ترجمة في الطبقات.
ولكن في الواقع أن ود ضيف قد ذكر بالفعل شخصاً يسمى ” عبد الباقي ” باعتباره أحد تلاميذ الشيخ عبد الله ود العجوز. وذلك حين يقول:
” عبد الله بن العجوز: قد أخذ مذهب الصوفية وأخذ الطريقة من الشيخ محمد المسلمي وأرشده. وقام مقام شيخه في السلوك وإرشاد وتربية المريدين. وممن أخذ عليه طريق القوم وسلّك وأرشد مثله عبد الباقي. ”
فكل ما هنالك أن مكمايكل قد خلط بين ترجمة الشيخ عبد الله ود العجوز ، وترجمة تلميذه عبد الباقي الذي ذكره ود ضيف الله هكذا عرضاً ، ولم يذكر معه اسم والده ولا لقبه ، ولم يفرد له ترجمة خاصة.
ولقد أفادنا بعض العالمين بأخبار الأولياء والصالحين عموماً في السودان وتراجمهم ، بأن عبد الباقي المذكور ، هو الشيخ عبد الباقي النيّل الكاهلي راجل أم قرقور ، الذي يرجح أنه عاش في حوالي منتصف القرن الثامن عشر الميلادي الى أواخره ، وهو تلميذ الشيخ عبد الله ود العجوز المذكور. ،وقد كان الشيخ عبد الباقي النيل بدوره ، شيخاً لجملة من التلاميذ النابهين الذين صاروا شيوخاً مشهورين فيما بعد ، منهم الشيخ عوض الجيد ” تور عفينة ” ، وهو شيخ الشيخ محمد العبيد بدر 1810 – 1884م ، والشيخ طه الابيَض البطحاني ، وهو شيخ الشيخ ابراهيم الكباشي.
ثالثاً؛ بحوث في تاريخ السودان:
لاحظنا بعض الأخطاء الإملائية والتي ربما تكون طباعية فقط ، في بعض الألفاظ في الفصل الذي هو بعنوان: ” دور العلماء في نشر الإسلام في السودان “. ومن ذلك ما جاء في ذلك الفصل من أن ” ادريس بن عبد الرحمن بن جابر خرج عن هذا التقليد بزواجه من ملكة كبجة ونقله المدرسة إليها. الخ ”
والشاهد هو ان اسم تلك البلدة في ديار الشايقية بشمال السودان هي: ” كَجَبِي ” وليس ” كبجة ” مثل ما هو مكتوب.
وثمة خطأ مطبعي آخر في ذات الصفحة رقم 26 : عبد الرحمن النويري مؤسس مدرسة أربجي بالباء الموحدة ، وليس أريجي بالياء المثناة كما هو مكتوب. وقد تكرر ذات الخطأ في السطر الرابع قبل الاخير من صفحة 29.
في صفحة28: كتب المؤلف ” ومدرسة ود عيسى الخزرجي في كترانج ، ومن بعد في المسي ” ، والمقصود بالطبع هو ” المسيد ” سقط عنها حرف الدال.
وكتب في ذات الصفحة ايضا: ” مركزي مسيخة العبدلاب في قرّي والحلفاية “. كتب ” مسيخة ” بالسين المهملة عوضاً عن ” مشيخة ” بالشين المنقوطة.
في صفحة 39 من هذا الكتاب ، نرى أن هنالك خطأ في السطر الثاني قبل الأخير منها ، إذ جاء فيه عن عدد سكان الخرطوم: ” قُدّر عدد السكان في عام 1896م بربع مليون نسمة. “. فلعل التاريخ المقصود والصحيح هو 1869م ، أي في العهد التركي ، وإلا فإنه في العام المذكور 1896م ، أي في أواخر سني دولة المهدية ، فإنه لم يكن بالخرطوم أي ساكن مطلقا ، فقد هُجرت تماماً بأمر المهدي وخليفته ، منذ فتحها في يناير 1885م ، وحلت ام درمان ” البقعة ” محلها عاصمة للدولة.
في صفحة 97 ، يقول المؤلف إنَّ الحاج عمر بن سعيد الفوتي 1794 – 1864م ، قد قام بحركته ” بأرض غوته بالسنغال “. وهنا نلاحظ خطأ في الرسم الاملائي الصحيح لاسم المنطقة التي انطلقت منها حركة الحاج عمر ألا وهي ” فوتا تورو ” بالفاء ومنها جاء لقبه ” الفُوتي ” ، وليس ” غوته ” بالغين. وفي ذات السياق يذكر أبو سليم أن الحاج عمر قد تأثر بالحركة الوهّابية الخ. وهذا في تقديرنا رأي ينبغي أن يؤخذ بشي من الاحتراز والتحفظ. ذلك بأن الحاج عمر كان صوفياً سلك الطريقة التجانية بالحجاز ، على يد الشيخ محمد الغالي بوطالب الحسني ( ت 1828م ). وهذا الأخير ، هو أحد تلاميذ الشيخ أحمد بن محمد التجاني 1737- 1815م. اللهم إلا أن يكون المقصود هو أنَّ الطريقة التجانية، بوصفها إحدى الطرق الاصلاحية والتجديدية المستحدثة ، كالإدريسية والختمية والسمانية ، قد تأثرت بنشاط علماء الحديث، الذي ازدهر في الحجاز في القرنين السابع عشر، وخصوصا الثامن عشر الميلاديين ، فغشيتها من ذلك نفحة سلفية وأصولية واضحة. ويتجلّى ذلك بصفة خاصة في نفور التجانية بالتحديد الملاحظ عن بعض رموز الصوفية وشاراتها المادية ، مثل: الرايات ، والطبول ، والتواجد أثناء الذكر ، ولبس المرقَّعات ، وما إلى ذلك.
في صفحة 102 ، رسم اسم الشيخ ” حياتو بن سعيد ” حفيد الشيخ المجاهد عثمان دان فوديو بخطأ طباعي غالباً هكذا ” حيات “. وذلك في معرض إشارة المؤلف لصلته بالمهدي والمهدية بالسودان.
صفحة 103 ، يشير فيها المؤلف الى روايتين تذهبان الى أنَّ الخليفة عبد الله التعايشي ذهب مرة الى الزبير باشا وبشره بأنه المهدي فزجره الزبير ، ثم سعى في مرة أخرى الى الشيخ محمد شريف نور الدائم وأسر له بذات البشارة ، فنفى محمد شريف ان يكون هو المهدي ، ووجهه بان يذهب الى ” محمد أحمد ” لأنه يزعم ذلك الخ .. والشاهد هو قول المؤلف أن تينك الروايتين ” مختلفتان “. والراجح عندنا أنه أراد انهما ” مُختلَقتان ” بالقاف ، أي ملفقتان ولا أصل لهما. ذلك بأن المؤلف درج على رد الكثير من مثل هذه الروايات ، ويرى أنها قد وُضعت بعد تاريخ حدوثها بمدة ، لتحقيق أغراض معينة، واثبات أشياء محددة.
وفي صفحة 108 ، يذكر المؤلف في معرض حديثه عن سلاسل الصوفية ، ما دعاها بسلسلة ” محي الدين بن العربي ” ، والصحيح هو ” محي الدين بن عربي ” بدون تعريف، بينما أنَّ ” ابن العربي ” بالتعريف هو القاضي والفقيه المالكي: أبو بكر بن العربي 468 – 543 هـ
في معرض إشارته للشيوخ الذين أخذ عنهم السيد أحمد بن إدريس الفاسي 1750 – 1837م ، ذكر المؤلف من بينهم شيخاً اسمه: عبد القادر بن العربي بن الشقروني الفاسي ، وهنا خطأ طباعي في لقب هذا الشيخ. إذ هو ” ابن شقرون ” فقط بدون ياء النسب في آخره. وهذا اللقب العائلي ، ما يزال مستخدماً ومسموعاً في المغرب إلى يوم الناس هذا.
في صفحة 128 ، أثبت المؤلف تاريخ حياة الشيخ عبد الوهاب التازي بأن جعل تاريخ مولده في عام 1687 ، وتاريخ وفاته في عام 1798م. والصحيح هو أن الشيخ عبد الوهاب التازي الذي كان من المُعمّرين ، قد ولد بالفعل في عام 1687م ، ولكنه توفي في عام 1206 هـ ، الموافقة لسنة 1792م 18 ، وليس في عام 1798م كما ذكر المؤلف.
في صفحة 134 من الكتاب ، يوقفنا أبو سليم على اسم شيخ غامض يرجح أنه كان من أبكار الطريقة الختمية بالسودان ، مشيراً إليه فقط ب ” الشيخ سالم الكردفاني ” ، صاحب ” منظومة الدر واللآل في عدد رجال سند شيخنا ذي الكمال “. ولكن المؤلف لا يمضي البتة الى التعريف بهذا الشيخ الختمي الكردفاني المتقدم ، أو يعطينا نبذة عن سيرته.
والحق هو أن الشيخ سالم الكردفاني المذكور ، هو الشيخ سالم البزعي ، الذي ولد ونشأ وترعرع بقرية ” فغيج ” بشرق كردفان ، حيث تقع الى الشمال الشرقي من بلدة ” ود عشانا “. أفادني بهذه المعلومة الخليفة مجاهد أحمد النور الزاكي الذي أضاف أنَّ قرية ” فغيج ” المذكورة ، هي ذات القرية التي كان ينتمي اليها أسلاف الشيخ القرشي ود الزين قبل أن يهاجروا الى ديار الحلاويين بالجزيرة. وللشيخ سالم الكردفاني ذكر في المصادر الختمية كما سبقت الاشارة الى ذلك آنفا ، كما له ذكر في المصادر السمانية والمهدوية أيضا.
.. www. Sudanile.com
بتاريخ 15 /6 /2015م.
ويبدو أن الشيخ سالم المذكور ، قد بدأ ختمياً ، ثم انتقل بعد ذلك الى الطريقة السمانية. والراجح أنه قد كان من ضمن شيوخ وأعيان كردفان الذين التقى بهم المهدي قبل إعلان أمره مثل: المنّا اسماعيل ، والسيد المكي اسماعيل الولي ، وموسى الأحمر ، ورحمة منوفل وغيرهم.
في صفحة 153 ، يذكر المؤلف ” إجازة السيد ابراهيم الرشيدي ” الخ.. باثبات ياء النسب ، والصواب هو ” الرشيد ” فحسب ، والمقصود هو الشيخ ابراهيم الرشيد الدويحي 1808 – 1874م.
وفي صفحة 155 ، يشير المؤلف في معرض حديثه عن إجازة صوفية في الطريقة التجانية ، الى مخطوط من تأليف الشيخ الطيب مونة بن سعيد 1900 -1995م بعنوان: ” ثبت سر الأسرار ونور الأنوار الجامع لأسانيد وأثبات السادة الأخيار “. ولعلم القراء الكرام فان هذا المصنف لم يعد مخطوطاً ، اذ عمد الاستاذ عبد الله الطيب مونة ، وهو نجل الشيخ الطيب فقام بطباعته ونشره.
رابعاً: أدوات الحكم والولاية في السودان
صفحة 7 ، السطر الأول من الفقرة الثالثة ، جاء فيه: ” وفي القسم الأول تكلمنا عن الكرر ، وهو كرسي الملك والولاية في السودان الخ “. والشاهد هنا هو أنَّ هنالك خطأ طباعياً في كلمة ” الكَكَر ” ، التي صحيحها أن تُكتب بكافين عوضا عن رائين.
الصفحتان 28 و29 فيهما خطأ في لقب الزبير بن عبد القادر ود الزين ، لأنه رُسم هكذا ” الزبير ود ضو ” ، بينما أنَّ حقيقته هي ” الزبير ود ضوّة ” ، وضوّة هي أمه التي نسب اليها.
عند حديثه عن السبحة ، يذكر المؤلف في صفحة 72 ما يلي: ” للمرحوم محمد أحمد محجوب ، الشاعر والأديب والسياسي المشهور ، قصيدة بعنوان مسبحتي ودَنّي ، جعل بها محبوبته في هذا المعنى الجميل ، وقد نُشرت القصيدة في ديوان صغير مع قصائد أخرى ، وهو آخر دواوينه. ”
والحق أن الديوان الصغير نفسه ، عنوانه هو ” مسبحتي ودني ” ، ولعل الديوان أشهر بهذا العنوان من القصيدة. والشاهد هو قول الشاعر المحجوب:
أنا يا أميّةُ شاعرٌ
والشّعرُ مسبحتي ودنّي
هذا ، وقد عدّد المؤلف في ذات الصفحة ، جل أنواع السبح التي تصنع أو تجلب لكي تباع في السودان ، وأحسب أنه قد نسي من بينهن:” الفِضيلة ” بفاء مكسورة وياء ممالة نحوٍ الفتح ، وهي ضرب من المسابح ذات حبات صغيرة الحجم وخفيفة الوزن.
في صفحة 73 ، يصف المؤلف العصا الحدَّاثة في معرض حديثه عن العصي بأنها ” عصا قصيرة مخنوفة يؤشر بها المتحدث أو يخرط بها الأرض لتأكيد كلامه. ” والشاهد هو أنَّ كلمة :” مخنوفة ” هنا بالخاء المنقوطة خطأ ، وإنما صوابها هو ” محنوفة ” بالحاء المهملة ، أي بمعنى: المعقوفة أو التي لها انحناء.
في صفحة 75 ، هنالك اضطراب في بيان اسم واحد او اثنين من وجهاء العُمراب ، حيث كتب المؤلف: ” … الشيخ عبد الماجد صاحب المدرسة الشهيرة بأم درمان ، وأمير الصاوي الإداري المشهور وعميد الخدمة المدنية سابقا، ومحمد وعثمان خالد أمير المهدية. ” ولعله يقصد: محمد عثمان ووالده حاج خالد العمرابي الأمير في المهدية الخ.
وفي ذات الصفحة ، بالسطر الاول من الفقرة الثانية ، حدث خطأ طباعي في الاسم ” السمّانية ” فرسم هكذا ” المسانية ” ، وثمة خطأ بكلمة ” سجّادة ” في نهاية الصفحة ، حيث كتبت ” حبادة “.
وفي صفحة 78 يقول المؤلف في معرض حديثه عن الحِراب بوصفها احدى شارات الحكم والولاية في السودان ، إنَّ من الحراب المشهورة ” حربة الشيخ خوجلي التي كان يرسلها للمتحاربين فيكفّون عن القتال “. ولا ندري من أين استقى أبو سليم معلوماته عن حربة الشيخ خوجلي هذه ، في حين أنه لا ذكر لها – بحسب ما نعلم – في ترجمته الضافية بكتاب طبقات ود ضيف الله ، الذي نحسب أنه تحدث فقط عن عصا هذا الولي وطينته أيضا ، ناسباً اليهما بعض الكرامات وخوارق العادات.
في صفحة 90 يورد المؤلف كلمة ” المديد ” في معرض حديثه عن تربية بعض كبار المتصوفة في السودان مثل الشيخ حسن ود حسونة الجمال والخيل ، ويشرح تلك الكلمة فيقول: ” المديد هو الجمل والحصان القوي الذي أخذ غذاءً كافياً “.
والواقع أن تصحيفاً ما قد اعترى هذه اللفظة في هذا السياق. ذلك بأن اللفظة المعنية هي ” البديد ” بباء مفتوحة ودال مجرورة، وليس المديد بالميم. ولا علاقة للبديد بالقوة ولا بالغذاء الكافي كما يقترح أبو سليم ، وانما البديد هو ضرب من اللباد المصنوع من نوع معين من القش الذي يجدل بطريقة معينة ، ويوضع تحت الحوايا التي تسرج بها ظهور إبل الحمل خاصة. 20وبذلك يكون التعبير ” جمال البديد ” معناه: إبل الحمل تحديدا.
وفي صفحة 92 يذكر المؤلف المرأتين اللتين كان يشبّب بهما الشيخ المجذوب اسماعيل صاحب الربابة ” هيبة وتهجة ” ، غير أنه اخطأ في رسم اسم ” تهجة او تهجَى بالأحرى ” ، فكتبه ” نهجة ” بالنون عوضاً عن التاء ، ولعلها محض هفوة طباعية.
هذا ، والاسم تهجة أو تَهَجى اسم سوداني عريق ، وإن كان أصله واشتقاقه غامضاً ، ولعله كان يطلق على النساء في السابق ، ولكن يبدو أنه قل استخدامه للغاية ، حتى لم يعد يستعمل أو يُسمع. ولكن بعض الأسماء التي تشترك معه في الدلالة والمعنى العام ، ما تزال مستخدمة ومسموعة ، وتطلق على الذكور والإناث على حد سواء. ومن ذلك أسماء مثل: هجو ، والهجانا بين الرجال ، وهجوة ، والهجيتي بين النساء. والراجح أن الفعل العامي هجَى يَهَجَى معناه أعجب يُعجِب ، أو سرّ يسُرّ.
وبذلك يكون معنى اسم ” تهجى “: تُعجب وتسُر.
صفحة 98 ، اثبت فيها المؤلف أبياتاً من مرثية بنونة بنت المك نمر في أخيها علي ، ولكن لاحظنا بعض الاخطاء التي شابت النص مثل ما هو مكتوب:
يا مقنع بنات جعل القرار من جم
والصواب هو: يا مُقنع بنات جعل العُزاز من جم
وكذلك كتب:
فرتاك حافلن ملآن سروجن دم
والصواب هو
فرتاك حافلِن. ملاّي سروجن دم
في صفحة 117، يميل أبو سليم الى التشكيك في صدقية الرواية التي أثبتها ود ضيف الله في طبقاته ، والخاصة بكرامة الشيخ ادريس بن محمد الارباب مع الشيخ المصري علي الاجهوري ، على خلفية انتصار رأي الأول القائل بحرمة استخدام التنباك على رأي الأخير القائل بحِلِّه. ويتساءل المؤلف تساؤلات تنحو الى ذات المنحى التشكيكي ، منها على سبيل المثال: كيف عرف الاجهوري أن ادريس غاضب عليه ؟ وهو تساؤل يمكن الرد عليه ببساطة ، بأنَّ الاجهوري بحسب تلك الرواية ، قد زجر حواري الشيخ ادريس ورسوله اليه وقال له: ” يا بري شيخك صحابي ورمى له المكتوب ” فخاف مغبة ذلك بحكم وجدانه وتكوينه العقلي والنفسي الصوفي الطابع.
وأما تساؤل الكاتب في ذات الصفحة عما إذا كان الاجهوري نفسه ذا مشرب صوفي ، ويقبل مزاعم الصوفية الدراويش ، فمن الممكن الرد عليه بان الراجح جدا أن الاجهوري كان متصوفا ، شأنه شأن سائر علماء وفقهاء حقبتي المماليك وخصوصاً العثمانيين.
في صفحة 118 ، ينقل المؤلف عن نعوم شقير قول بائعات المريسة في الاستغاثة بالشيخ ادريس ود الارباب: ” يا شيخ ادريس يا راجل الفدّة والمدّة الخ ” ، ولكنه يكتبها ” الغدة ” بالغين عوضاً عن الفاء ، وهو خطأ.
في صفحة 149 ، يذكر المؤلف في معرض حديثه عن الطبول والنقاقير والنحاسات بوصفها من شارات الحكم والولاية في السودان ، أنّ ” لفظ كبر الذي يُطلق على الطبل الاسطواني ذي الجلد الواحد، مصدره لفظ كبرو الأمهرية ، وقد يعني ذلك أن الطبل نفسه من الحبشة. ”
وهنا نود أن نلاحظ تشابهاً مدهشاً بين لفظة ” كبرو ” الامهرية هذه بمعنى طبل ، وكلمة ” أم كابور ” التي تطلق على طبل الذكر أو النوبة ، وكذلك حلقة الذكر نفسها. ومن ذلك قول الشيخ عبد الرحيم البرعي يمدح الشيخ التوم ود بان نقا :
الشيخ التوم حِبري المنبورو
ود بانّقا ريس أم كابورو
فهل لفظة ام كابورو السودانية ، مشتقة من كبرو الحبشية الأمهرية ؟ أو أن كليهما مشتقتان من أصل لغوي واحد مشترك قديم ؟ نرى أن ذلك جائز جدا.
في صفحة ١٩١ فما بعدها ، يتحدث المؤلف عن ” نحاس الكواهلة “. وهنا نشير الى أنه قد ذكر أنَّ الحرب قد نشبت بين الكبابيش وحَمَر في عهدي سالم فضل الله والتوم كما قال. وعندنا أنَّ هذه العبارة مضطربة نوعاً ما. فالواقع هو ان تلك الحرب قد نشبت في فترة الحكم التركي المصري ، وفي عهد زعيميهما آنئذ: فضل الله ود سالم ، ومكي ود منعم المعروف بمكي أبو المليح على التوالي.
وفي صفحة ٢٢٩ ، يشير المؤلف في معرض حديثه عن ” نحاس الفلاتة ” ، إلى ناظر الفلاتة بجنوب دارفور في أربعينيات القرن الماضي باسم: ” السماني أبّشر ” ، والواقع هو أن اسمه هو ” السماني البَشَر ” بالف ولام التعريف ، وبفتح الباء والشين معاً.
خامساً وختاماً: مسألة الشيخ المنّا:
ونود أن نختم هذه الكلمة في محاورة جزء من التراث الفكري والعلمي الضخم للراحل بروفيسور محمد ابراهيم ابو سليم ، بالتنبيه لبضع آراء وتقريرات لأبي سليم أوردها في مقال له بعنوان: مسألة الشيخ المنّا
في صفحة 19 من العدد رقم 26 من مجلة ” دراسات افريقية ” الذي نشر فيه هذا المقال ، يقول المؤلف في بدايته عن مدينة ” التيّارة ” التي استولى عليها الشيخ المنا إسماعيل ” أبو البتول ” بقواته تحت راية الثورة المهدية ، أنها ” عاصمة تجارة الصمغ في كردفان” ، وكان حريَّاً به أن يذكر أيضاً أنها كانت : رئاسة مركز شرق كردفان في العهد التركي ، وأنها لما اندثرت بسبب حروب المهدية وهجران سكانها لها ، حلت محلها مدينة أم روابة ، التي نشأت حديثا بعد قيام ادارة الحكم الثنائي ، وساعد على ازدهارها بصفة خاصة ،مرور خط السكك الحديدية بها ، ومن ثم فقد انتقلت رئاسة المركز نفسها الى أم روابة.
ما أشار اليه المؤلف من أنَّ الإمام المهدي قد رفع من شأن الشيخ المنا بعد إعدامه ووفاته ، أمرٌ صحيحٌ نوافقه عليه ، ونُسب إلى المهدي قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم قد عفا عنه. وفسر ابو سليم ذلك الموقف من المهدي حيال المَنَّا ، بأنه قد جاء تقديراً من قبله لدور المنا في نصرة المهدية. وبوسعنا أن نضيف إلى جانب ذلك ، عاملاً آخر شجع على ذلك الموقف ، هو كون أن الشيخ المنا هو صهر المهدي ووالد زوجته المسماة ” حواء الجلالة “.
على أن هنالك هفوة كبيرة وقع فيها أبو سليم ، ومن المدهش حقاً أن يقع فيها من هو مثله ، ولكن لكل جواد كبوة ، وذلك إذ يقول في صفحة 22 :
” المنَّا من جوامعة شرق كردفان …. وهو والد مكي المنا ، وهو من مشاهير الخريجين ، وكان رئيس طلبة الكلية الذين أضربوا إضرابهم المشهور ، وقد عمل مهندساً وتولى الوزارة. ”
ووجه المفارقة في تقرير أبي سليم هذا ، هو أن الشيخ المنا قد توفي في عام 1883م ، وهذا يعني بحسب رأي ابي سليم أن مكي المنا ، قد ولد في ذلك العام أو قبله حُكماً. والحال هو أن مكي المنا عندما كان رئيسا لطلبة كلية غردون على أيام إضرابهم الشهير في عام 1931م ، قد كان على أبعد تقدير في سن الثانية والعشرين أو الثالثة والعشرين من عمره ، وهذا يعني أن تاريخ ميلاده بالتقريب ، هو ما بين عامي 1908 و 1910م ، فكيف يكون الشيخ المنا الذي مات مقتولا في مارس 1883م ، والداً له وقد مات قبل ميلاده بربع قرن أو يزيد؟.
وعندي أنه يجوز أن يكون المنا والد المهندس مكي ، قد سُمي على الشيخ المنا هذا تيمناً به ، وذلك نظراً لأنه كان شيخاً صالحاً ذائع الصيت في شرق كردفان ، فضلاً عن أنه كان يعيش في نفس المنطقة التي تنتمي اليها أسرة مكي المنا أيضا.
أما الاسم ” مكي ” نفسه ، فيشي بكل تأكيد بتأثير الطريقة الإسماعيلية الكردفانية المنشأ أصلاً ، خصوصاً بأننا علمنا أن جد مكي المنا الملقب بالشيخ ” الناير المنبوش ” ، قد كان من أبكار تلاميذ السيد إسماعيل الولي بن عبد الله ، ولذلك جاء اسم المهندس مكي المنا ، غالباً تيمناً بالسيد المكي بن السيد اسماعيل الولي.
أما صلة أسرة الشيخ المَنَّا بقبيلة الجوامعة ، فلا تعدو – كما علمنا – كونها علاقة موطن وسكن، وربما مصاهرات ما ، في بعض المراحل ، وذلك بحكم الجوار والمساكنة. فهذه الأسرة تتمسك بالانتساب الى فرع من قبيلة الجعليين يسمون ” الماسعداب ” ، الذين يقال إنهم يمثلون بدنة من فرع ” السعداب ” من الجعليين الذين كان فيهم ملك الجعليين التقليدي منذ القرن السادس عشر الميلادي ، من لدن جدهم المك سعد أب دبُّوس ، قبل أن تستقر النظارة منذ مطلع القرن الماضي ، في أسرة ” آل فرح ” من فرع النفيعاب “.
ذلك ، وحيّا الله ذكرى العلامة الراحل البروفيسور محمد إبراهيم أبو سليم ، وجزاه عن البحث والعلم ، وعن درس التاريخ السوداني خاصةً وخدمته ، خير الجزاء إنه سميعٌ مجيب.

• لأغراض التوثيق والاقتباس ، المقال منشور أيضا بالعدد الثاني من مجلة ” القلزم ” للدراسات التوثيقية ، اصدار مركز دراسات وأبحاث البحر الأحمر ، عدد فبراير 2022م ، ص 21 – 42.

قائمة المصادر والمراجع:
1- أحمد إبراهيم أبو شوك (1999م ) ، محمد إبراهيم أبو سليم محققاً ومؤرخاً ، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي ، أم درمان ، 1999م.
2- الحاج سالم مصطفى (1996) ، ” البروفيسور محمد ابراهيم ابو سليم وتطور دار الوثائق القومية 1955- 1995م ، مع قائمة ببلوجرافية بأعماله ” ورقة غير منشورة.
3- الحاج سالم مصطفى (2014) ، دار حَمَر: دروب وظلال على الرمال ، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي ، أم درمان ، 2014م.
4- الحارث إدريس الحارث ، ” فنومنولوجيا المهدية: المرشد إلى فهم مهدية محمد أحمد المهدي بن عبد الله ” ، مقال للكاتب نُشر بصحيفة سودانايل الالكترونية
.. www. Sudanile.com
بتاريخ 15 /6 /2015م.
5- الشريف أبو عبد الله الكتّاني (2004) ، سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس ، ج 3 ، دار الثقافة ، الدار البيضاء ، 2004م.
6- الطيب مونة بن سعيد (2008) ، ثبت العلوم المسمى سر الأسرار ونور الأنوار الجامع لأسانيد وأثباات الأخيار ، تحقيق عبد الله الطيب مونة ، مطبعة حصاد للطباعة والنشر ، الخرطوم ، 2008م.
7- عبد الرحمن الجبرتي (1997) ، عجائب الآثار في التراجِم والأخبار ، ج 2، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1997م.
عون الشريف قاسم (1985) ، قاموس اللهجة العامية في السودان ، المكتب المصري الحديث ، ط 2، القاهرة ، 1985م.
8- محمد ابراهيم ابو سليم (1991م ) ، أدباء وعلماء ومؤرخون في تاريخ السودان ، دار الجيل ، بيروت ، 1991م.
9- محمد ابراهيم ابو سليم (1992م ) ، أدوات الحكم والولاية في السودان ، دار الجيل ، بيروت ، 1992م.
10- محمد إبراهيم أبو سليم (1989) ، الحركة الفكرية في المهدية ، ط 3 ، دار جامعة الخرطوم للنشر ، 1989م.
11- محمد ابراهيم ابو سليم (1992م ) ، بحوث في تاريخ السودان: الأراضي ، العلماء ، الخلافة ، بربر ، علي الميرغني ، دار الجيل ، بيروت.
12- محمد ابراهيم ابو سليم (2001م ) ، ” مسألة الشيخ المنّا ” ، مجلة ” دراسات إفريقية ” ، جامعة إفريقيا العالمية ، العدد 26 ، ص 19 – 38 .
13- محمد النور ولد ضيف الله (1974) ، الطبقات في خصوص الأولياء والصالحين والعلماء والشعراء في السودان ، ط 2، تحقيق يوسف فضل حسن ، دار التأليف والترجمة والنشر ، جامعة الخرطوم ، 1974م..
14- هارولد مكمايكل (1922) ، تاريخ العرب في السودان ، تعريب: سيد محمد علي ديدان المحامي ، مركز عبد الكريم ميرغني ، أم درمان ، 2012م.
15- يوسف فضل حسن (2005) ، حواشٍ على متون علماء ومؤرخين ومفكرين في تاريخ إفريقيا والسودان ، ط 2 ، الناشر: سوداتك المحدودة ، الخرطوم ، 2012م.

التعليقات مغلقة.