الصيف و الفردوس (1)

الصيف و الفردوس (1)
  • 21 أغسطس 2022
  • لا توجد تعليقات

تاج السر الملك

سأحدث القاضي المكلف بمحاكمتي غداً، عن كل الذي جرى بيني وبين الآنسة (ماري سميث)، سأبدأ حديثي سارداً كل الوقائع التي أوصلتني الى الوقوف أمام منصته العالية، سأبدأ حالما يسألني سؤال بيدبا: (وكيف كان ذلك)، سأبدأ بتعظيم مقامه، سأناديه بالحضرة والمبجل وصاحب السمو أن دعت الحاجة، أوصاني بذلك صديقي (وودي كايسون جونيور) ، ونصحني بأن أضع أفضل ما لدى من ثياب وربطة عنق وأن أبدو وكأنني ذاهب إلى عرس، أكد على أن أبدو محترف الهيئة جهد الطاقة، قلت له (و كيف يكون ذلك)، أجابني: كن مثل (اوجي سمبسون)، فطمأنته بأنني سابذل قصارى جهدي في أن أكون، سأبدو واثقاً ممتلئاً بذاتي، ستكون في رفقتي محاميتي الآنسة (كارلوتا)، والتي لم توصني بأى شيء ذو قيمة، بل وأستطيع القدح بانها لم تكن تعنى بأمر قضيتي، الا في السويعات التي كنت اقابلها فيها لدفع قسط من أقساط أتعابها، تتبعني بعد أن تدس الشيك في حافظتها، تشيعني حتى باب مكتبها بابتسامات زائفة وأفعال من طرائقها الفاشلة في زرع الطمأنينة في نفسي المرتاعة، كانت ابتسامات الآنسة (كارلوتا) حلوة في زيف فاكهة مصنوعة من البلاستيك، ولكنني وبما أنني كنت مرغماً على الاعتراف بأهمية وجودها بجانبي، فقد وجدت لها الكثير من الأعذار

سأحكي للسيد القاضي غداً، كل شيئ عن كل شيء، لن يكون هنالك أحد من أهلي ولا من أصدقائي ولا من مواطني ليعضدني، أو ينقل عني ما يسر عدوي، وسوف لن ينقل التلفاز وقائع الجلسة، فأنا لست السيد (اوجي سمبسون)، سأبدأ حديثي و أنا أنظر في عيني القاضي مباشرة مرة، ومرة نحو منصة المحلفين، سأبدأ حديثي مفتتحاً، بأنني تعرفت على الآنسة (ماري سميث) …. سيقاطعني القاضي بقوله (كيف ومتى كان ذلك؟؟).
سأبدأ روايتي للذي حدث بقولي: التقيت وماري أول مرة قبل تسعة أعوام، وكنت حينها موظف مبيعات في بقالة من ضمن سلسلة بقالات (اولسونز) الشهيرة، متجر للأغراض المختلفة يقع قريباً من القاعدة الجوية، وكانت ماري المجندة بسلاح الجو واحدة من زبائنه الدائمين، تأتي بلباسها العسكري، تذرع المتجر جيئة ورواحاً تبحث وتنتقي فيه أغراضها، كانت كأنما تتعمد أن يلحظ الناس أردافها المكورة،حتى بدا لى وكأنها لا تتوقف عن المشي ابداً، أذكر أنها كانت تضع قبعتها التي تشبه قبعة المهاتما (غاندي)، مطوية بعناية في ظرف على كتفها، كنت أعاملها مثل كل زبائن المحل باحترام وحرفية، ولا أخفي عليك سيدي القاضي أنني كنت أرقب مشيتها في متعة غير عابئ بعلمها أو عدمه، كانت توليني اهتماما ً عابراً مثلها في ذلك مثل بقية الزبائن، تطور الأمر بيننا بعد شهور فتبادلنا أحاديث عابرة، تركز جلها حول الطقس وحوادث متفرقة، وعن لهجتي التي أدعت بأنها لطيفة محببة، وكان أقصى ما ذهبنا إليه، سؤالها لي أن أعلمها كلمة أو كلمتين من لغتي الأم، ضحكنا طويلاً من الطريقة التي تنطق بها الكلمات، فغمزتني بعينها وهي تقول (أتمنى ألا تكون الكلمتين نابيتين)، ضحكنا معاً من عذوبة الطرفة وأجبتها بلا، علقت على ذلك بقولها بأنني أبدو أنساناً نزيهاً مهذباً، مضت وأنا أتبعها بعيني هذه المرة إلى سيارتها دون خشية، وكأنها قد منحتني أذناً موثقاً بموافقتها وسماحها لى بمتابعة النظر، مضت وسعادة بائع محترف تغمرني، أحسست بيد مدير المحل تربت على كتفي في حنو، وأنفاسه تتردد من ورائي، وعين الرضا يغمزني بها جذلاً، بيد أنه لم يعدني بزيادة في الأجر كما توقعت.
سيدي القاضي و السادة المحلفين، تطور الأمر بيني و بين الآنسة (سميث)، وقد يقاطعونني جميعاً بالقول (وكيف كان ذلك؟؟)، سأحدثكم سادتي، فأنا هنا لأحدثكم، دخلت (ماري) ذات صباح إلى المتجر في عجلتها المعهودة، ابتسمت في وجهي وحيتني باسمي هذه المرة، وحين فراغها من جمع أغراضها، توقفت لدي وأنا أفرغ زكائب الخضروات، وسألتني أن كنت أعرف شخصاً من أصدقائي يود شراء سيارة مستعملة، أجبتها بأنني لا أذكر أحداً في تلك الساعة بالذات، ولكني سأسأل على كل حال، بحثت في حقيبة يدها وسط اشياءها الصغيرة، وحين لم تجد ما أرادت، طلبت مني ورقة و قلماً، ابتسمت في وجهها ابتسامة بائع محترف، وأتيت لها بما طلبت، وضعت سلتها على الأرض، ثم انحنت على طاولة قريبة، انحناءة سعدنا جميعاً بها، استقامت ودست في يدي الورقة وعليها رقم هاتفها، ثم همست مثل عاشقة (وهذا تعبير مجازي سادتي الفضلاء) هاتِفني، أوصلتها الى سيارتها السنترا الصغيرة وضعت مشترياتها بعناية في الصندوق الخلفي، وحين أدارت المحرك من موقعها، تسرب الى صوت (آيك تيرنر) المتعب المليء بالأسى والحيرة وهو يجاوب صوت (تينا) و هما يبدآن رحلة على النهرفي مطلع أغنية
proud Mary
يتبع

هذه رواية تقبع في الظل منذ العام 2005، سأنشر حلقاتها تباعاً، حيث لا اعتقد أنني سأصدرها في كتاب قريباً، (الصيف والفردوس)، قصة علاقة نشأت بين سوداني أفريقي، وفتاة (أفروميريكان)، أو هن مجموعة من النساء، وكثير من التفاصيل المتشابكة، إلى الحلقة الأولى …….

التعليقات مغلقة.