بعد تفاقم مشكلة التعدين في دلقو : ضرورة تعديل مسار المقاومة ونهجها

بعد تفاقم مشكلة التعدين في دلقو : ضرورة تعديل مسار المقاومة ونهجها
ضرورة لتغيير سلوب المقاومة
  • 07 سبتمبر 2022
  • لا توجد تعليقات

محمد يوسف وردى

لاحظت أنَّ خطاب الناشطين ضد التعدين العشوائي في مناطق دلقو مازال يتمحور حول التحذير من مخاطر الزئبق والسيانيد ، بينما في الواقع حصل الضرر وتم تدمير الانسان والزرع والضرع أصلا على مدى سنوات، ذلك فصل انتهى وعلى الناس الاستعداد لفصل جديد تكون فيه أنشطة التعدين تحت سيطرة الميليشيات التي تحكم بالقتل والاغتصاب والوحشية.

فصل يتحكم فيه الفساد والقمع الاستبدادى والعسكرة والحرب الأهلية لإسدال الستار على منطقة عظيمة بجلها هوميروس.
‎ عرفت منظمة الصحة العالمية الصحة بأنها حالة من الرفاهية الجسدية والعقلية والاجتماعية الكاملة.
‎ وبعد سنوات من الضغوط على صحة المجتمعات المحلية في داس وكل المناطق القريبة من مواقع التعدين العشوائي بسسب تلوث الهواء والتربة و المياه الجوفية والسطحية وايصال حتى العناصر الضارة إلى المواد الغذائية
‎بأسرها، آن الأوان لإخضاع كل السكان المحليين إلى فحص طبى شامل، وقياس درجة التلوث في طعامهم وأرضهم الطاهرة والهواء الذى يتنفسه الرضيع والكهل .

إنَّ معدل اعتلال الصحة في صفوف أهلنا الأماجد أمر متوقع وهو شيء يبعث على القلق بالطبع، لكن نشر بيانات طبية موثوقة عن نتائج الفحص سيضفي على النشاط المعادي للتعدين العشوائي صدقية أكثر، وقبل ذلك يجب نشر قائمة بأبناء المنطقة العاملين في مواقع التعدين والذين يعودون في آخر النهار إلى بيوتهم ومجالس سمرهم حاملين السموم. هذه قضية ينبغي عدم المجاملة فيها، ويجب تحديد إقامتهم لأنهم بلا اكتراث يضاعفون من المخاطر التي تتربص بالأبرياء، والشيء نفسه يمكن أن يقال بخصوص إيقاف المترددين على المستشفى والأسواق والمرافق العمومية.

هذه المناجم تعمل بلا رقابة وضوابط تنظيمية وهى المناطق الأعلى خطورة لذلك ينبغي تقييد الوصول إليها والخروج منها باتجاه الأحياء السكنية..
تبدو الرؤى متشائمة بشان مناطقنا حقاً، إذ هي تعيش اليوم زمناً أشبه بالأعوام التى سبقت نهاية عاد وثمود وإرم ذات العماد، وبعدما يجرد اللصوص الأرض من الموارد القيمة التى يستغرق تجديدها ملايين السنين سيصدق الناس أساطير الأولين الذين هلكوا من قبلهم، ثم يعضون على أصابع الندم لأنهم فرطوا في بلادهم ودمروا حاضرها ومستقبلها بسبب اللامبالاة والطيبة الزائدة وفقدان البوصلة.

جميعنا لدينا دور يجب أن نؤديه، وجميعنا نشعر بتأنيب الضمير لاشتراكنا مع شركات التعدين في الجرم لأننا تركنا أهلنا وحدهم يواجهون المصير المجهول، وأدرنا ظهرنا للمشكلة بحجة أن بعض أبناء المنطقة لديهم مصالح مع المعدنين، حتى ولو فضل الأهالى التعرض للملوثات الضارة مقابل الحفاظ على النسيج الاجتماعي، ورفضوا التجاوب مع حركة المقاومة ضد التعدين، علينا أن نقتدى بالمناضل التاريخى مارتن لوثر كينج الذي أوصى مؤيديه عندما عبروا عن استيائهم من عدم تجاوب بعض السود مع شعارات حركة الحقوق المدنية بعبارة : قولوا لهم إننا نحبهم أكثر مما يحبون أنفسهم.

لو كان الأمر بيدي لسعيت اليوم إلى إنشاء غرفة طوارىء على رأسها فرقة عمل لمكافحة التعدين العشوائي، وتبعاته فى دلقو – بلوائح متشددة – ، تكون مهمتها الأولى مراقبة وتنظيم حراك العاملين في المناجم، ومنع احتكاكهم
بالأهالى وتنبيه أبناء المنطقة المعلقة قلوبهم بمناطق التعدين بأنهم سيتعرضون لعزلة اجتماعية حتى من الأقربين، ولكي لا تتهم بالسذاجة، فإن الفرقة ستضع على عاتقها إقامة مؤتمر اقتصادى يكون هدفه الأول خلق فرص عمل بديلة لتشجيع هجرة أبناء المنطقة من مواقع التعدين.

ويستهدف ثانياً خلق نمو في القطاعات غير التعدينية، لأن النمو الاقتصادى أوضح سبيل لتحسين حياة الناس، وهو يوفر العمل، ويخلق طفرات في سوق البناء وتجارة السيخ والأسمنت ومواد الكهرباء والمياه ومصانع للتعبئة وتنويع للزراعة وصناعة لمنتجاتها الخ الخ .

مازالت مصيدة الفقر منصوبة على طول المنطقة وعرضها، ولم يجلب التعدين أي فرص نمو، ولم يحسن البنية التحتية او الرعاية الصحية مثلاً، بل يتعالج آلاف المعدنين في مستشفى دلقو . فلماذا يدفع الأهالي أكثر مما دفعوا مقابل التعدين؟!

إنَّ طبيعة وتعقيد مشكلة التعدين العشوائي تتطلب اتباع نهج جديد للحد من توسع هذه الكارثة التي تزحف شيئاً فشيئاً إلى داخل حرم البلدة كما حدث في دلقو مؤخراً. لمواجهة هذه المشكلة يجب اشتقاق حلول عملية تركز في السياسات وليس الشعارات.. السياسات التى توفر اجابات منطقية، وعلى رأسها مصير أولاد المنطقة المنغمسين في التعدين العشوائي ويحتاجون إلى بديل اقتصادي كما أسلفت.

تتطلب مكافحة التعدين إستراتيجية طويلة الأجل تخاطب المشكلة وأسبابها الجذرية بشكل مباشر، وإذا كان القوم يبحثون حقيقة عن حل له تاثير دائم فالأولى أن يتركوا الحملات الموسمية القائمة على التوعية ودق جرس الإنذار، بحثاً عن حلول – من الواقع – قائمة على الأدلة، إن الحل موجود في دلقو بلا أدنى شك.

في هذه اللحظة التي تقرأ فيها هذا الكلام عليك التفكير فيمن يحملون العناصر الضارة في ربوع دلقو، وقد يؤثرون في الجيل التالى ناهيك عن أن الزئبق سام للدماغ، وهو يشكّل أعلى المخاطر على صحة الإنسان والبيئة، في هذا الجو الخانق الذى ترتفع فيه مستويات التوتر النفسى والمخاطر الاجتماعية ومشكلات الصحة العقلية والسرطانات وأمراض الجهاز التنفسي والقلب وضعف جهاز المناعة، يرى بعض الناس في دلقو كل يوم جديد يوماً عادياً؛ كأن متولي الملك ما يزال حياً يطرزه بشجوه وسخريته.!!

لقد بات لزاماً علينا تغيير مسار المقاومة الشعبية ضد التعدين العشوائي؛ لأنَّ خطاب التوعية لم يعد مجدياً ولا منتجاً ولا مؤثراً؛ كونه صار أقرب إلى موعظة جماعة التبليغ والدعوة.
انَّ الحل في بناء قواعد على الأرض تأتى بحل من أرض الواقع .والحل المرجو قد تصاحبه تداعيات سياسية، لذلك من الرعونة ألا يتم دعمه برافعة كورقة الحكم الذاتى مثلاَ !!
محمد يوسف وردى

التعليقات مغلقة.