ردًا على التصنيف العالمي: السودان ليس دولة استبدادية!

ردًا على التصنيف العالمي: السودان ليس دولة استبدادية!
  • 11 سبتمبر 2022
  • لا توجد تعليقات

د. مرتضى الغالي

ليس غريباً أن يتم تصنيف السودان الآن بين الدول الاستبدادية..وبالرغم من احترامنا للتقرير العالمي الذي وضعنا بين دول الاستبداد..فإن هذا التصنيف لا يشفي غليل السودانيين عن حالهم الراهن تحت دولة البرهان وجنرالاته..!! ولو كانت هناك درجة (فوق الاستبدادية) لاستحقها (سودان جنرالات الانقلاب).. وينبغي أن تكون هناك درجة أو درجات أخرى فوق (مجرد الاستبداد)..حتى يكتسب التصنيف الدقة المطلوبة..!
ذلك أن بين الدول الاستبدادية بلاد يعيش أهلها في رغد من العيش وفي نوع من الحرية الفردية وملاحقة الفساد ومحاربته وتجريمه وعدم الاعتراف بعائده..! وهناك دول تعيش تحت الاستبداد ولكن تتوافر فيها الخدمات وفرص التعليم والعمل والتعليم وخدمات الصحة ومياه الشرب النظيفة والعلاقات السوّية مع العالم…ولكن نحن ما شاء الله لدينا نظام استبدادي من نوع آخر.. فنحن لا نعيش فقط في حالة هي نقيض الحرية والديمقراطية.. ولكننا نعيش في وضع لا تجد له تصنيفاً في كل دول الدنيا حتى تلك التي لا حكومات فيها…!! قتل واغتيالات ورصاص ومليشيات و(عصابات رسمية) وسحل ومقابر جماعية وتعذيب وتشريد واعتقالات على مدار اليوم والساعات وبغير سبب..وإفقار وجوع وخراب (والتوم هجو وأردول)..!..وفساد (يزكم المزابل)…واستباحة كاملة للدولة ومرافقها ولكل القوانين والنُظم والأعراف..وتجبّر وتسلّط (على الفاضي) من أشخاص لا علاقة لهم بالسلطة ولا أجهزتها النظامية…ونظاميون بملابس رسمية وقنّاصون يقتلون الناس في ضوء النهار وأمام بصر القضاء والنيابة العامة ووزير العدل وديوان النائب العام بكل وكلاء نيابته ومستشاريه..!!
أما أموال الدولة فيتم صرفها (بالمعرفة) عبر وريقات التوصية بخط اليد..ووزراء يعيّنون أقاربهم في مناصب الدولة الرسمية خارج لوائح الخدمة وبلا أوراق ولا مؤهلات ولا فايلات ولا (صور شمسية).. ثم يصدرون قرارات مكتوبة بإعفاء أصهارهم من جمارك السيارات..ومليشيات يصر قادة الانقلاب على أنها جزء من الجيش الوطني ولكنها لا تأتمر بأمره..فلها نظامها الخاص وترقياتها الخاصة حتى مستوى الفريق واللواء..ولها (كاكيها) الخاص و(ترزيها المختص) وهي التي تختار بنفسها نوعية أسلحتها وتاتشراتها ومركباتها ومكان تمركز عناصرها والمقر السرّي لقائدها..!
وقائد مليشيا يزور الدول الأجنبية باسم السودان ويعقد الصفقات ويوقع المعاهدات بغير المرور على رئيس (مجلس سيادة الانقلاب) ولا وزارة الخارجية (التي لا تتكلم)..!..وشخص واحد تدعمه قيادة الانقلاب يقوم بإغلاق موانئ الدولة في وجه الصادر والوارد..وشركات أمنية أجنبية تتفق مع الانقلاب على القيام بأعمال خاصة والتنقيب عن المعادن..وذهب الدولة يتم نقله بالطائرات إلى أماكن مجهولة ويدخل عائده في تسليح دول كبرى أو صغرى…دولة يرد قادتها ووزراؤها المال المسروق والمرافق المنهوبة إلى اللصوص الذين تمت محاكمتهم..ويقومون اعتقال عضو لجنة استرداد المال العام..! وشخص واحد هو قائد الانقلاب يصدر أمراً بحل مجلس السيادة عدا شخصه..وشيخ صوفي يريد (أو يوعزوا له) بتشكيل حكومة واختيار رئيس وزراء تكنوقراط (أو فلولي واط) وتحديد موعد الانتخابات.. !
فهل هذه حال دولة (استبدادية فقط) بغير تفسير لمعنى الاستبداد ونتائجه..؟! يا صديقي ليتنا أصبحنا دولة استبدادية بالمعايير السياسية والعالمية..! إذاً لكانت أرحم من دولة البرهان الحالية التي ليس لها قياس أو مشابهة أو مقارنة ومقاربة بأي دولة استبدادية أخرى مهما غالت تلك الدولة في استبداديتها و(طلاشتها)..! هل رأيت قيادة دولة تقوم بصناعة (الانفلات الأمني) وتبارك جهود العصابات المسلّحة وتحث على الخروج على القانون ولا تخجل من التغاضي على مقتل المئات من مواطنيها…؟! إذا كان هذا يحدث في دولة استبدادية أخرى حدثونا عنها..ولن تجد دولة يا صديقي يذهب رئيس مجلس سيادتها ليقول لعشيرة من شعبه نحن أحسن من الآخرين الذين (لا يشبهونا) ونحن ألاحق بالحكم..ثم يصيح بكل ما يمكن أن يندرج تحت المحمولات العنصرية والتمييز بين أطياف المجتمع والدعوة والإيحاء بالتحشيد والتصادم القبلي والجهوي؛ بل إنه يتحدث عما يصفه بغلبة الأصول العشائرية التي يتشكل منها جيش الوطن..!
هذا التصنيف الذي يضع بلادنا الآن بين دول الاستبداد فيه (جناية وتحامل) وظلم كبير للدول الاستبدادية التي لا تستنكر وضعها في تصنيف واحد مع سودان البرهان…!! ويا أهل التصانيف والمعايير العالمية: احكموا مقاييسكم ولا تجعلوا الاستبداد (كوماً واحداً بغير فرز)…فما ذكرناه عن أحوال (سودان جنرالات البرهان) وما يجري تحت الانقلاب لا يعدو أن يكون قطرة من بحر بلا ساحل..وتكاد تهتز من هول بعض ممارساته عمامة (عبد الرحمن الكواكبي) وترتجف من فظاعته أعتى الدول الاستبدادية..من لدن كوريا الشمالية..إلى ميانمار..!!

murtadamore@yahoo.com

التعليقات مغلقة.