السودان إلى أين؟ هل فقدنا البوصلة؟

السودان إلى أين؟ هل فقدنا البوصلة؟
  • 20 يوليو 2023
  • لا توجد تعليقات

حسن أبو زينب عمر

لا تلعنوا السماء اذا تخلت عنكم
لا تلعنوا الظروف
فالله يعطي النصر
من يشاء وليس حداد لديكم
يصنع السيوف
نزار قباني

تقول طرفة سوداء من تراث البجا ان راعيا للأغنام في منطقة نائية من البر عثر على جرو ضبع صغير فأخذه الي منزله وتولي رعايته بتقديم مايشتهيه من ألبان ولحوم حتي شب عن الطوق وتآلف مع الوسط الذي عاش فيه حتي بلغ به الحال النوم حينا في أحضان الراعي وحينا وسط الأغنام التي لم تعد تنفر منه حتي بعد اكنمال نموه ..وفي أحد الصباحات استيقظ الراعي علي أمرجلل لم يكن في الحسبان فقد وجد اغنامه وهي ممددة على الارض ممزقة الأحشاء والدماء تنزف منها ولم يجد (صديقه خاين العشرة ) الذي اختفي من المكان فاقتفى أثره وبعد مسيرة طويله وجده في جحر حفره وحينما اقترب منه الحيوان يتمسح بجسمه على عادته سأله الراعي والغضب يشتعل في أحشائه قائلا (من أخبرك أن أباك ذئبا ؟
(2)
القصة وتفاصيلها الدرامية تحمل ملامح الكارثة التي نعيشها والخطر الذي يتربص بنا في السودان فحميدتي قائد الدعم السريع نال هو ومليشياته من كروت الادانات الحمراء ما أدمى سمعته ولوث تأريخه حد التسامى الي تجريده من الانسانية من جرائم يندى لها الجبين من سطو ونهب وسرقات للممتلكات واعتداءات علي أعراض الناس غير مسبوقة لم نسمع بها حتى في حروب الكون حيث تمدد الخراب باسط ذراعيه بالوصيد وانتهى بشل المرافق العامة كالمستشفيات ومحطات المياه والكهرباء بالاحتلال واتخاذ شعب بأكمله دروعا بشرية انتهت لصور ومشاهد لاتقل بشاعة عن مافعلته جحافل هولاكو وجنكيزخان في العاصمة بغداد .
(3)
بسسبها تعرض لادانات وشجب بأقصي عبارات الاستنكار من قبل بعض السفارات بعد الاعتداء على مقراتها انتهى الي ادانته وملاحقتة من محكمة الجنايات بعد مصرع اكثر من سبعين شخصا من قبيلة المساليت في غرب السودان ..ولكن الذي يثير الدهشة ان هذه الفظائع والبشاعات لم تجير لصالح الجيش اذ ان العالم الخارجي يتعامل مع الميلشيات التي نقلت عنف البادية الى المدن جهارا نهارا وتسببت في تشريد الآف المواطنين مساويا للتعامل مع الجيش السوداني على قدم المساواة الكتف في الكتف والقدم في القدم
On equal footing
(4)
القوى الكبرى تنظر الي الجيش الوطني الذي يعود تاريخه الي اكثرمن مئة عام والذي كان ولازال يمثل رمزا وضمانا للوحدة الوطنية وميلشيا الخلاء التي لا يتجاوز عمرها 40عاما والمرفوعة علي رافعة عنصرية بكونها (حرب جنرالين) بل ان المنظمتين الاقليميتين القاريتين (الاتحاد الأفريقي ومنظمة الايجاد) التي ننتمي الها تشاطران المجتمع الدولي نفس هذا الموقف فأي كارثة هذه وأي خذلان هذا ؟
(5)
لكن لأن الحق يعلو ولا يعلى عليه ولأن من يزرع الريح لن يحصد سوى العاصفة فان اصابع الاتهام ينبغي أن توجه الي البرهان وحاشيته وتحميلهم وزر صنع ميليشيا الدعم السريع ورعايته وتربيته وتوفير كل معينات القوة له حتي شب عن الطوق كجرو الراعي وأصبح مع نفخ (القحاطة) له سندا ودعما في صراعهم مع العسكر وبمبدأ الغاية تبرر الوسيلة وحشا كاسرا فمن يصنع المعروف في غير أهله يلاقى الذي لاقي منير ابن معمر .
(6)
ان السودانيون الذين فقدوا ممتلكات سكبوا عليها عرق العمر و تجرعوا كؤوس الصير والتضحيات من أجل تأمينها و خاضوا مغامرات هروب مثيرة تنضح ذلا ومهانة أمام أسرهم وأطفالهم وتعرضوا للبهدلة في منافذ الخروج بحثا عن اللجوء لن يكتفوا بتعليق معاناتهم وضياع ممتلكاتهم في رقبة ميلشيات آل دقلو فحسب بل ومن حقهم المشروع توجيه أصابع الاتهام الى الراعي الذي ربى الجروالصغير وأطلقه ذئبا بنهش في أجسادهم سيما وقد دفعوا الغالي والنفيس وزر حكومتي البشير والبرهان بصنع جيش موازي ربما ألهم لاحقا زعيم عصابات فاجنر للتمرد على الشرعية والزحف نحو موسكو لتصفية الحسابات مع وزير الدفاع ورئيس الاركان متجاهلا حكومة بوتين حيث تمكنت القوات المتمردة من احتلال مدينة (روستوف) دون سفك قطرة دم واحدة قبل أن تعسكرعلى بعد 200 كيلومتر من العاصمة .
(7)
لن يسدل الشعب المهان الستارعلى جرائم البرهان وهو ينقلب على الحكومة المدنية ويعتقل قياداتها .. اذ ان الذاكرة السودانية مترعة حد التخمة بفنون المراوغة التي احترفها والابداع في اللعب بالبيضة والحجر مستغلا خلافات افكار ورؤى المكون المدني للصيد في المياه العكرة وفتح الباب للكيزان الذين كنستهم ثورة ديسمبر حتى شاع وسط الملايين ان الذي يدير دفة الحرب الآن هو على كرتي .. كل ذلك من أجل الكرسي اللعين ..لعل هذا هو السبب المباشر الذي يبررالآن موقف المجتمعين الدولي والاقليمي الذين وضعا البرهان وحميدتي في كفة واحدة واصدرا عقوبات بتجميد شركات الاثنين على قدم المساواة .
(8)
في العاصمة الاثيوبية اديس أبابا أعرب ممثل الدعم السريع عن أسفه لمقاطعة وفد الجيش للجلسات وقال لمراسل أحد قنوات التلفزة الدولية ( كنا نعمل كجسم واحد وكنا ننسق ونشرع وننفذ السياسات سويا فماذا حدث حتى يتم دمغنا في غمضة عين وانتباهتنا كمرتزقة ؟) .. هذا سؤال مشروع رغم أنه يأتي بلسان من يخطط لتدمير السودان شعبا ووطنا عمدا كان أم جهلا ..
(9)
المحزن في مشهد الحريق الماثل أمامنا والذي يصب مزيدا من الزيت عليه هو الكوماندور عبد العزيز الحلو الذي يستغل طروف الموت والدمار ويساهم بتسديد طعنات سامة على جسد الوطن الذي يتهاوى أمامنا بدلا من لعب دور الوسيط برسالة سيسجلها له التاريخ بماء الذهب .. أقول أنه كانت هناك قبل الطوفان امكانية لتجسير الخلاف الذي تمحور حول مدة فترة دمج قوات الدعم السريع في الجيش بين العامين والعشرة أعوام بتقليص الفترة هنا وهناك ولكن ضياع الارادة وتوهان العقل وغياب الحكمة انتهى بنا الى القشة التي قصمت ظهر البعير فها نحن ضائعون في تيه ومستقبل مظلم رأينا دلالته في النساء اللائي يفترشن الارض ويلتحفن السماء بأطفالهم حول القنصلية بحي المطار في بورتسودان بحلم الحصول على تأشيرة خروج أو تأشيرة هروب … رأيناه في الاسر المتكدسة على الحدود في الشمال وهي تعاني شظف العيش دون مأوى أو معينات.. رأيناه في دموع الناجين من المذابح الاثنية في مدينة أدري غربا في مناطق التماس مع تشاد حيث يرون فظائع تشيب لها رؤوس الأجنة في أرحام النساء .
(10)
حتى يعود العقل ويستقيم المنطق ويبتعد عن المشهد لوردات الحروب الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا فما لديك كما يقول السياب سوى الدموع وسوى انتظار دون جدوى للرياح وللقلوع .
yasser.abozinab20@gmail.com

التعليقات مغلقة.