مساومة الشفيع

مساومة الشفيع
  • 26 نوفمبر 2019
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

أطلق الأستاذ الشفيع خضر دعوة لما سماه المساومة التاريخية بين الإسلاميين و اليساريين في السودان من أجل الاتفاق على الحد الأدنى من المعايير التي تلزم لبناء الوطن . و هي دعوة لا تختلف في جوهرها العام عن فكرة سابقة دعا لها زعيم حزب المؤتمر الشعبي الدكتور حسن الترابي فيما سماه بالمنظومة الخالفة و التي تستبطن حشد اليمين و اليسار في مشروع حد أدنى وطني .

مشكلة هذه الطروحات انها تنطلق من واقع تاريخي سابق لم يعد له وجود في العالم اليوم ، عالم الثنائيات ، اليمين و اليسار ، الجنة و النار ، اميركا و الاتحاد السوفيتي . و هو عالم لا يأبه به شباب اليوم و لا يهتمون به ، فالذي لا يعلمه الاستاذ الشفيع و قبله الدكتور الترابي ان القناعات تغيرت و ان المشروع الديني المقدس او اليساري الخلاب ما عاد هو ما يبهر الشباب و الأجيال الجديدة ، فهي ليست أجيال مغلقة تستمع فقط لفكر واحد و منهج واحد في الصباح و الظهر و المساء، هذه أجيال تصبح على شيء و تمسي على اخر ، و ليست هي بفعل ذلك متناقضة مع نفسها او مع عالمها ، فهي إنما تتبع طبيعة الحياة الجديدة، حياة التنافس و العمل و الإبداع ، حياة لا يمكن تقييدها بفكر احادي او إطار متزمت، بل حياة حرة ، منطلقة ، متقبلة للاخر بلا ادنى حساسية فكرية في إطار التنافس و الحوار تحت سماء القانون .

نعم ينطلق الدكتور الترابي و الأستاذ الشفيع من صراعهم الذاتي اليميني اليساري ، و يتوفران على حقائق تاريخية تمظهرت في انقلاب مايو ١٩٦٩ اليساري و يونيو ١٩٨٩ اليميني، و ظنا ان آفة هذا البلد هو فقط الصراع الذاتي و الأناني لمشروعيهما اللذان اطاحا مرتين على التوالي بحلم البلاد في ديمقراطية مستدامة و وطن للجميع ، و لكنهما ينطلقان من المنصة الخطأ، منصة عدم الاعتراف بالفشل و في الوقت ذاته الخوف من تكرار ذاك الفشل بانقلاب جديد، و لا يريان امامهما لمنع هذا الانقلاب اليميني او اليساري القادم الا مساومة تاريخية تجمع اليمين و اليسار على الحد الأدنى الذي يخول لهما الإيمان و الالتزام باللعبة الديمقراطية ، و لكن السؤال المهم الذي قفز عليه كلاهما هل فعلا هناك أمل بايمان طرف منهما باللعبة الديمقراطية ؟ و هل ايمانهما هذا يجب أن يصدر عن قناعات ام عن مساومة ؟ .

لا تحتاج الديمقراطية في العصر الحديث إلى إطار فكري ، فهي أصبحت من المسلمات في عالم اليوم ، و ايمان الناس بها أصبح لا يحتاج حتى لوعي عالي او درجة علمية ، كذلك قضايا العدالة و عدم التمييز و المواطنة أصبحت ليست محل جدل و لا خلاف ، لم يعد هناك خلاف حول كثير من الأسس التي قام عليها في المقام الأول صراع اليمين و اليسار ، و بالتالي لم يعد هناك واقع يستوعب هذا الصراع و يحوله لاداة للانقضاض على الديمقراطية ، كما لم تعد هناك فئة غالبة من الشباب مستعدة للموت من أجل مناهج كلاسيكية تجاوز الزمان صراعها المزمن ، و انفتح العالم على صراعات جديدة تغذيها القيم المطلقة ، و سعي الناس حولها ، و بالتأكيد لم تعد هناك حاجة لتبصير السواد الأعظم بالفرق بين القيم الفاضلة و القيم الخبيثة فالكل أصبح يعلم ذلك ، و كأنما هذا وقت نهاية الفكر القديم و لحظة الانتقال نحو فكر عالمي جديد .


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.