مائدة الحوار المستديرة مَنْ يُعلق الجّرس في عُنق القـط؟

مائدة الحوار المستديرة مَنْ يُعلق الجّرس في عُنق القـط؟
  • 13 أغسطس 2025
  • لا توجد تعليقات

محمد الأمين عبد النبي

… مَنْ يعلق الجرس في عنق القط قصة من الأدب الانجليزي، خلاصتها ما إن أجمع الفئران على فكرة تعليق جرس حول عنق القط حتى إذا داهمهم سمعوا به قبل فوات الآوان، لكن سرعان ما تنكشف صعوبة تنفيذ الخطة فمن يجرؤ على مواجهة القط، هذه القصة تنطبق على واقع القوى المدنية الماثل، الجميع ينادي بالحوار السوداني ولكن تظل المعضلة كيف يتم ذلك؟، وهذا العجز بالتأكيد لا يقدح في المواقف المعلنة والأفكار المطروحة من قبل الفرقاء السودانيين والتي بلا شك تساعد في توفير قدر كبير من الإتفاق حول المائدة المستديرة كعملية سياسية لإنهاء الحرب وحل المشكل السوداني ومخاطبة جذور وتداعيات الحرب والحيلولة دون مآلاتها الكارثية بتفكيك المجتمع وإنهيار الدولة وتقسيم الوطن الواحد.
طرح التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” في مايو الماضي رؤيته السياسية على القوى السياسية والمدنية المختلفة، وأرسل خطابات للكتلة الديمقراطية، وتحالف تأسيس، وحزب البعث العربي الاشتراكي الأصل، وحزب المؤتمر الشعبي، وحزب الأمة بقيادة مبارك الفاضل، وتحالف الحراك الوطني الذي يقوده التجاني السيسي وذلك من أجل فتح حوار سياسي لتوحيد الصوت المدني لإنهاء الحرب، واكد التحالف بأنه على تواصل مع طرفي الحرب ودعوتهما للقبول بحقيقة أنه لا حل عسكريا لمشاكل البلاد، وحثهم على اختيار طريق الحل السلمي التفاوضي، وتيسير سبل توصيل المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، وانه يتحرك على المستوى الإقليمي والدولي لحثهما على المساهمة في معالجة الكارثة الإنسانية وتعزيز جهود وقف الحرب والمساعدة في مهمة إعادة الإعمار عقب إحلال السلام. وانخرط التحالف فعلياً في نقاشات وحوارات مع القوى السياسية والمثقفين والمبدعين والاعلاميين والنقابيين ورجال الاعمال ورموز المجتمع المدني والمجموعات الشبابية والنسوية ورموز المجتمع الأهلي والديني في القاهرة وكمبالا ونيروبي، وتلقى التحالف ردود فعل إيجابية من الكتلة الديمقراطية وتحالف تأسيس، ويعمل على تطوير هذه النقاشات وإحكام التنسيق بغرض تيسير حوار موسع، يقود لمائدة مستديرة تتفق فيها الأطراف على أسس ومبادئ إنهاء الحرب واستعادة التحول المدني الديمقراطي.
وفي ذات التوجه حملت الصحف قبل أيام بياناً للكتلة الديمقراطية حذرت فيه من خارطة الطريق التي طُرحت للأمم المتحدة، وشددت على ضرورة أن يقوم الحل الشامل على مبادئ صون وحدة وسلامة أراضي السودان وتحقيق التحول المدني الديمقراطي عبر حوار وطني شامل. في الوقت ذاته أكد تحالف تأسيس على ان الحوار هو السبيل الأمثل لإنهاء حرب لا منتصر فيها والكل خاسر وعلى إستعداد للحوار والتفاوض إذا توفرت الإرادة السياسية والجدية.
الجدير بالذكر أنه؛ سبق أن إلتقى أكثر من 50 قيادي من القوى السياسية والتحالفات والحركات المسلحة والمجتمع المدني والنقابات والادارة الاهلية والاكاديميين ورجال الاعمال ورجال الدين والاعلاميين بصورة مباشرة في مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية بالقاهرة في يوليو 2024 والذي توصل الي إعلان مبادئ يمثل مدخلاً جيداً للمائدة المستديرة والتي تتمثل في (وقف الحرب بشكل فوري بما يشمل آليات وسبل مراقبة الوقف الدائم لإطلاق النار والعدائيات، إدانة كل انتهاكات الحرب التي ارتكبت في هذه الحرب، التأكيد على ان الحرب مؤشر حيوي للتفكير في إعادة التأسيس الشامل للدولة السودانية على اسس العدالة والحرية والسلام والاستفادة من تجاربنا وخبرات شعوب العالم في تجاوز الحرب وأهوالها نحو المصالحة الوطنية الشاملة والعدالة الانتقالية، الالتزام بإعلان جدة والنظر في آليات تنفيذه وتطويره لمواكبة مستجدات الحرب، الدعوة والمناشدة إلى الدول الداعمة لاطراف الحرب بأي شكل من أشكال الدعم المباشر أو غير المباشر للتوقف عن إشعال المزيد من نيران الحرب في السودان، حماية العاملين فى المجال الإنسانى، ومواصلة دعم جهود المجتمع المحلى والدولي للاستمرار فى استقطاب الدعم من المانحين وضمان وصوله للمحتاجين، المحافظة على السودان وطناً موحداً على أسس المواطنة والحقوق المتساوية والدولة المدنية الديمقراطية الفدرالية، التأمين على إلتقاء الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية والحوار السياسي والعمل على وقف الحرب بإعتبار ان ذلك هو المطلب الاساسي لسائر السودانيين، تجنيب المرحلة التأسيسية لما بعد الحرب كل الاسباب التي ادت الي افشال الفترات الانتقالية السابقة وصولاً الي تأسيس الدولة السودانية، تشكيل لجنة لتطوير النقاشات ومتابعة هذا المجهود من أجل الوصول الي سلام دائم).
من جانبه إستطاع الاتحاد الأفريقي والايقاد عقد مشاورات موسعة خلال شهري يوليو وأغسطس 2014، في إطار عملية سياسية شاملة تمهيدًا لانطلاق الحوار السياسي بين مختلف الأطراف السودانية. وفي فبراير 2025 نظما الاجتماع التشاوري بمشاركة قوى سياسية سودانية، بغرض استكمال النقاشات بشأن سبل إجراء حوار سياسي سوداني واسع بين الأطراف المختلفة، وخصص لمراجعة واستكمال نتائج اللقاءات التي عُقدت خلال الفترة الماضية، بهدف الوقوف على الاستعدادات لإطلاق الحوار السياسي الأوسع بين الأطراف السودانية والتي قدمت رؤيتها لكيفية إدارة حوار سوداني شامل، ومكان الحوار وزمانه، وموضوعاته، بالإضافة إلى أطراف الحوار، ومصادر تمويله، والدور الإقليمي في الحوار. هذا باإضافة الي اللقاءات غير الرسمية بين الفرقاء السودانيين في ورش العمل والمؤتمرات والمنتديات التي تبحث الخروج من الأزمة السودانية في باريس وجنيف وبروكسل والقاهرة ونيروبي وغيرها.
إذن ثمة إتفاق على أن الحوار هو الوسيلة الأمثل للتعامل مع الأزمة السودانية وهو المدخل السياسي الصحيح الذي يتكامل مع ما ينتج عن التفاوض بين المتحاربين، ويتداخل عملياً للوصول الي إنهاء الحرب، بل ان الأطراف المختلفة قد سبق ان إلتقت عدة مرات، فأين تكمن المشكلة؟. وللخروج من بحر الإلتباسات والإشكالات يمكن النظر للمشكلة في إتجاهين:
الاتجاه الاول: ربط مسارين الحل (عسكري، مدني)، إنطلاق عملية تفاوض بين المتحاربين بهدف الوصول لإتفاق سلام ووقف إطلاق النار والترتيبات الامنية ومراقبة التنفيذ ووضع القوات ووقف العدائيات وحماية المدنيين وتوصيل المساعدات الانسانية، بالتركيز على الوصول لإتفاق كمنتج ومخرج التفاوض، وبالتأكيد يتم عبر وساطة خارجية للإشراف على عملية التفاوض وتوفير الضمانات الكافية، كما تم في منبر جدة ومباحثات المنامة، وفي ذات الوقت ينطلق حوار مائدة مستديرة كعملية سياسية مملوكة للسودانيين تستهدف توليد وتوافق الأراء بين طيف واسع من الاطراف السودانية صاحبة المصلحة في إنهاء الحرب والانتقال السياسي بالتركيز على عمليات التحول في العلاقات والمشاركة وبناء القواسم المشتركة وتعزيز الثقة، ويمكن أن يكون الحوار بواسطة ميسرين ومسهلين من الخارج كما حدث في مؤتمر القاهرة وإجتماعات أديس ابابا. والإجابة على سؤال هل تتم العمليتين بالتوازي أم بالتوالي أم دمج المسارين في عملية واحدة؟ الخيارات الثلاثة يمكن ان تفضي لوقف الحرب إذا ما تم العمل عليها بإرادة سياسية وتجنب الاحكام المسبقة والإفتراضات الخاطئة وتصميم الحوار وفق مقتضى الواقع والبناء على التراكم الحميد:

  • إنعقاد المائدة المستديرة بالتوازي مع طاولة التفاوض بين المتحاربين يسمح بإجراء مشاورات مع قطاعات عريضة من المجتمع لتعزيز الثقة في الحوار، وتتنقل الوساطة بين الحوار السياسي والتفاوض بين المتحاربين.
  • إنعقاد المائدة المستديرة قبل التفاوض يطلب إتفاق القوى المدنية فيما بينها على اعلان مبادئ وقف الحرب، والضغط على طرفي الحرب، والتعبئة الشعبية لدعم السلام ومحاربة خطاب الكراهية والعنصرية، والاتفاق على ميثاق سياسي، وتحديد دور المجتمع الاقليمي والدولي في العملية؛ هذا يضمن مشاركة القوى المدنية في عملية التفاوض كطرف أساسي صاحب مصلحة في وقف الحرب بجانب طرفي الحرب، وبالتالي دمج المسارين في عملية واحدة يفضي الي إعلان مبادئ وأسس وقف الحرب والترتيبات الأمنية، وميثاق شرف عسكري مدني، وإجراء بناء الثقة وترتيبات الإنتقال.
  • إنعقاد المائدة مستديرة بعد التفاوض بين المتحاربين، وذلك للمصادقة على اتفاق وقف إطلاق النار، والاتفاق على مصالحة وطنية وإعلان دستوري وتشكيل حكومة إنتقالية مدنية تقوم بمهام تأسيسية وتضع ترتيبات الإنتخابات لنقل السلطة بتفويض شعبي.
    الاتجاه الثاني: الخروج من دائرة الإنتظار و”الفرجة” وإستنجاد المشاركة؛ بالإنتباه إلي خطورة الأوضاع ومآلاتها، ومفارقة حالة العجز التي أدت الي تآكل فرص الحل، وأخذ زمام المبادرة بتجميع القوى الرافضة للحرب والداعمة للسلام في خطوة عملية وجرئية في تجاه الاتفاق على إنعقاد المائدة المستديرة بأعجل ما تيسر، بالدعوة لإجتماع تحضيري يتمخض عنه تشكيل لجنة تحضيرية تضطلع بمهمة تصميم مسار المائدة المستديرة بتحديد الأجندة والقضايا والأطراف المشاركة ودور المجتمع الاقليمي والدولي، وإدارة حوارات مؤسعة حول قضايا الحرب والكارثة الانسانية وحماية المدنيين وخطاب الكراهية والعنصرية والعدالة الانتقالية والحل السياسي الشامل وإعداد أوراق أولية للدفع بها في المائدة المستديرة، والقيام بمهام التحضير وإستقطاب الدعم السياسي والدبلوماسي والفني والمادي لإنجاح المائدة المستديرة، هذه مهمة لا تقبل التأجيل، فمن يُعلق الجرس في عنق القط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*