فلسطيني أردني أميركي وسعودي.. ياغي ونوبل: أسطورة الكيمياء وزخم الحياة

فلسطيني أردني أميركي وسعودي.. ياغي ونوبل: أسطورة الكيمياء وزخم الحياة
  • 09 أكتوبر 2025
  • لا توجد تعليقات

عبد الجليل سليمان

في صباحٍ تهتز فيه الشمس على أحجار عمان القديمة، وُلد عمر بن يونس ياغي في التاسع من فبراير عام 1965، لعائلة فلسطينية لاجئة.
كان البيت الذي نشأ فيه فوق محل صغير لبيع اللحوم، كأنه مختبر الحياة ذاته؛ مياه تتسرب بخجل، كهرباء تنطفئ وتعود، وأحلام كبيرة تكاد تلمس سقف الغرفة.
منذ نعومة أظفاره، كان عمر يراقب العالم كما يراقب الساحر ألعابه، كل شيء متصل بالآخر، كل شيء يهمس بسر خفي.
هذا الفضول كانت نواة شغفه بالكيمياء، كحبّة معدن تنتظر الشرارة لتلمع. وعندما بلغ الخامسة عشرة، أرسل والده بسهم التشجيع صوب السماء : ” اذهب إلى الولايات المتحدة، لتبحث عن عالم أكبر من أحلامك.”
طفولة متوهجة
في أزقة عمان، كان عمر يتسلل بين ألوان الحياة البسيطة، يستمع إلى وقع خطوات الجيران، همس الريح بين الأشجار، وطقطقة أدوات والده في المحل.
كل شيء كان بالنسبة له تجربة، وكل تجربة كانت درسًا صغيرًا عن الكون. كان يراقب الماء وهو يختلط بالملح، النار وهي تلمس المعادن، والهواء وهو يمر بين الأجسام الصلبة، كأن الطبيعة نفسها كانت تُعطيه أسرار الكيمياء مخفية بين حروفها.
تعليم أولي
وصل إلى الولايات المتحدة في عمر الخامسة عشرة، وبدأ دراسته في Hudson Valley Community College، حيث تعرف على أولى قوانين الكيمياء العملية، واختبر أولى تفاعلاته بين العناصر، مع كل تجربة شعور جديد يولد في قلبه، كل نجاح صغير كان كقصيدة تتفتح على صفحة الحياة.
بذور المعرفة
ثم انتقل إلى University at Albany – State University of New York، وحصل على درجة البكالوريوس في الكيمياء عام 1985. هناك اكتشف أن الكيمياء ليست مجرد علوم، بل لغة يكتب بها الكون حكاياته الخفية. كانت مختبراته الصغيرة مسرحًا للمغامرة، حيث كل تجربة تحمل قصة، وكل ملاحظة مفتاحًا جديدًا لفهم العالم.
رحلة الدكتوراه
واصل دراسته في University of Illinois at Urbana-Champaign، وحصل على الدكتوراه في الكيمياء غير العضوية عام 1990 تحت إشراف البروفيسور والتر كليمبرر. هناك، تعلم أن الذرات ليس لها حدود، وأن المسامات الصغيرة في الأطر المعدنية العضوية (MOFs) تحمل إمكانات غير متناهية، كأنها أسرار الكون المخبأة في جسيمات صغيرة تنتظر من يكتشفها.
مختبر السحر
عمل كباحث ما بعد الدكتوراه في جامعة هارفارد بين عامي 1990 و1992، حيث كانت الجزيئات تهمس له بأسماء لم يسمع بها أحد من قبل، وكان هو وحده القادر على ترجمتها. كل تجربة كانت أشبه برحلة إلى قلب الغيب، وكل فشل يولد فكرة جديدة، وكل اكتشاف صغير يشعل شغفًا أكبر.
أكاديمية العالم
انطلقت مسيرته الأكاديمية في جامعة ولاية أريزونا عام 1992، ثم جامعة ميتشيغان عام 1999، ثم جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس عام 2007، وصولًا إلى جامعة كاليفورنيا، بيركلي عام 2012، حيث أصبح أستاذ الكيمياء ورئيس معهد بيركلي للعلوم العالمية. كأنه رسم لنفسه سماءً جديدة، حيث المكان الأعلى في العلم يُعادل السحاب الذي يلامس السماء.
هوية مشرقة
في عام 2021، منحت المملكة العربية السعودية عمر ياغي جنسيتها، تقديرًا لعالمٍ جعله العلم جسورًا بين الشرق والغرب، بين الذرات والخيال، بين الأرض والسماء. أصبح بذلك رمزًا للمعرفة التي تتجاوز الحدود، ولشغف العلم الذي لا يعرف القيود.
نوبل متوجة
وفي عام 2025، أشرقت الشمس من جديد.
جائزة نوبل في الكيمياء كانت له، تقديرًا لإسهاماته في تطوير الأطر المعدنية العضوية (MOFs)، تلك المواد التي تخزن الغازات، تنقي المياه، ووتحتجز ثاني أكسيد الكربون، كما لو أن الكون كله التفت ليقول: “هذا هو من جعل الكيمياء قصيدة يمكن أن يقرأها كل من يريد أن يفهم أسرار الحياة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*