الخطاب الذي يسقط أسرع من البرهان
بالأمس ظهر البرهان مبتسماً، يمدح محمد بن سلمان وكأنه يقدّم كشف ولاء جديد. واليوم يقف في القطينة يتوعّد ويُزمجر ويتحدث عن “القضاء على الدعم السريع” وكأن الشعب السوداني فقد ذاكرته، أو كأن التاريخ يُكتب كل صباح على مزاجه.
لكن الحقيقة المرة؟
البرهان لم يتعلم السياسة قط.
وإن كان قد تعلّم شيئاً، فهو فن تبديل الوجوه، والهرب إلى الأمام كلما ضاق عليه الخناق.
كيف يتحدّث اليوم عن “الحسم” وهو الرجل نفسه الذي ترك الخرطوم تنهار خلفه؟
كيف يتوعّد من لا يستطيع مواجهتهم إلا من وراء المايكروفون؟
وكيف يريد أن يظهر في صورة القائد الصامد بينما البلاد تحترق، والناس تُقتل، والخراب يتوسع كل يوم… وهو ينتقل بين العواصم والولايات بخطابات لا تسمن ولا تُغني من جوع؟
السياسة ليست أن تشكر هذا اليوم، وتتوعد ذاك غداً.
السياسة ليست عرضاً مسرحياً يتلو فيه القائد ما يحلو له ثم يغادر.
السياسة ليست لعبة تبادل مواقف لإرضاء الخارج وكسب الوقت في الداخل.
ما يفعله البرهان هو سياسة البقاء، لا سياسة الدولة.
سياسة الخطاب الفارغ، لا الفعل.
سياسة “أنا هنا”… دون أن يبقى في المكان شيء.
في القطينة حاول الرجل أن يظهر بمظهر “من عاد”، لكن الجميع يعلم أن من غادر قبل أشهر لم يعد أقوى، بل عاد بخطاب أكثر ضجيجاً لأنه لا يملك إنجازاً واحداً يستند إليه.
كل ما يملكه هو وعود تُلقى على الناس كما تُلقى الحجارة على الماء… تحدث صوتاً ثم تغرق بلا أثر.
فأين تعلّم الرجل السياسة؟
تعلّمها على الأرجح في مدرسةٍ لا تُدرّس سوى المراوغة، والتهرّب، وصناعة الوهم.
مدرسةٍ تخلو من الرؤية والمسؤولية… وتُخرّج قادة يجيدون الكلام أكثر مما يجيدون الفعل.
ولو كانت السياسة تُقاس بمقدار ما يحققه القائد لشعبه، لكانت النتيجة واضحة:
صفر كبير… يرفرف فوق المشهد السوداني كله.

