الثلاثاء - 6 ربيع الثاني 1447 هـ , 30 سبتمبر 2025 م

الفرقة السادسة مشاة بالفاشر تعلن استقبال إسقاط جوي ناجح

السودان يغرق بسبب أبي أحمد.. بين فيضانات كارثية وسدّ يهدد الحياة

السودان يغرق بسبب أبي أحمد.. بين فيضانات كارثية وسدّ يهدد الحياة
بقلم / علي فوزي – الباحث في الشؤون العربية والإفريقية

لم يعد ما يعيشه السودان اليوم مجرد موسم خريف عابر، بل أصبح كارثة إنسانية بكل المقاييس، إذ تغرق البلاد من أقصى الشمال إلى الغرب والوسط، بعدما اجتاحت السيول والفيضانات ثلاث عشرة ولاية، وأغرقت آلاف القرى والمنازل، وشردت عشرات الآلاف من الأسر.

مع استمرار الأمطار التي يقف، يعلو منسوب النيل بصورة غير مسبوقة، ما يعيد إلى الأذهان التحذيرات المصرية القديمة من المخاطر الكارثية التي قد تنجم عن السياسات المائية الإثيوبية غير المسؤولة، وعلى رأسها تشغيل سد النهضة دون تنسيق أو التزام بالاتفاقات الدولية خصوصاً بعد فتح بوابات السد بعد فشل تشغيل السد.

فيضانات تحاصر السودان

اللجنة الفنية لطوارئ الخريف والفيضانات أعلنت أن موجة الأمطار والسيول الأخيرة تسببت في دمار واسع النطاق، حيث تجاوز عدد الأسر المتضررة 25 ألف أسرة تضم أكثر من 125 ألف شخص.

وارتفعت مناسيب النيل في جميع الأحباس إلى مستويات قياسية، فيما حذرت وزارة الزراعة والري السودانية من فيضانات وشيكة خلال الأيام المقبلة بسبب الارتفاع الخطير في تصريف المياه من السدود الإثيوبية.

في الواقع، لا يمكن النظر إلى هذه الفيضانات بمعزل عن السلوك المائي لإثيوبيا، التي تواصل تخزين وتشغيل سد النهضة بطريقة أحادية، دون أي دراسات بيئية أو هيدرولوجية تراعي توازن النهر وحقوق دول المصب.

فقد تجاوز إيراد النيل الأزرق مؤخرًا 730 مليون متر مكعب يوميًا، ما يعكس حجم التصريف القادم من إثيوبيا، والذي يؤثر مباشرة على استقرار تدفق المياه في السودان، مسبّبًا فيضانًا هائجًا في مجرى النهر.

سد النهضة.. من مشروع تنموي إلى تهديد وجودي

حين أطلقت إثيوبيا مشروع سد النهضة، قدّمت نفسها للعالم باعتبارها تسعى إلى التنمية وتوليد الطاقة، و لكن الحقيقة أن السد تحوّل إلى أداة ضغط سياسي وسلاح مائي ضد مصر والسودان معًا، إذ لم تلتزم أديس أبابا بأي اتفاق ملزم لتقاسم المياه أو تشغيل السد، رغم التحذيرات الصريحة والمتكررة من القاهرة والخرطوم.

فمصر حذّرت مرارًا عبر بيانات رسمية من أن غياب التنسيق الفني في تشغيل السد سيؤدي إلى كوارث بيئية وإنسانية في السودان، منها تدمير البنية التحتية للري، وإغراق المدن والقرى القريبة من مجرى النيل.

واليوم، يتحقق ما كانت تحذر منه مصر، حيث يدفع السودان الثمن غاليًا نتيجة السياسات المائية المنفردة التي اتبعتها حكومة أبي أحمد، دون أي اعتبار لجيرانه أو للمنظومة البيئية للنهر.

تحذيرات القاهرة.. من التنبؤ إلى الواقع

منذ سنوات، دعت مصر إلى وضع اتفاق قانوني ملزم بشأن تشغيل سد النهضة وملئه، لضمان حقوق جميع الأطراف، ولمنع أي ضرر جسيم قد يلحق بدول المصب.

وأكدت القاهرة أن نهر النيل ليس ملكًا لإثيوبيا، بل شريان حياة لشعوب بأكملها؛ غير أن أديس أبابا تجاهلت تلك التحذيرات، ومضت في سياستها الأحادية، لتتحول أحلام التنمية إلى مصدر دمار وغرق وقتل بطيء لملايين السودانيين.

أين المجتمع الدولي؟

في ظل هذه الكارثة الإنسانية، يبرز سؤال جوهري: أين القوانين الدولية التي تنظم إدارة الأنهار المشتركة؟ وأين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي اللذان كان يفترض أن يقفا ضد هذا العبث المائي الذي يهدد الأمن والاستقرار في المنطقة؟

لقد نصّت المواثيق الدولية، وعلى رأسها اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1997 بشأن استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية، على ضرورة الإخطار المسبق، وعدم إلحاق الضرر بالدول الأخرى، والتشاور والتنسيق قبل تنفيذ أي مشروع يؤثر في تدفق المياه. إلا أن إثيوبيا انتهكت كل هذه المبادئ، لتصبح نموذجًا صارخًا في استغلال المياه كسلاح سياسي.

كلمة أخيرة

إن السودان اليوم لا يغرق بفعل الطبيعة وحدها، بل بفعل قرارات بشرية اتخذتها حكومة أبي أحمد دون مسؤولية أو ضمير، وما لم يتحرك المجتمع الدولي لوقف هذا العبث، فإن الكارثة المقبلة قد لا تقتصر على الفيضانات، بل قد تمتد لتشمل مجاعات ونزوحًا جماعيًا وانهيارًا بيئيًا كاملًا في حوض النيل.

لقد آن الأوان لأن تتحمل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي مسؤولياتهما الأخلاقية والقانونية، وأن يضعا حدًا لهذا الصمت المريب، قبل أن يتحول النيل – من نهر للحياة – إلى نهر من الغضب والموت.

لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

حجز اسمكم المستعار سيحفظ لكم شخصيتكم الاعتبارية ويمنع الآخرين من انتحاله في التعليقات
دخول سجل اسمك المستعار
حجز اسمكم المستعار سيحفظ لكم شخصيتكم الاعتبارية ويمنع الآخرين من انتحاله في التعليقات
التعليق كزائر سجل اسمك المستعار نسيت كلمة المرور
حجز اسمكم المستعار سيحفظ لكم شخصيتكم الاعتبارية ويمنع الآخرين من انتحاله في التعليقات
التعليق كزائر سجل اسمك المستعار نسيت كلمة المرور