كوكا.. السلطان والصولجان

كوكا.. السلطان والصولجان
  • 27 أكتوبر 2025
  • لا توجد تعليقات

أنور محمدين

السابعة صباحا كنت عند مشرع كدرمة في انتظار البنطون أجالس أخ الأستاذ عبد الكريم جاويش وجنديا سابقا من موقة خدم بالجنوب وقت كان ملتهبا، حيث روى لنا بعض ذكرياته هناك، وكيف كان حريصا على إرسال جنيهين لوالده في البلد شهريا وكان كافيا وكيف تزوج بمائة جنيه ادخرها.
حينما ألقى البنطون مراسيه أسرعت مجتازا صف البيوت الأول فتلقاني شاب لطيف محييا وعندما ذكرت اسمي عاد معانقا واتضح أنه ابن خالنا صالح نصر القامة، الشامة.
سرعان ما وصلنا مجمع طه وابنه توفيق، الذي بدا شامخا، بهي البنيان، بطابقين حيث يلتئم مؤتمر الشلال الثالث للآثار والسياحة والبيئة معنيا
بالآثار والتاريخ والعمران واللغة، تحت شعار ” النوبة أصل الحضارة والتاريخ “.
في البوابة الأولى وجدت معروضات  تراثية كادت تندثر في حياتنا المعاصرة رغم جدواها وملاءمتها طقسنا كالزير والبرش والعنقريب وطبق صينية الطعام، الذي حرصت عليه لجنة ضيافة المؤتمر مشكورة.
في البوابة الأخرى كان الهرم النوبي، عالمنا الشامخ البروف علي عثمان محمد صالح ( مشكيلة ) جالسا يحيط به بعض العلماء والمهتمين فالتقطت صورة قبل أن أجلس حرصا على عدم قطع استرسال الحديث الشائق، غير أن سربا من السيدات أتى محييا البروف علي بشلال من الزغاريد فسلمت عليه وعلى جلسائه، فاستفسر عن إنتاجي الأدبي وأبدى استعدادا للإسهام في طباعته، وأضاف بلطفه المعهود: .. لاتزال بصمتك في جامعة الخرطوم باقية .. في شهادة أعتز بها، ففي السنين التي درست فيها في أم جامعاتنا كان مكتب البروف علي عميد كلية الآثار ملتقانا، وأذكر أنه أحال لي ذات مرة باحثة مصرية تعمل معيدة في جامعة القاهرة بالخرطوم تعد رسالة دكتوراه عن المحس، التي دشنت عوني لها بكراسة تحوي أهم محاور دراسة المحس جغرافية وتاريخا واقتصادا واجتماعا، ثم جاءتني في البلد فصحبتها وأستاذنا جعفر الحاج لبعض المصادر، منهم الخال كمبال أرو بكوكا، الذي سرد لنا تاريخ مملكة كوكا، ثم أعقبته زيارة لمقر الحكم الأثري، فكتبت عن مملكة كوكا بمجلة الجيل، التي كانت تصدرها وزارة التربية، وصار موضوع الغلاف.
بعد جلسة باهية تحركنا في رتل من الحافلات عبر مصفوفة كوكا، الترعة، شدة، وسدلة العامرة إلى جبل سيسة التاريخي، الذي كان يتوج على قمته ملوك كوكا، فتسلقه بعضنا حيث تترامى جنوبا حقول خضراء في أراض فيضية خصبة راسمة منظرا بانوراميا خلابا، فيما انشغل معظمنا بالوقوف عند الساقية في السفح والمتحف، الذي ينتظر عناية أكبر.
بعودتنا وقفت أتملى مسرح المبدع متعدد  المواهب مكي علي إدريس في المجمع تشدني صورته التأملية وفي نفسي غصة لفقد صديقي الأثير، الذي كنت أتمنى مشاركته حضوريا بابتسامته المشرقة وروحه الودودة ودفقه المعرفي ولكن الدنيا مشروع ناقص.
في قاعة الاجتماعات الفخيمة، الفسيحة أحتضن الصديق سمير بكاب واسطة عقد فعالياتنا وكثيرين من الأحباب باعد الزمن بيننا، بعضهم يقبل رأسي ودا عميقا حتى إنني كثيرا ما أحبس دمعي أتوا من كل فج، حتى النوبة المصرية والعمق السوداني فلقد كانت دارفور الجريحة حاضرة عبر أحد بنيها العلماء. أما أبناء كوكا، الذين فاضت حفاوتهم فحفوا بنا رجالا، نساء، وأطفالا، أذكر منهم مثالا: سيد الزبير نجم العمل العام المحنك، عبد الواحد محمد نور مأمور السكة حديد، الذي كان عوننا في حجز النوم في اكسبريس حلفا بالخرطوم، ومحجوب عبد الله رئيس جمعية كوكا بالرياض زمنا ..
ضم المؤتمر جمعا من الرموز من بينهم 3 من الذين تحملوا عبء إدارة محلية دلقو الأعزاء: شيخ الدين مختار، سراج حاج إدريس، وأحمد أبوزيد.
بدا البروف علي قلقا على تغيب البروف يحيى فضل طاهر فذكرت له أنه كان على تواصل معي قبل قليل وأكد حضوره غدا لتقديم ورقته فانطلقت أساريره معقبا:
كدة الأمور تمام.
هنا أحس بالانتماء فجدنا الأعلى الزين أرو وهو أحد أضلاع الأسرة الملكية استقر في سعدنكورتى آتيا من كوكا حيث تزوج وذريته وحفدته اليوم في دلقو وأقترى وسعدنكورتى يسدون الأفق، ولاتزال صلاتنا ممتدة.
كان الشاب الهمام مجاهد طه مؤسس المجمع الفريد، الذي أتى خصيصا من وراء البحار للإشراف على المؤتمر في حراك دائم متابعا، حريصا، وهو الذي آثر المصلحة العامة واهبا المجمع الفخم للعامة فيما يتجه كثير من الموسرين لتوظيف مقارهم للكسب الخاص.
التحية له والتجلة.
.. كانت كل قنوات إعلام الشمالية حاضرة، كذا الإذاعة القومية ” هنا أمدرمان ” ما أثلج الصدور.
في هذه اللحظات  يلتقط العزيز بكري جاويش صورا وهو يحث البروف علي على الاستعداد لبرنامج اليوم، الذي يزاحمه الحضور بالأسئلة إمعانا في التزود من علمه الغزير الذي يمزجه بالنكتة والطرفة و” التعريجات ” الطريفة باللغتين النوبية والعربية كعهدنا به.
بعد الجلسة الافتتاحية التي دشنها ممثل الوالي ورهط من المسؤولين مضت أيام المؤتمر مرتقية سلسة تتعانق خلالها طروحات العلماء ورؤى المسؤولين مفعمة بطموحات المتابعين، الذي سيكون له قطعا ما بعده، يتمثل في التقييم والمتابعة والتخطيط للمشروعات والبرامج التالية.
أهلي وأرحامي في كوكا العز تعظيم سلام!





الوسوم أنور-محمدين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*