الاختراق المفاهيمي لحزب الامة

الاختراق المفاهيمي لحزب الامة
  • 17 يونيو 2020
  • لا توجد تعليقات

حسن عثمان حسن عثمان


(الحلقة الأولى)

الأحزاب مهمتها توجيه الخطاب السياسي. ظل حزب الأمة القومي طوال ثلاثين عام ينادي بالحركة المدنية السلمية والطوفان البشري الجماهيري والمد الشعبي السلمي الكاسح ومذكرات القوى الشعبية والتوقيعات المليونية وغيرها من الأنشطة المدنية الحضارية التي تؤكد الموقف علي الأرض بلا عنف.


في لقاء جماهيري قبيل بزوغ كوكب الثورة الأسعد رسم الحبيب الإمام الصادق المهدي خطة الثورة التي تبدأ
بتقديم مذكرة للمخلوع، يتقدمها هو وكل قادة الأحزاب السياسية، وعدد من المثقفين والمفكرين السودانيين (مذكرة المئة). ورسم خطة الإعتصام في مئة مدينة بالسودان.

وخطة خروج المواكب والوقفات السلمية ..
للأسف الشديد كانت ردة فعلنا تجاه هذا الخطاب تمثل أكبر عملية إختراق مفاهيمي في تاريخ العمل السياسي في السودان حتي علي بعض مثقفينا بالحزب، فقد كانو في قمة الإرتباك المفاهيم تجاه تلك الأفكار الخطيرة جدا وانطلقت عليهم خطط إعلام النظام وإعلام الحزب الشيوعي علي جزئية بسيطة جداً من الخطاب من خطاب (الاحتباس الحراري) وتركوا كل مادونا من مفاهيم الكبيرة وجريئة.

اتمنى من كل كوادر الحزب وغيرهم من الفاعلين في الرأي العام أن يعيدوا قراءة ذلك الخطاب مجدداً ليجدوا به رؤية محيطة بتفاصيل المستقبل عن، حكاها الإمام عن ظهر الغيب وأكدتها الأحداث اللاحقة لذلك الخطاب، بما في ذلك حدث(الإعتصام) العظيم.


وتلك منة الله على عباده الأخيار البررة، حيث يريهم بنوره ويلهمهم التماس الخير وسبل النجاة. فاذا أراد الله إنقاذ قوم من الهلاك، زرع الحمكة في قلب أحد منهم، وأيده بنصر اصلب الرجال، فتتحقق النجاة.

ولو عملنا بفكرة الحزب الشيوعي أيام هجوم كتائب الظل ليلاً، والتي كانت توحي للشباب فيما توحي باهمية حمل واستخدام السلاح، في وجود مخازن أسلحة جاهزة لمجموعات الكيزان العديدة، لإندلعت حرب أهلية لم يرى العالم مثلها في التاريخ القريب ولكنا الآن في الملاجئ والمنافي، ولهتكت الأعراض بالملايين ولكانت مجازر دارفور مجرد قطرة في بحر من الدماء لا ساحل له، ولكانت أصغر مجزرة تفوق مجزرة (فض الإعتصام) بعشرات المرات..

ولولا وجود حزب الأمة القومي في الساحة السياسية السودانية، لما كان هناك وطن إسمه (سودان). قديما حين حرر الأجداد الأمجاد التراب في أكبر مارثون للفداء والتضحية وقطعوا راساً كان قطعها ضرباً من الأساطير، واعادو الكرة عندما تبنو (السودان للسودانين) وانتزعوا استقلال السودان من بين فكي الإنجليز والمصريين..

وحديثا حقن حكيم الأنصار وصانع مجدهم ونجمة سعدهم، وحاقن دماء أهل السودان، عندما أقنع حملة السلاح بإضافة الصراع السلمي لقوة السلاح فيما عرف ب(نداء السودان)، انه رجل يكره الدماء والخراب وهو مستعد لخسارة كل شئ من أجل ذلك. وحديثاً تمكن من إقناع العسكر بالشراكة مع المدنيين وفوت الفرصة علي الإسلاميين ومخازن اسلحتهم الفتاكة (الروسية والصينية)، ولولا غباء (اليسار) لما حدثت مجزرة القيادة العامة.


عندما كان المخلوع يتحدث في خطاباته الأخيرة عن (سوريا وليبيا) كان يتحدث عن خطته البديلة للبقاء، وهذا الكلام لم يعقله أحد الا حكيم الأمة، ونفر قليل من دهاقنة حزبنا، أما بعض القيادات السياسية برغم كبر اعمارهم الا أن عقولهم صغيرة مازالت في (العشرينيات) ولم تختزن أو تعتبر بخبرات السنين وتتوالى الأحداث على شعبنا. وهناك كان مكمن الإختراق الذي نفذ فيه اليسار الي مفاهيم النشطاء في الثورة، في شكل تحالف خفي مع اعلام الكيزان.


وحتي يكتمل البناء الوطني كان (العقد الاجتماعي )، وهو ليس جديدا علي حزب الأمة والأنصار. الإمام المهدي عليه السلام جمع أهل السودان من قبل تحت راية واحدة وعزز ذلك بالتزواج والتصاهر في عقد اجتماعي غير محكم النص ولكن معانيه كانت واضحة في دعواته ورسائله المستمرة التي تحث على المساواة والتشجيع على التزاوج وعلى نبذ التمايز الا فيما يرضي الله وتحقق ذلك من خلال الحراك الجماهيري الواسع خارج المواقع الجغرافية المألوفة للمكونات والقبائل.


وكررها الإمام عبد الرحمن بلغة عصره عندما كان يرسل الأنصار لينسجوا مفهوم (المدينة الفاضلة) علي الارض فتأسست مدن وقرى فاضلة، ونشأت ارقى المدنيات في الجزيرة ابا وفي الهدى وفي غيرها، وما يزال العقد الاجتماعي رأسمال حزب الأمة القومي والأنصار، وهو هويتهم ومصدر قوتهم. وهو مثار إحترامنا عند الآخر المختلف معنا سياسيا وكثيرا جدا نرى ونتابع هذه الأيام مدى الرضى الذي قابلت به جماهير شعبنا خاصة فيما بين المستنيرين العقد الاجتماعي، وأصبحنا نسمع القول ان (حزب الامة حزب محترم).


ونحن من طبعنا وتربيتنا التنظيمية لا نجنح للسوء القول وبذيئ الكلام ولنا في الإمام أسوة حسنة، وأي زول بنديه حقه في ما نكتب ولا ننتظر من ذلك جزاء ولا شكور، وإنما نستهدف إشاعة روح الاختلاف في إطار الاحترام ونشر لغة جديدة تشجع على الحوار الموجب من أجل بناء الوطن وإثراء الحياة الديمقراطية. ونحن واثقون أن الله طيب لا يحب من الأعمال الا طيبها وهو حسبنا ونعم الوكيل.

نواصل في سلسلة مقالات الاختراق المفاهيمي القادمة

التعليقات مغلقة.