ثورة أخلاق لا نفاق

ثورة أخلاق لا نفاق
  • 06 يوليو 2020
  • لا توجد تعليقات

يوسف السندي

لم تكن ثورة ديسمبر ثورة عبثية ، بل كانت ثورة قيم ، القيم التي حملها شعار الثورة الأشهر ( حرية ، سلام ، عدالة ) ، كان معبرا بالضبط عن النقيض الذي كان يحمله نظام المخلوع الذي أدمن ( القهر والحروب والظلم ) ، لذلك المعركة الأعظم في الثورة هي معركة القيم ، قيم الخير ضد الشر وقيم الشراكة ضد قيم الدكتاتورية الفردية .

حركة الإسلام السياسي التي قام عليها نظام الانقاذ انبنت على هوس الغاية تبرر الوسيلة ، لذلك لم يتورعوا عن ارتكاب كل الموبقات من أجل تحقيق شعارهم الإسلام هو الحل ، انقلبوا على السلطة الديمقراطية الشرعية ، شردوا الموظفين للصالح العام ، اعلنوا الحرب الدينية على أبناء الجنوب ، استقبلوا كل المتطرفين الإسلاميين في السودان ووفروا لهم الحماية والأرض والسلاح، اقاموا بيوت الاشباح ومعتقلات التعذيب تحت الارض واستباحوا الوطن طولا وعرضا بذريعة انهم جاءوا لبعث الإسلام !

لم يمض على حكم الانقاذ الكثير حتى أكتشف الشعب الخديعة والكذب الصريح الذي يمارسه الإسلاميين، اذ لم يمض وقت طويل حتى امتلأت جيوبهم وتضخمت ارصدتهم البنكية و ارتفعت بيوتهم من طين إلى اسمنت مسلح ، وأصبح واضحا انهم لصوص سرقوا السلطة من الشعب لا ليقيموا عدل الإسلام و لا ليعيدوا حكم الفاروق ، بل ليمارسوا أكبر تجارة باسم الدين في تاريخ السودان ، وليطبقوا أسوا الأنظمة الدينية عبر تاريخ المنطقة ، لا يعملون لشيء سوى الدنيا وحظ النفس النهمة الطماعة.

لذلك فثورة ديسمبر ليست انتفاضة جوع ، ليست ثورة هياج أعمى ، بل ثورة لاسترجاع قيم سودانية نبيلة ضيعتها جماعة البشير والترابي ، ثورة لاستعادة هوية شعب سمح وسطي شوهها نظام الانقاذ ، ثورة بعث لامة حولتها الانقاذ من أمة عريقة التاريخ إلى مسخ مشوه لا يسر صديق ولا عدو ، من هذا المنطلق فإن ثورة ديسمبر ثورة أخلاقية ، لحمها وشحمها الأخلاق، الأخلاق التي ضحى من أجلها الشهداء وقدموا الأنفس الذكية راضية طائعة ، ثورة كهذه لا يجب أن تعامل الكيزان بالمثل ، ولا يجب أن تنغمس في التشفي والانتقام ، بل يجب أن تعيد ترتيب القيم الحقيقية في الشعب ، ان تنشر في كل مكان قيم الحرية والسلام والعدالة ، انتشار هذه القيم قادر تلقائيا لوحده على عزل كل لصوص الدين وكل الكاذبين ، وملاحقتهم اخلاقيا بشكل يومي حيثما ذهبوا .

مهم ان يزرع الثوار الآن بذور القيم الصحيحة وأن يتعهدوها بالرعاية و العمل و تقديم الانموذج، الميدان الوحيد الذي يمكن ان ينهزم فيه الكيزان إلى الأبد هو ميدان الأخلاق، إذا أعاد الثوار نموذج القيادة العامة إلى الشوارع من جديد ، إلى المدارس و الجامعات و الأسواق و المساجد ، سيكون هذا هو العامل الحاسم في إكمال انتصار الثورة و تثبيت أركان الحرية والسلام والعدالة ، إما إعادة إنتاج نموذج التمكين والسيطرة على الأجسام المستقلة واختراق تجمع المهنيين ولجان المقاومة والتفرغ للصراع ، فهذا هو ما سيفشل عودة دولة القيم ويساوي بين القتلة والثوار ويجعل الجماهير تنفض رويدا رويدا عن محفل الثورة .


sondy25@gmail.com

التعليقات مغلقة.