شتات (قوى الحرية) يضعف الحكومة ويهدد الفترة الانتقالية

شتات (قوى الحرية) يضعف الحكومة ويهدد الفترة الانتقالية
  • 24 أغسطس 2020
  • لا توجد تعليقات

محمد المكي أحمد

في ٢٢ أغسطس ٢٠١٩ (قبل سنة) سألتني (بي بي سي) عن أبرز تحديات الفترة الانتقالية عقب توقيع الوثيقة الدستورية بين المجلس العسكري و(قوى الحرية والتغيير) واداء رئيس وأعضاء مجلس السيادة (اليمين الدستورية).

أشرت الى أن أكبر التحديات تكمن في ضرورة استمرار (وحدة قوى الحرية والتغيير)، الى جانب قضايا عدة في صدارتها أهمية السلام والعدالةًوالاقتصاد.

قلت في ذلك التاريخ أن (قوى الحرية والتغيير) قادت الحراك الثوري بنجاح واقتدار، وأن التحدي أمامها يكمن في مواصلة مسيرة العمل المشترك ،والارتفاع عن (الخوض) في الخلافات الحزبية.

تشديدي المستمر منذ نحو عام على وحدة قوة الحرية والتغيير،تكرر في مقالات ولقاءات اذاعية وتلفزيونية على مدى عام .

كان وما زال حرصي نابعا من تقدير واحترام ورهان على أدوار رموزنا وقياداتنا الوطنية والمهنية والشبابية ،ومن حقيقة تاريخية ملموسة تؤكد حيوية أدوار (أحزاب الثورة) والمهنيين ومنظمات مجتمع مدني في مواجهة وإسقاط النظام الانقلابي الديكتاتوري.

(قوى التغيير) ساهمت مساهمة كبرى ، وفي صدارتها تجمع المهنيين، بقيادة ثورة ديسمبر ٢٠١٨ الى آفاق النجاح الباهر في ١١ أبريل ٢٠١٩،حيث لعبت حواء السودانية والشباب من الجنسين دورا رياديا غير مسبوق في المنطقة والعالم.

مخاوفي المبكرة من تمزق شمل (قوى الحرية) وانخراطها في (حروب داخلية) ضارة نبعت أيضا من أسباب عدة، بينها إنعدام الثقة بين قيادات عدد من الأحزاب وسيطرة العدوات والمرارات القديمة على المشهد.

يضاف إلى ذلك أن بعض قادة أحزابنا يحبون الانفراد بالقرار، ويبغضون العمل الجماعي المؤسسي، ويغلقون أبواب المشاركة أو يقللون نسب و فرص القيادة أمام الشباب من الجنسين .

فوق هذا وذلك فان معظم أحزابنا (ولا ديمقراطية من دون أحزاب) تعاني من غياب أو ضعف التنظيم والمؤسسية.

بسبب ذلك دعوت في مقابلات فضائية عدة( بعد نجاح الثورة )الى أن تجري أحزابنا كافة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار عمليات إصلاح شامل لترتقي الى مستوى وعي الجيل الجديد ،وتواكب العصر،وما زلت أكرر الدعوة .

الإصلاح ضرورة ملحة أيضا بعدما مزق النظام الديكتاتوري الأحزاب السودانية التي قالت لا للانقلاب والقمع خلال ٣٠ عاما .

في ذلك المناخ لم تتح للقيادات التاريخية وقواعد الأحزاب فرصا للتنفس الطبيعي ، حيث عانت قيادات وكوادر مناضلة من الاعتقالات والمطاردات والتشريد وحتى مصادرة الممتلكات .

كانت تلك. تجارب مريرة ،حملت دروسا مفيدة..

لكن المؤسف أن بعض أحزابنا بدلا من التركيز على اعادة البناء والتنظيم وتعزيز المؤسسية بعد نجاح الثورة انخرطت في خلافات وصراعات جانبية، ما أفقدها إحترام جيل الشباب الذي فجر الثورة بالدماء والتضحيات.

معلوم أن بعض وربما لا يعرف عدد كبير من شبابنا الثائر الرائع شيئا عن نضال أجدادهم وآبائهم وإخوانهم في الأحزاب السودانية ضد الأنظمة الديكتاتورية .

أحزابنا كما هو المشهد الآن تفقد يوميا التقدير المطلوب وسط جيل المستقبل بسبب غياب أوضعف الصدقية والخطاب السياسي العصري الذي يخاطب جيل الوعي (الراكب راسو) .

مثلا يمكن الإشارة إلى أن (قوى الحرية والتغيير )أعلنت أنها ستعقد مؤتمرا تأسيسًا لتنظيم حالها، ثم قالت ان الاجتماع سيعقد في أغسطس الحالي،ولا يعرف هل تصدق هذه المرة أم تواصل مسيرة الخلاف بشأن (الإصلاح).

ما يهمني في هذه السطور أن أجدد التأكيد بأن حال قوى الحرية والتغيير الراهن يضعف الحكومة الانتقالية،وربما أسقطها أو سيسقطها في وحل (الاستقطاب والاستقطاب المضاد).

هاهي بعض قرارات وخطوات الحكومة الانتقالية برئاسة دكتور عبد الله حمدوك تبدو مناقضة تماما لرؤى قوة الحرية، وهنا أشير على سبيل المثال الى قرارات اقتصادية مثيرة للجدل والخلافات بشأن الموازنة المعدلة، والعلاقات الخارجية غير المتوازنة ،ما يعني السقوط في وحل المحاور.

المتابعون للشؤون السودانية يعرفون أن قوى الحرية ولجنتها الاقتصادية نددت غير مرة بسياسات الحكومة الاقتصادية،ما يعني أن الحكومة تتجاهل أو تتحدى (حاضنتها السياسية) أو على أحسن تقدير لا تتوافق وتنسق مع قوى الحرية بشأن سياسات محلية وخارجية.

هذا أمر خطير للغاية، ويعني وجود خلل كبير في العلاقة بين قوى الحرية والتغيير و(حكومتها).

للمرة الأولى تحدث رئيس (حكومتنا الانتقالية) أمس عن الخلافات في أوساط قوى الحرية في خطابه لمناسبة مرور عام على توليه مسؤوليات قيادة الحكومة،وخيرا فعلا.
كنت دعوة رئيس الحكومة في مقال سابق إلى أن يلعب دور حمامة السلام بين قوى الحرية والمهنيين ولا يغرق في صراعاتها ، وقد شكل اعلانه التنسيق مع قوى الحرية بشأن عقد (المؤتمر التأسيسي) خطوة إيجابية.

يحسب لرئيس الحكومة أيضا حديثه الى الشباب بأن قوى الحرية والجانب العسكري في مجلس السيادة هما الجهتان المسؤولتان عن تشكيل المجلس التشريعي وفقا لما نصت عليه الوثيقة الدستورية.

هذه حقيقة يعلمها من
قرأوا نص الوثيقة الدستورية،لكن كانت إشارة ايجابية من حمدوك الى هذه الحقيقة ليعلم بعض الشباب أن قوى الحرية مسؤولة عن تعطيل تكوين المجلس التشريعي.

أرى أنه في حال وجود مقر ل(قوى الحرية والتغيير) لا بد أن يشمله حراك ومظاهرات (لجان المقاومة) للمطالبة بالإسراع في تشكيل المجلس التشريعي، اذ أن رئيس الوزراء لا علاقة له بمسألة تعطيل تكوين المجلس التشريعي.

في هذا السياق أذكر أنني قبل أشهر عدة كتبت وقلت في قناة (سودان بكرة) أن تعطيل تكوين المجلس التشريعي خطأ كبير.

شددت في حديث الى القناة على أهمية تشكيل (التشريعي) حتى قبل التوصل الى اتفاقات سلام مع (قوى الكفاح المسلح) لأن البرلمان سيقوم بمساءلة الحكومة الانتقالية وكل المسؤولين،وسيراقب الأداء، وفي مقدورة المساهمة بقراراته في تهيئة ودعم عملية السلام .

هذا معناه أن قوى الحرية مسؤولة عن تغييب المجلس التشريعي، كما أن رئيس الحكومة الانتقالية مسؤول مثلا عن عدم تكوين عدد من (المفوضيات) المهمة حتى الآن ، وهو لم يشر في خطابه أمس إلى أسباب عدم اصداره قرارات بشأن تشكيلها.

أرى دائما أن المكاشفة مهمة وحيوية اذا أردنا انجاح الفترة الانتقالية من خلال قيام كل الأطراف بأدوارها كاملة وبانسجام وتنسيق.

في عدد من المقالات خلال أشهر مضت أشرت الى خطورة انفراط آصرة التعاون والتفاهم والتنسيق الشامل بين كل القوى التي ساهمت في صناعة فجر الثورة، ويشمل ذلك قوى الحرية والتغيير وحزب الأمة القومي وتجمع المهنيين ، و(لجان المقاومة) وكيانات أخرى ساهمت في انجاح الثورة .

المطلوب الإسراع بعقد المؤتمر التأسيسي ل(قوى الحرية والتغيير) وإشراك (لجان المقاومة) وقوى ثورية أخرى.

تأخير الاجتماع او الفشل في عقده وعدم ارتياد آفاق الإصلاح سيزيد الحكومة ضعفا على ضعفها، و سيشكل هذا أكبر تهديد للفترة الانتقالية كما قلت في (بي بي سي) قبل عام .


لندن – ٢٣ أغسطس ٢٠٢٠

التعليقات مغلقة.