حول الثروة السمكية في السودان

حول الثروة السمكية في السودان
  • 20 ديسمبر 2020
  • لا توجد تعليقات

د. نازك حامد الهاشمي

يمتلك السودان عددا من الثروا الطبيعية التي لم تستغل بعد، ولم تحظ بدرجة كبيرة من الاهتمام سواءً من الدولة أو من عامة المواطنين. وتُعتبر الثروة السمكية من مصادر الدخل الأساسية عند كثير من الدول الأخرى التي أفلحت في تهيئة الظروف المناسبة للاستفادة منها وصيانتها.

وتنقسم مصادر الثروة السمكية في السودان إلى نوعين: المصادر البحرية من البحر الأحمر، والمصادر الداخلية الأخرى (مثل الأنهار والخزانات والبحيرات) وهي تشمل نهر النيل والنيلين الأبيض والأزرق وروافدهما والبحيرات المرتبطة بهم ، وبحيرات الخزانات. ومن أهم المصادر الداخلية لإنتاج الأسماك هي بحيرات النوبة وخزانات جبل اولياء والروصيرص وسنار.

وتتبع “الثروة السمكية” إدارياً لوزارة الثروة الحيوانية، وهي محكومة بقانون “صيد الاسماك في المياه العذبة” الصادر في عام 1953م، وقانون “مصائد الاسماك” الصادر عام 1973م. كما وقد أبرم السودان عددا من الاتفاقيات الثنائية مع عدد من الدول لتطوير قطاع الثروة السمكية، بعضها مصادق عليها، وبعضها غير مصادق عليه (وفقا للموقع الرسمي لوزارة الثروة الحيوانية).

وعلى المستوى الإقليمي والدولي، كان السودان قد صادق على الاتفاقات التالية المتعلقة بالمصائد والبيئة مثل اتفاقية حماية التراث الحضاري والطبيعي العالمي (1974م)، واتفاقية صون التنوع البيولوجي (1995م)، واتفاقية التجارة الدولية بأنواع الحيوانات والنباتات البرية المهددة بالانقراض(1982)، والبروتوكول الخاص بالتعاون الإقليمي في مكافحة التلوث بالزيت والمواد الضارة الأخرى في الحالات الطارئة (1982) ، والاتفاقية الإقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن (1982)، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ( (1985. ولم يصادق السودان بعد على اتفاقية المنظمة البحرية الدولية بشأن التلوث البحري (1973) نظراً إلى عدم وجود مرافق استقبال في الموانئ السودانية (ووجودها شرط لازم للحصول على العضوية).

كذلك صار السودان عضواً في اتفاقية التعاون بين مركز معلومات والخدمات الاستشارية الخاصة بالمنتجات السمكية في المنطقة العربية (المعروفة اختصارا بـ “انفوسمك”) ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، التي تهدف إلى توفير المعلومات وضمان خدمات الاستشارة والإرشاد في مجالات الاستثمار وتسويق منتجات الصيد لصالح الدول العربية، وذلك من خلال تقوية الصلة بين المستثمرين والبائعين، وتشجيع القطاع الخاص للإستثمار في توفير البنية التحتية لها، إضافة لإيجاد فرص تسويقية جديدة للموارد السمكية التي لم تستغل بعد استغلالاً كاملاً.

وتقوم إدارة الاتحاد لمصائد الاسماك بالرقابة والتفتيش على مصائد الثروة السمكية بالسودان، وفقا لقانون صدر في 1954م يختص بمصائد الاسماك في المياه العذبة. وظل ذلك القانون ساريا حتى عام 1995م، عند صدور مرسوم دستوري يتيح لسلطة الولايات إصدار قوانين بديلة عنه في نطاقها الإداري. وتم لاحقا إلغاء ذلك القانون عند صدور دستور عام 1998م. وكان من شأن تلك التغيرات في القوانين وضع استغلال الثروة السمكية ضمن اختصاص السلطات الاتحادية. وبما أن هذه الثروة هي شأن قومي فكان ينبغي أن يتم التركيز على أن يكون هنالك تنسيق بين المركز والولايات، وأن يرفع من مستوى وحجم الإدارة لهذه الثروة القومية المهمة.

وهنالك هيئة إقليمية تهتم بالمحافظة على البيئات البحرية والساحلية في الإقليم تسمى “الهيئة الإقليمية للمحافظة على التنمية – البحر الاحمر وخليج عدن” وتعرف اختصارا بـ PERSGA. وتعود بدايات هذه الهيئة إلى أوائل سبعينيات القرن الماضي عندما أطلقت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم برنامجاً لحماية بيئة البحر الأحمر وخليج عدن. وتتكون الهيئة من مجلس يضم الوزراء المسئولين عن شؤون البيئة في الدول الأعضاء، وهي بحسب الترتيب الأبجدي (المملكة الأردنية الهاشمية، جمهورية جيبوتي، المملكة العربية السعودية، جمهورية الصومال، جمهورية السودان، جمهورية مصر العربية والجمهورية اليمنية). ويجتمع المجلس الوزاري للهيئة كل سنتين في إحدى الدول الاعضاء لإقرار السياسات الفنية والمالية.

ويفيد تقرير الهيئة الإقليمية للمحافظة على التنمية – البحر الاحمر وخليج عدن عن المعلومات بالسودان، بأنه يتم فيه جمع البيانات عن المنتج من المصائد بصورة عشوائية وغير منظمة تنظيماً جيداً. كما لا توجد بالسودان أي أرقام دقيقة عن المنتج من الثروة السمكية الداخلية والبحرية، وظل التعامل مع هذه الثروة يتم عن طريق الصيادين المحليين، أي أنها مجرد مَصَائِد إعاشية توفر أيضا هامشا ضئيلا لبعض النشاطات التجارية من بعض المستخرجات البحرية الأخرى. ومعلوم أن المنتجات السودانية تتصف بالتنوع الإحيائي الكبير، ويُمارس صيدها عن طريق القطاعات التقليدية بقدرات اقتصادية تتسم بضعف الإنتاج. وقد يتعرض أحيانا الصيادون لخسارات حتمية نتيجة لإفتقاد الكفاءة وسلامة طرق التداول والحفظ وضبط الجودة. وتعتبر المصائد الطبيعية في المياه الداخلية من مصائد الأسماك الصغيرة التي غالباً ما تستخدم في الاستهلاك المحلي. لذا ينبغي وضع تخطيط محكم للاستثمار في مجال الاستزراع لأغراض التصدير من أجل إِدرار عائدٍ مجزٍ لخزينة الدولة. كما يجب تشجيع المستثمرين المحلين للاستزراع بغرض سد الفجوة الغذائية وإيجاد بدائل لاستهلاك اللحوم الحمراء.

ومما يؤسف له اِفتقار قطاع الثروة السمكية في السودان لعدد من أساسيات التعامل مع هذه الثروة التي من أهمها المسح العلمي بغرض التعرف على المخزون السمكي بحسابات دقيقة وعلمية، حتى يتم بموجبه تحديد الكمية المسموح بصيدها لمنع الافراط في عمليات الصيد الجائر للمخزون الطبيعي. وقد يتطلب هذا الأمر الاستعانة بالخبرات الأجنبية أو الاتفاقيات الاقليمية المبرمة المشار اليها سابقاً. كذلك يفتقر السودان للإمكانيات الفنية اللازمة مثل الأجهزة المعملية البحثية. وتعاني البلاد أيضا من قلة الكوادر البشرية المتخصصة في العلوم البحرية، وتلك نتيجة حتمية لعدم اهتمام حكومات البلاد المتعاقبة بهذه الثروة، عِلماً بأنها من الثروات الطبيعية القومية ويجب أن تُدرج ضمن تخطيط الدولة الاستراتيجي، أو عندما يراد دراسة مشروعات استثمارية.

ومما لا شك فيه أنه ينبغي على الدولة للنهوض بقطاع الثروة السمكية، وضع سياسات إستثمارية مشجعة لجذب المستثمرين في قطاع الثروة السمكية، وتشجيع الاستثمار في البنيات الأساسية والخدمات المساندة، خاصة في ظل غياب المحفزات الاقتصادية لهذا القطاع. ويمكن أن يتم كل ذلك من خلال تفعيل الإتفاقيات ومذكرات التفاهم والتي تم توقيعها من قبل بين وزارة الثروة الحيوانية السودانية ونظيراتها في الدول الأخرى، حيث درج السودان خلال الحقب السابقة على توقيع عدد من الاتفاقيات الثنائية ولكن لم يشرع بعد في الاستفادة منها. وعلى حكومة البلاد تشجيع مشاركة القطاع الخاص في خطة التنمية الإقتصادية ، لتطوير القطاعات الانتاجية التقليدية لتحقيق مرحلة الاكتفاء المحلي لدعم الأمن الغذائي في البلاد، وذلك من خلال زيادة فرص العمل والاستفادة من الأيدي العاملة المحلية، مع زيادة الفرص التنافسية للأسواق المحلية، إضافة إلى الانتقال الى مرحلة التصدير الخارجي. ويقوم حالياً بعض التجار المحليين بتصدير محار القوقيان وأصداف دائرية (وهي خام بدون أي تحضير مسبق) إلى الأسواق في دول أوربية مثل إيطاليا وألمانيا وإسبانيا، حيث تستخدم في صنع الأزرار والمجوهرات.

وواضح أن الثروة الطبيعية في ساحل السودان على البحر الأحمر غير مستغلة استغلالاً واضحاً، حيث يلاحظ فقر سكان مناطق الانتاج البحرية رغم غنى المنطقة بالثروات الطبيعية. ولا يمكن تغيير هذا الواقع غير المرضي إلا من خلال مساندة ودعم الدولة بمؤسساتها المختلفة للسكان المحليين والمستثمرين وتوفير مدخلات الانتاج من معدات الصيد القانونية عن طريق هيئات الاستثمار بوزارة الثروة الحيوانية وتوفير معدات الصيد للصيادين التقليديين بتكلفة تناسب دخولهم. هذا بالإضافة إلى توفير المقومات الصناعية الأخرى اللازمة لهذا القطاع مثل المبردات والشاحنات المناسبة. كذلك يجب تعزيز الإطار القانوني الصحيح لهذه الأنشطة الاقتصادية ووضع أحكام دقيقة للمحافظة على الطبيعية والتنوع البيولوجي. كذلك يجب تعزيز الأطر التعليمية والتثقيفية المناسبة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة دون المساس بمستقبل الأجيال الأخرى في استغلال الموارد الطبيعية. وينبغي منح السلطات الادارية والجهات التنفيذية صلاحيات النهوض وتنمية الاقتصاد البحري مثل إدارة المصائد البحرية، ومعهد بحوث المصائد البحرية، ووزارة البيئة والسياحة، واللجنة السودانية لحماية البيئة البحرية من أجل تعزيز وإدماج مفهوم ما يعرف بـ “الاقتصاد الأزرق” ضمن الاستراتيجيات الإنمائية للسودان. هذا مع العلم بأن الاستثمار في الثروة السمكية يمتاز بأنه يخلو من أي أثار ضارة على البيئة، بل يعمل على الحفاظ على الموارد الطبيعية وعلى تحسين البيئة وتقليل التلوث بإنشاء حزام شجري حول أرض المشروع مما يسهم في مكافحة الجفاف والتصحر. كذلك يسهم مثل ذلك الاستثمار في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في منطقة المشروع .

إن غياب ثروة طبيعية مهمة مثل الثروة السمكية عن الخارطة التخطيطية للاقتصاد السوداني يعتبر أمرا مؤسفا وضارا بمصالح البلاد وسكانها، وذلك لان طبيعة المسطحات المائية السودانية الداخلية والخارجية مرتبط بحدود واتفاقيات إقليمية، مثل تلك الصادرة عن مركز معلومات السوق والخدمات الاستشارية الخاصة بالمنتجات السمكية في المنطقة العربية “أنفوسمك” الذي يعتبر السودان من الدول المؤسسة له ولكنه لم يستفيد منه في تطوير منتجاته البحرية.

كذلك ينبغي اندماج السودان مع شركائه في القارة الافريقية، والتنسيق المستمر معهم في سياق جهود الاتحاد الافريقي في تنمية “الاقتصاد الأزرق” بالقارة، والاستفادة من دعم المؤسسات المالية مثل البنك الأفريقي للتنمية والبنك الدولي في ذلك. ويجب وضع مناهج مبتكرة وأسس تشاركية لإدارة الثروات المائية، وتعزيز استدامة مصايد الأسماك، حيث أن استراتيجية المقاربة الاقتصادية البحرية ترتكز على التخطيط المستدام والتدبير الجيد للنظم البيئة (الإيكولوجية) المائية والموارد الطبيعية البحرية. كما ينبغي تعزيز التعاون بين الدول الافريقية لإرساء استراتيجية بحرية متكاملة لقارة أفريقيا بحلول عام 2050م.


nazikelhashmi@hotmail.com

التعليقات مغلقة.