الحراك الثوري الي أين؟

الحراك الثوري الي أين؟
  • 27 نوفمبر 2021
  • لا توجد تعليقات

بكري الجاك

دون الخوض في تفاصيل كيف أن الموقف من الانقلاب الآن صارت تحكمه بعض الاشارات و المطاعنات و الاتهامات من شاكلة ان الانقلاب كان معلوم للجميع وأن ترتيبات ما سمي بالاتفاق بين حمدوك و البرهان ايضا قد وافق عليه البعض حتي قبل توقيع الاذعان.

ما يعنينا ليس أقاويل الغرف المغلقة (الشمار)، التي يحبها السودانيين بحكم ميولهم العرفانية وتماهيهم الثقافي مع الخرافات و الاساطير، و لا قراءة النوايا و ما خفي في الصدور مثلما ظل البعض يعتقدون أن ما وراء اذعان حمدوك للبرهان شيء آخر خلافا لل 14 بند الهزيلة التي أقل ما يمكن أن توصف به أنها شرعنت للانقلاب سياسيا لكنها لم تعينه دستوريا و لا اجتماعيا و لا اخلاقيا.
ما يعنينا هو المواقف المعلنة حتي هذه اللحظة و عليه الخارطة السياسية الآن تشير الي وجود ثلاثة اطراف.

● أولا: قوي انقلابية و تشمل العسكر و كارتيلاتهم ما بين ما يسمي بالقوات المسلحة و الدعم السريع، القوي الموقعة علي اتفاقية سلام جوبا، حمدوك وحده لا شريك له، بقايا جيوب المؤتمر الوطني التي خرجت تعمل في العلن تحت واجهة الادارات الاهلية و الطرق الصوفية و غيرها، بعض الاحزاب الهزيلة التي كان يستخدمها نظام البشير كعدة شغل و ديكور. قد تنضم الي هذا المعسكر بعض احزاب الحرية و التغيير المجلس المركزي او قد تحدث تصدعات في بعضها حتي ولو علي مستوي افراد للانضمام الي هذا المعسكر. لا تعنينا حجج هذا المعسكر المصرح بها من شاكلة حقن الدماء و الحفاظ علي مكتسبات الاصلاحات الاقتصادية و الاندماج في منظومة المجتمع الدولي و غيرها.

قد يكون لكل مجموعة رؤيتها في دعم هذا المعسكر الا أن الحقيقة الوحيدة المادية المؤكدة هي:

أن كارتيلات الجيش و الدعم السريع و ما يدور في فلكها من اسلاميين و انتهازيين و محاور اقليمية هي التي تدير هذا المعسكر
و هذه القوي ليس لها أدني مصلحة في اي تحول ديمقراطي حقيقي يضع أمر ادارة البلاد في ايدي وطنية منتخبة تدير البلاد و اقتصادها بشفافية تحت سمع و بصر السودانيات و السودانيين. عليه هذا المعسكر سيكون قد أعد انقلابه القادم متي ما بدأت معادلة السلطة تشير الي اي تهديد الي هذه المصالح.

● ثانيا: القوي المعارضة للانقلاب و هذه تشمل قطاعات واسعة من السودانيات و السودانيين بكافة تشكيلاتهم في المجتمع المدني من نقابات و اتحادات عمال و لجان مقاومة و احزاب سياسية بما في ذلك جلّ احزاب الحرية و التغيير و معسكرات النازحين و تكوينات السودانيين بالخارج.

من حيث العدد و الموقف الاخلاقي و من حيث التعبير عن التنوع و التعدد هذا المعسكر هو المعسكر الثوري الذي من رحمه ستولد الجمهورية السودانية الثانية و سيتحقق الاستقلال الحقيقي للدولة السودانية علي يديه، و هو المعسكر الذي بامكانه تخليق و تطوير مشروع وطني برؤية نهضوية تنموية لتحقيق آمال السودانين.
اقول هذا ليس للتفاؤل و حسب بل لأن التاريخ يشير الي أن اي عملية نهضوية حدثت في اي مكان في العالم كان خلفها مشروع ثقافي وسياسي و اجتماعي لشحذ الهمم الوطنية و خلق دافعية تمكن الناس من تجاوز هنات الماضي و هوان الحاضر، جهاز الدولة السوداني غير قابل للاصلاح و مثل هذا المشروع و الدافعية هي التي ستنفخ فيه الروح. باختصار اذا ما سيكتب للسودان فرصة البقاء و النهوض فلابد لها أن تخرج من هذا المربع الثوري.

● ثالثا: الحركات المسلحة التي لم توقع اتفاق بعد و هما الحركة الشعبية شمال جناح الحلو و حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد و قريبا سنسمع عن حركات أخري في دارفور و ربما مناطق أخري.
قد يقول البعض أن هذه القوي هي في مربع التيار الثوري و هذا صحيح و مصالحها و رؤاها تتطابق في الكثير من القضايا التأسيسية مع القوي الثورية بكافة تشكيلاتها الا أن هذه الحركات تحكمها شروط مختلفة و قد تضطر الي الجلوس الي التفاوض مع حكومة الأمر الواقع في الخرطوم حتي و ان كانت حكومة انقلابية و تحت ضغط المتغيرات الاقليمية و الدولية قد تصل الي تفاهمات سلام مع هذه القوي خصوصا أن الحراك الثوري لا يبدو أنه سيصل الي مبتغي كلياته قريبا.

الحركة الشعبية الأم كانت تدعو الي قيام نظام ديمقراطي و تشاركي الا أنها اضطرت الي توقيع اتفاق اطاري مع نظام شمولي في مشاكوس عام 2002 و توصلت الي اتفاق سلام في عام 2005. لهذه الاسباب هذه القوي هي في موقع انها ضد الانقلاب و قد تنسق مع القوي السياسية الاخري التي ضد الانقلاب الا انها تظل محكومة بشروط مغايرة.

◇ الآن و قد قدمنا قرءاة للخارطة السياسية السودانية، ما المطلوب و ما العمل؟

○ أولا: في تقديري أنه علي القوي التي تقف ضد الانقلاب سوي في المعسكر الثوري السلمي أو المسلح أن تبدأ بالتفاهم حول تعريف الواقع السياسي علي ما هو عليه بشكل موضوعي و التفكير في السيناريوهات التي يمكن أن تنتج عن هذا الواقع الذي تحكم فيه اقلية دون أي شرعية سياسية او قاعدة اجتماعية او مشروع سياسي سوي البحث عن ارضاء الخارج ليغض الطرف عن نهب ثروات البلاد لصالح كارتيلات محلية بامتدادات اقليمية.

○ ثانيا علي هذه القوي الخروج من موقع الرفض السلبي للسلطة الانقلابية و تبني موقف ايجابي يترجم الي:
ماذا تريد
و هذا يجب أن يشمل التفاهم علي ادوات و اساليب المقاومة السلمية،
انا موقن أن المواكب و العصيان المدني و الاضرابات كلها ادوات فعالة لكنها غير كافية لتفكيك الكارتيلات المسلحة التي تتخذ من جهاز الدولة واجهة لتقنين وجودها و اكتسابها لشرعية اجتماعية لممارسة نشاطاتها الاستخراجية، عليه دون انهيار داخلي لهذه الكارتيلات باقتتالها في بعضها البعض أو عملية منظمة لضغط ثوري داخلي و خارجي عبر حملة منظمة لعزلها و تعرية نشاطاتها أو هزيتمها عسكريا لا أري سبيل لكيفية تفكيك شبكة المصالح التي تسيطر علي الدولة بالكامل. يجب التفكير و التفاهم علي الادوات التي تقلل كلفة التغيير و تجنب البلاد مزيدا من الدمار.

○ ثالثا: علي هذه القوي تطوير موقف تفاوضي حول اكمال ترتيبات انتقال السلطة الي حكومة مدنية و هذا الموقف يجب أن يدعم باعلان سياسي لكيفية ادارة الفترة الانتقالية وفق اعلان دستوري تأسيسي يكون بمثابة مشروع الدستور الدائم ( و لدعاة البناء القاعدي هذه فرصة للبدء في طرح مثل هذه المشروعات او حتي البدء في استبيان بسيط يجيب فيه الناس علي سؤال شكل الدولة التي يريدون)

يجب أن يتوافق الجميع علي التركيز علي القضايا التأسيسية من دستور و هياكل حكم و اعادة بناء مؤسسات جهاز الدولة من جيش و شرطة و قوات أمن و أجهزة عدلية و تأجيل الصراع في القضايا السياساتية التفصيلية، و يكفي التوافق علي رؤية تنموية بخطوط عريضة. علينا التوفق علي كيفية بناء البيت أولا بدل التشاكس علي شكل الديكور كما ظللنا نفعل في كل تجارب الانتقال السابقة بمافيها هذه الماثلة امامنا و التي انتهت بانقلاب الخامس و العشرين من اكتوبر.

خلاصة القول ليس هنالك وقت لاضاعته في الصدمة أو الدهشة أو حتي الاحباط من رفاق الأمس أو اليوم أو في من ظننا أنهم معنا في نفس المشروع الثوري،
قضايا التغيير الاجتماعي مثل التي نعيش تجلياتها العليا منذ 2018 عادة طويلة و معقدة و يتحول فيها الناس كثيرا من مربع الي آخر في اثناء اشتباكهم مع الواقع المعقد و تعرفهم علي ذاواتهم في لحظات عصيبة حيث يكتشف الناس حقيقة كنه ذاواتهم، لذا يجب ان لا نكترث الي احلام تابعي الطريقة الحمدوكية، ما يعنينا حقائق الواقع علي الارض وكيف تؤثر علي ما نريد.

خارج النص

  • اذا في انسان قال ليك اتفاق الاذعان ادي الي اطلاق سراح المعتقلين الذين اعتقلوا خارج سلطة القانون عليك أن ترد له بالقول أن الاعتقال خارج سلطة القانون يستدعي محاسبة و مسائلة السلطة التي تمارسه و ليس شكرها.
  • اذا في انسان قال ليك الاذعان حقن الدماء، فعليك أن تقول له اذا كان المعني بحقن الدماء هو اعطاء الحق للقاتل باطلاق الرصاص و رجاء الناس العزل (و ستهم) أن لا يموتوا فهذا لعمري ابداع جديد في لوم المقتول علي موته، اما اذا كان حقن الدماء هو تفادي لمواجهة بين المليشيات المسلحة سواء جيش او دعم سريع فعليك أن تقول لهم أن كل هذه المليشيات تحتمي بالمدنيين و تتعامل معهم كواقي مثل الاسلحة النووية Deterrent لا يرغب اصحابها في استخدامها للخوف من مدي دمارها، اذا ارادوا الاقتتال فالسودان به اراضي واسعة ليس بها سكان فليذهبوا و ليتقاتلوا و الفايز يلاقي الشعب السوداني الثائر في النهائي.


25 نوفمبر 2021

الوسوم بكري-الجاك

التعليقات مغلقة.