كل ذلك الجاز

كل ذلك الجاز
بوب مارلي
  • 05 أكتوبر 2022
  • لا توجد تعليقات

تاج السر الملك

غلف الإبهام كثير من حيواتنا في السودان، وأولها مسألة الهوية، وفي شأنها، فالحديث يطول. ولكن ما دفعني لكتابة هذا المقال، رسالة متداولة، تحيل بعض المسائل الثقافية والفنية، إلى غير مآلاتها، تبدأ بالخطأ الشائع، بوصف المبدع شرحبيل أحمد، بفنان الجاز، وتتوسع لتشمل السودان، في دائرة التأثير الراستفاري، الذي عرفت به الأغنية الجامايكية، والتي تعتمد على ثقافة عقائدية، يهودية، سياسية، لا علاقة لها بالنوبة ولا بحضارة (كوش)، أسس الحركة الناشط الجامايكي، المفكر، (ماركوس غارفي)، وتبناها الفنان (بوب مارلي)، سبيلاً للخلاص في سبيل التحرر. ويمكن متابعة تجربة (غارفي)، ودعوته العودة إلى أفريقيا، للعبيد المنبتين في الكاريب ، وشمال اميريكا، وتداعياتها الدرامية، في كتابات متوافرة على الشبكة. أما تسمية موسيقى الاستاذ المبدع، شرحبيل أحمد، بالجاز، فإن في الأمر بعض خلط واضح، نتج عن كسل ثقافي مبين، أو عدم معرفة اصيلة، بماهية الجاز، أو أنها كلمة وخلاص، مثل بطاقة (الفنان الذري)، والذي لا علاقة له بما جرى في (هيروشيما)، فالنوع الغنائي لشرحبيل، يمكن أن ينتمي، لما يسمى ب(الأفروبوب)، أو (الفرانكواراب)، مثله في ذلك، مثل الفنان الليبي (ناصر المزداوي)، وفرقة (عائلة بندلي) في لبنان، في السبعينيات، والدليل على أن شرحبيل لا علاقة له بالجاز، حيث نسب إليه قوله (هذي بضاعتنا ردت إلينا)، ففي زيار فنان الجاز الأشهر (لويس أرمسترونق )للسودان، لم يظهر شرحبيل في الصورة، ولكنه كان حاضراً، عند زيارة الفنان (هاري بيلافونتي)، حيث غنى معه على مسرح قاعة الصداقة، ويؤكد ذلك مزاعمنا، في أن شرحبيل، استقى مصادره الفنية، من السينما، حيث تأثر بالموسيقى الشرقية أكثر من تأثره بالغربية، وبالتحديد موسيقى عبد الوهاب، و يؤكد ذلك، ذيوع اسلوبه الفني في شمال الوادي، وليس في افريقيا أو اميريكا.

هيلاسلاسي

وتعرض المقال للفنان جيمي كليف، واعتزازه بالسودان، والذي جاءه هارباً من غرب افريقيا، حيث أودع في السجن، بسبب من المخدرات، وقد غني لتلك التجربة اغنية (Have you heard the news)، ووصل مطار الخرطوم، مطمئناً أن لا أحد في هذا البلد يعرفه، بجواز سفر، يحمل أسم (نعيم عطية)، أو شئ من هذا القبيل، وقد أدهشه أن السودانيون تعرفو عليه، و قد غنى بصحبة فريق البلوستارز، وحين عودته إلى بلاده، غنى أغنية (بونقو مان)، والتى يعتقد البعض أنها من تأثير زيارته لحمد النيل، والبعض يقول (البنقو الواحد ده). أما (مارلي) والذي تسيد كل العقود التي أقبلت، بلا منازع، وقذف بجيمي ومعاصريه، في سلة النسيان، فهو فنان (اسكا) في الأساس، وهوالقالب الموسيقي للجزر الكاريبية، وطور ما عرف بالريقي، باستخدام الإيقاع الهندي المسمى (الراقا)، ووالذي يعرفه رواد السينما الهندية من السودانيين، أما أفكاره السياسية، فهي خليط من أفكار المفكر الفيلسوقف الكاريبي، ماركوس غارفي، والديانة اليهودية، وتهيؤات (القانجا)، واتصال ذلك بالأنبياء، داؤود وسليمان، وقبائل يهوذا الضائعة، ويتجلى ذلك في أغنيتي

Zion Train is coming our way

Exodus

وفلسفة الراستافاري، التي تبناها (مارلي)، هي ذات علاقة مباشرة جداً، بالإمبراطور (هيلاسلاسى)، ومشتقة ومحفورة من لقبه (راس تفري)، والذي حفظ له الجامايكيون فضله، حين صوت لصالح استقلال جامايكا في الامم المتحدة، وحين زيارته لجامايكا، هطلت الأمطار، فتأكد لمحبيه قداسته، فتحول إلى عقيدة، تبعها مارلي، ولم يتبعها (كليف)، وتبناها (غارفي)، كنموذج لتفوق الإنسان الأسود، وتحولت هذه الفكرة، إلى المحور الحيوي لغناء (مارلي)، حيث نعاه الرئيس الأمريكي (كارتر)، ووصفه بفنان الحرية الأول، ومع ذلك لم يدع أحد من الكاريب، أن أصولهم من (كوش) ابداً، فهم يعرفون أنهم إستجلبوا من غرب أفريقيا، والعودة التي تمناها غارفي، وشرع على أساسها، في بناء شركة بحرية، لنقل السود إلى غرب أفريقيا، حيث باءت بالفشل.

لويس أرمسترونج

أما فيما يخص الجاز، والمقولة المنسوبة لشرحبيل، بضاعتنا ردت إلينا، فقد زار فنان الجاز الأمريكي (آرت بليكي)، غرب أفريقيا، في الستينات، وصرح (بأن أفريقيا لا علاقة لها بالجاز)، وأن الجاز مولود شرعي للتجربة الأفريقية، في الدياسبورا الأمريكية، وهناك تجربة لأعظم مؤلفي موسيقى الجاز عبر العصور، (ديوك إلينغتون)، حيث حصلت على تسجيل نادر له في الحبشة، في ألبوم موسيقى تحت مسمى (اثيوبسك)، شاركه فيه عازفون اثيوبيون، يمكنك أن تلحظ فيه الفرق بين الجاز، والموسيقى الأفريقية. وبالرغم من سطوع نجم كثير من الموسيقيين الأفارقة على المسرح الغربي، أمثال (فيلا كوتي)، (مانيو ديبانقو)، (يوسو ندور)، (ميريام ماكيبا)، وفريق (اوسيبيسا) الغاني، وغيرهم، فإن الوحيد الذي أعترفت الأوساط الجازية، بجازيته، فهو (هيوي ماساكيلا)، من جنوب أفريقيا، والذي برز في البوم (غريسلاند) وذاع صيت مقطوعته

Grazing the grass

جيمي كليف

وفي اعتقادنا المتواضع، فإن السوداني الوحيد الذي اقترب من الجاز، فهو الفنان الراحل (عثمان ألمو)، فقد وظف الالات النحاسية، بتنسيق يدل على معرفته بالجاز بشكل ما.

ويبقى الباب مفتوحاً للبحث والنقاش.

تاج السر الملك

التعليقات مغلقة.