أوتشا): الحرمان جماعي وأطفال غزة جياع

تتعدد مشاهد المأساة الإنسانية في غزة، الناجمة عن استمرار الحرب الإسرائيلية، الوحشية، التي شدًدت الحصار، وفرضت سياسة تجويع قاتلة، وفي هذا الشان أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ( أوتشا) تحذيرا جديدا أكد فيه ارتفاع عدد الوفيات في أوساط المدنيين، وخصوصا الأطفال.
و قال إن “الهجوم المستمر والحرمان الجماعي للسكان في قطاع غزة أصبحا أمرا طبيعيا وأن كل يوم يجلب المزيد من الوفيات التي يمكن الوقاية منها، والنزوح، واليأس”.
وأشار المكتب الأممي، في آخر تحديث له ، عن هذه المأساة الإنسانية، إلى أن السلطات الإسرائيلية أصدرت يوم الجمعة (18 يوليو 2025) أمر إخلاء آخر، هذه المرة لأجزاء من شمال غزة.
وشدد على استمرار تلقي ( أوتشا) تقارير مقلقة للغاية عن إدخال أطفال، وبالغين، يعانون من سوء التغذية إلى مستشفيات، لا تتوفر فيها موارد كافية لعلاجهم.
أزمة الوقود تتفاقم
وأكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن أزمة الطاقة في غزة تزداد عمقا، على الرغم من استئناف واردات محدودة من الوقود، وقال إن الكميات الصغيرة التي تدخل القطاع – رغم أهميتها الحيوية للاستمرارية – تظل عند مستويات أقل مما كان يمكن استخراجه سابقا من الاحتياطيات الداخلية المتناقصة، والتي استُنفدت بالكامل الآن.
وأفاد تقرير (أوتشا) أن نفاد الوقود تسبب في توقف عمليات جمع النفايات الصلبة خلال اليومين الماضيين، كما اضطرت آبار مياه إضافية إلى الإغلاق، خاصة في دير البلح.
وأوضح أن خدمات صحية معينة تقلصت أو توقفت – بما في ذلك غسيل الكلى – و يمكن أن تستمر أخرى لبضعة أيام أخرى قبل أن تضطر هي أيضا إلى التوقف.
وأضاف المكتب الأممي أنه مع كل يوم يمر، يقل نصيب الناس من المياه النظيفة والرعاية الصحية، ويزداد فيضان مياه الصرف الصحي في الطوابق الأرضية.
وأشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أنه منذ استئناف دخول إمدادات الوقود المحدودة في 9 يوليو 2025، تمكنت الأمم المتحدة من إرسال ما يزيد قليلا عن 600 ألف لتر من الديزل إلى كرم أبو سالم. وفي17 يوليو 2025، ولأول مرة، تمكنت الأمم المتحدة أيضا من إرسال 35 ألف لتر من البنزين الذي تشتد الحاجة إليه.
لكن مكتب (أوتشا) رأى أن هذه الكميات محدودة “لأن السلطات الإسرائيلية سمحت بمرور 14 شاحنة فقط خلال الأسبوع الماضي”.
وأكد أن هناك حاجة إلى مئات الآلاف من لترات الوقود كل يوم، للحفاظ على العمليات المنقذة للحياة، مشيرا إلى أن الوقود المحدود الذي يدخل حاليا يُخصص بشكل أساسي لخدمات الصحة والمياه والاتصالات، وكذلك لتشغيل المركبات.
التحركات الإنسانية داخل غزة مقيدة
وأفاد المكتب الدولي أن التحركات الإنسانية داخل غزة لا تزال مقيدة وفي (17 يوليو 2025) تم تسهيل سبع من أصل 13 محاولة لتنسيق حركة عمال الإغاثة والإمدادات مع السلطات الإسرائيلية، مما سمح للفرق الإنسانية باستعادة بعض الوقود، وجمع بعض المياه، ونقل المولدات، وتوفير الإمدادات المتعلقة بالنظافة والصرف الصحي، ونقل الإمدادات الطبية التي تشتد الحاجة إليها.
ومع ذلك، تم رفض المحاولات الست المتبقية بشكل مباشر أو تمت الموافقة عليها مبدئيا ثم واجهت عوائق على الأرض.
ماذا قالت (الأونروا) عن أوضاع الأطفال ؟

من جهتها، حذرت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في تقرير وزعته الأمم المتحدة من أن سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة قد تضاعف بين مارس ويونيو 2025، نتيجة “للحصار الإسرائيلي على قطاع غزة”.
وأجرت المراكز الصحية والنقاط الطبية التابعة لـ (الأونروا) في هذه الفترة ما يقرب من 74 ألف فحص للأطفال للكشف عن سوء التغذية، وحددت ما يقرب من 5,500 حالة من سوء التغذية الحاد الشامل وأكثر من 800 حالة من سوء التغذية الحاد الوخيم.
وقالت (الأونروا) إنها عالجت أكثر من 3,500 طفل في غزة هذا العام من سوء التغذية. علاوة على ذلك، قدمت الوكالة أكثر من 9 ملايين استشارة صحية منذ بداية الحرب، وهي تقدم حاليا حوالي 15 ألف استشارة يوميا. وأكدت أنه “لا يمكن لأي شريك صحي آخر في غزة تقديم الرعاية الصحية الأولية بهذا الحجم”.
لكنها حذّرت من أن استمرارها في تقديم الخدمات يزداد صعوبة. وأشارت إلى أن ما لا يقل عن 188 من منشآتها – أي أكثر من نصف جميع منشآت (الأونروا) في قطاع غزة – تقع داخل المنطقة العسكرية الإسرائيلية، أو في المناطق الخاضعة لأوامر التهجير، أو حيث تتداخل هذه الأوامر. وقالت إن ستة فقط من مراكزها الصحية و22 نقطة طبية تابعة لها لا تزال تعمل، بالإضافة إلى 22 نقطة طبية متنقلة داخل وخارج الملاجئ التب تديرها.

وشددت (الأونروا) أن خدماتها الطبية تعاني من نقص حاد في الموارد، محذرة من أن 57% من الإمدادات الطبية الأساسية قد نفدت لديها. وقالت: “الأطفال يموتون أمام أعيننا، لأننا لا نملك الإمدادات الطبية أو الغذاء المستدام لعلاجهم”.
وأضافت الوكالة أنه بسبب المنع الإسرائيلي، نفدت الآن أدوية ضغط الدم، والأدوية المضادة للطفيليات، والأدوية المضادة للفطريات، وأدوية التهابات العيون، وجميع علاجات الجلد، والمضادات الحيوية الفموية للبالغين.
الوضع المائي والصرف الصحي
و أفادت (الأونروا) في تقرير بأن بئرين فقط من آبارها المائية يعملان حاليا، مقارنة بعشرة آبار كانت تعمل قبل الحرب، كما تعمل 41 بئرا أصغر داخل ملاجئها. وأكدت أن القيود المفروضة على دخول الوقود لا تزال تُعرّض خدمات الإنقاذ لخطر التوقف الشديد إذا لم يُسمح بدخول إمدادات الوقود المستدامة إلى القطاع.
وقالت أنها اضطرت منذ شهرين إلى وقف تقديم خدمات المياه والصرف الصحي في شمال غزة لحوالي 25 ألف نازح في الملاجئ بسبب أوامر التهجير الصادرة عن القوات الإسرائيلية.
ووفقا للمنظمة الدولية فان فرق (الأونروا) وفّرت المياه هذا العام لـ 1.3 مليون شخص، يمثلون 60% من سكان غزة. وشمل ذلك مياه الشرب والاستخدام المنزلي.
مفوض (الأونروا) يدعو لرفع الحظر على الإعلام الدولي
وشدد المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا)، فيليب لازاريني على ضرورة رفع الحظر المفروض على دخول وسائل الإعلام الدولية الى غزة.
وقال في منشور على منصة إكس “650 يوما من الفظائع بحق المدنيين دون السماح بدخول وسائل الإعلام الدولية ، وقد قُتل أكثر من 200 صحافي فلسطيني، و يُغذي حظر وسائل الإعلام حملات التضليل التي تُشكك في البيانات والروايات المباشرة من شهود العيان والمنظمات الإنسانية الدولية، يجب رفع حظر وسائل الإعلام”.
شهادة مسؤولين دوليين
وكان مسؤولان دوليان أدليا بشهاتين مهمتين في جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي في 16 يوليو 2025، وقال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، إن الاحتياجات الإنسانية المتزايدة في غزة ينبغي تلبيتها دون تعريض الناس لخطر إطلاق النار، وشدد على أن المدنيين في القطاع يتعرضون للموت والإصابة والنزوح القسري والتجريد من الكرامة.
ووفقا لأخبار الأمم المتحدة، أكد أن إسرائيل – بصفتها القوة القائمة بالاحتلال – مُلزمة بضمان حصول الناس على الغذاء والإمدادات الطبية، و “لكن هذا لا يحدث” وقال: “لسنا بحاجة إلى مناقشة ما إذا كان قتل المدنيين المنتظرين في طوابير للحصول على ضروريات الحياة يستوفي مسؤولية توفير احتياجات المدنيين”.
وتابع: ” لا نستطيع وصف الأوضاع في غزة بالكلمات ، الطعام ينفد، ومن يطلبونه يخاطرون بالتعرض لإطلاق النار، ويموت الناس وهم يحاولون إطعام عائلاتهم، وتستقبل المستشفيات الميدانية الجثث، ويسمع العاملون في المجال الطبي قصص الجرحى مباشرة، يوما بعد يوم”.
وأكد فليتشر أن معدلات الجوع الشديد بين الأطفال بلغت أعلى مستوياتها في يونيو 2025 ، إذ تم تشخيص أكثر من 5,800 فتاة وصبي بسوء التغذية الحاد. أما النظام الصحي في القطاع فهو منهار بالكامل؛ حيث لا يعمل سوى 17 مستشفى من أصل 36، و لا يعمل 63 مركز رعاية صحية أولية من أصل 170، وكلها تعمل بشكل جزئي فقط.
وبشأن الوضع في الضفة الغربية، أكد استمرار الخسائر في الأرواح وسبل العيش، إضافة إلى تقييد الحركة، وتزايد النزوح.
مديرة اليونيسف: فصل دراسي يُقتل يوميا
المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل، قالت في جلسة مجلس الأمن ( 16 يوليو 2025) إن “الحقيقة البسيطة هي أننا نخذل أطفال غزة. ومن خلال أعينهم، فإن فشلنا هو خيانة لحقهم في أن يكونوا أطفالا، أصحاء، وآمنين، ومتعلمين”. ونبهت إلى أن التاريخ سيحكم على هذا الفشل بقسوة، مشيرة إلى أن أطفال غزة، مثلهم مثل الأطفال في كافة أنحاء العالم، يستحقون السلام.
وأضافت :”خلال أشهر الحرب الـ 21 الماضية، أفادت تقارير بمقتل أكثر من 17,000 طفل وإصابة 33,000 آخرين، بمعدل 28 طفلا يُقتلون يوميا – أي ما يعادل فصلا دراسيا بأكمله، تأمل ذلك للحظة، فصل دراسي كامل من الأطفال يُقتلون كل يوم لمدة عامين تقريبا”.
وأشارت إلى أن هؤلاء الأطفال ليسوا مقاتلين، مشيرة إلى أنهم “يُقتلون ويُصابون أثناء وقوفهم في طوابير للحصول على الغذاء والدواء المنقذ للحياة”.