السودان يغرق في الغفلة… لماذا لم نعدّ قنوات جانبية تحمي مدننا من انهيار سد النهضة؟

السودان يغرق في الغفلة… لماذا لم نعدّ قنوات جانبية تحمي مدننا من انهيار سد النهضة؟
  • 05 أكتوبر 2025
  • لا توجد تعليقات

محجوب الخليفة

▪️أيّ بلدٍ يملك نهرًا حيويًا مثل النيل عليه أن يعامل خطر انهيار سدّ ضخم — أو حتى فتح مفاجئ لمنسوب كبير من المياه — كقضية وجودية. اليوم، وبعد افتتاح سدّ النهضة الإثيوبي وانقشاع الاحتفالات، يجب أن نسأل بصراحة مؤلمة: لماذا غاب عن سلطاتنا الوطنية مشروع طوارئ عاجل يُجهّز قنوات جانبية وسيناريوهات إجلاء وقائية تحمي الخرطوم ومدن النيل وقُراها؟ إذا لم نفعل ذلك الآن فقد لا يبقَ غدٌ نُحضّره.
الحقائق التي لا نقبل إنكارها
—‐————‐————–
1- السدّ بات حقيقة قائمة: أُنِهِزَت أعمال السدّ وتمّ افتتاحه رسميًا كأكبر سدّ كهرمائي في إفريقيا — ارتفاعه يقارب 170 مترًا، وسعته التخزينية عشرات المليارات من الأمتار المكعبة، وقدرته التوليدية تُقدَّر بآلاف الميغاواط. هذه أرقام تغير قواعد اللعبة الهيدرولوجية في المنبع.
2- انهيار أو خرق تشغيلي لسدّ بهذا الحجم ليس سيناريوًّا «خرافيًا» بل أمرًا قابلًا للنمذجة والتحليل العلمي؛ دراسات هندسية نمذَجت بالتفصيل موجة فيضان محتملة وانعكاساتها على دول المصب (مناطقٍ سكنية، محطات كهرباء، شبكات طرق، سواحل أراضٍ زراعية). نتائج هذه الدراسات تُظهر أن حجم الفيضان بعد خرقٍ كبير للسدّ يمكن أن يكون كارثيًا على السودان ومصر معًا.
3- تحذيرات واقعية وتداعيات ملموسة وصلتْ فعلاً: خرصات التصريف الاضطراري، أو عمليات الملء والتجريب، أو إخفاقات مدنية/تشغيلية قد تُسبّب تدفّقًا مفاجئًا أو ارتفاعًا متدرّجًا يربك منظومة السدود والمحطات في السودان، وقد صدر تحذيرٌ حكومي وإعلامي عن ارتفاع منسوب مياه الأنهار والخطر على محافظات عدة.
4- ثمة تصريحات رسمية ومقابلات فنية من جهات إثيوبية تؤكد أن السدّ آمن، بينما يظل الخلاف السياسي والتنسيق الفني بين دول المنبع والمصب عائقًا أمام بروتوكولات تشغيل مشتركة ومكتوبة. هذا التناقض السياسي لا يبرر غفلة التخطيط الوطني في السودان.
اللامبالاة التي قد تكلفنا كل شيء
    ———————
▪️عندما تفشل الحكومات في تحويل تحذير علمي إلى إجراء عملي، تتحوّل الكلفة من «أرقام في دراسة» إلى «مدن وممتلكات وأرواح». تجاهل تجهيز قنوات جانبية ومراسي تخفيفية أو تأمين مصارف عريضة مفتوحة للتفريغ، يعني أن الأنهار ستمر عبر أحياء سكنية ومناطق صناعية بدل أن تُحَوَّل إلى مجاري طوارئ مُحدّدة. النتيجة المحتملة ليست مجرد خسارة زراعية أو انقطاع للكهرباء، بل فقدان بنى تحتية استراتيجية (محطات مياه، طرق ناقلة، جسور، مستشفيات)، تهجير ملايين، وانهيار اقتصادي واجتماعي لا يقلّ عن سيناريوهات الكوارث الكبرى.
ماذا كان ينبغي أن يحدث؟ خطة طوارئ وطنية بسيطة وعاجلة
إذا كان لدى أي دولة عقلٌ بسيط، فستتخذ فورًا إجراءات تقنية وإدارية واضحة، وهذه عناصرٌ لا تحتاج إلى عقدٍ جديد أو تَأخُّرٍ لا مبرر له:
1- مشروع قنوات جانبية وفضاءات فيضان: تحديد مسارات مائية مؤقتة (مناقل التفريغ) يمكن حفرها أو فتحها بسرعة لاستيعاب موجات فائضة. ليست ثورة هندسية — بل بنية تحكّم مؤقتة يمكن تنفيذها خلال أسابيع إلى أشهر إذا وُضعت الأولويات.
2- خارطة إخلاء وطنية ومحطات ملائمة: خرائط إخلاء واضحة ومدرّبة على أرض الواقع، مخازن غلال ومراكز صحية جاهزة على ارتفاعات آمنة، ونظام إنذار مبكّر مرتبط بمحطات قياس منسوب المياه وآليات اتصال مرنة.
3- شبكة استباقية للتنسيق الإقليمي: تفاهمات تشغيلية مكتوبة مع إثيوبيا، وآليات إشعارات فورية عبر الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، لأن التضارب السياسي لا يوقف الفيضان ولا ينتظر التواقيت الدبلوماسية.
4- استثمار عاجل في بنية مقاومة الفيضانات داخل المدن: حواجز مؤقتة، مضخات سريعة، تحسين تصريف مياه الأمطار، تأمين محطات مياه وكهرباء حرجة، وتحصين نقاط النقل الحيوية.
5- طلب دعم فني ومالي دولي فورًا: المنظمات الدولية (الإغاثة، الهجرة، الأمم المتحدة) لديها خطط واستعدادات ويمكن إشراكها فورًا حسب الخطة الإنسانية الوطنية.
من المسؤول؟ وماذا نطالب به الآن
———————–‐——–
المسؤولية وطنية أولًا: الحكومة التي تفشل في إعداد خطة طوارئ لمخاطرٌ متوقّعة تتحمّل وزرَّ كل خسارة لاحقة. لكنّ هذا لا يعني أن نبحث فقط عن كبش فداء؛ بل نطالب فورًا بما يلي:
▪️إعلان حالة طوارئ وطنية موقّتة لتخصيص موارد فورية لمشروع القنوات الجانبية والمحطات المؤقتة.
▪️تشكيل خلية علمية متعددة التخصصات (هيدرولوجيون، مهندسو سواحل، دفاع مدني، مخطّطون حضريون) تعمل على مدار الساعة.
▪️إطلاق برنامج إجلاء واعلامي مكثّف مع تدريبات مجتمعية في المناطق المعرضة.
▪️عقد تفاهم فني مكتوب مع إثيوبيا يضمن إشعارًا مسبقًا لأي تصريف كميّ كبير وإجراءات تشغيل مشتركة.
▪️نداء إنساني وتقني عاجل إلى المجتمع الدولي للحصول على معدات استجابة سريعة وتمويل مشاريع تخفيف فوري.
أوّلاً تحمّلُ المسؤولية
ثانيًا الإنقاذ ،لن تُنفعنا شعارات السيادة أو اتهامات الخصم بالباطل إذا دُفنت مدننا ومزارعنا تحت أمتارٍ من المياه. مواجهة خطر انهيار سدّ النهضة — أو حتى فشلٍ تشغيلي يؤدي إلى تصريف هائل — هي مسألة حياة أو موت ووجود. إن تأخُّرَ اتخاذ قرارٍ عملي اليوم يعني خسارةَ من نعزّ عليهم غدًا. فلا ننتظر الحادث كي نندم؛ البلد لا يحتمل مزيدًا من الغفلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*