قهوة وجمال وصباح خريفي ملئ بالرزاز

توتيل، التاكا، كورال. معالم سياحية، وأسماء بعض القاعات في كلية السياحة بجامعة الزعيم الأزهري، أسميها كلية الجمال أو صناعة الجمال، فالجمال هو المبتغى والهدف من الحياة أن نحس الجمال ونحثه ونستشعره ونتعامل بأبجدياته وأدبياته…
القهوة في صباح خريفي مليء بالرزاز وبقايا أمطار الليلة الماضية على أرض غطتها رملة خفيفة تبدو المياه وكأنها كبة عسل في طبق بديع الصنع…
محمد ميرغني عليه الرحمة في أغنية النازلة ماشة على البحر في ساعة الحلب والشمس يا داب بتطلع.
تتجلي الكلمات واقعية تحتضن سريالية المعني، فتاخذك الكلمات بإبداعها نحو آفاق بعيدة تجعلك تحس الجمال في كل شيء كوب القهوة والبخور القليل والجميل المنبعث من مبخر صغير على تربيزة صغيرة من البلاستك نظيفة وحولك طلاب أو بالقرب منك والكل في ما هو فيه، لحظات هدوء جميلة قبل الصخب الجميل والمألوف من طلاب الجامعة في الكفتريا ،اعتدت أن أسرق لحظات استمتع فيها بالحرية وأحيانا تأمل ذلك الصخب الخال من الرسميات ، وأحيانا يسلم عليك من تعرفهم من الطلاب وغالبا ما يحترمون هذه المشاركة في خصوصية المكان، وأحيانا ينضم بعضهم إليك والدقائق قليلة إذ يكون ذلك غالبا قبل الثامنة صباحا…
قال شاعر أغنية النازلة ماشة علي البحر،
والبحر اتقطع برك
زي كبة عسل
في صينية
لفطرة عريس…
وأنا أتأمل فنجان القهوة ذلك الصباح والرزاز وبقايا المطر على الأرض والسماء امتلأت بالسحاب والشمس ما كادت تبين ولا تستطيع في ذلك اليوم من أيام أغسطس August، وأنا في غمرة ذلك الطقس وكان المكان هاديء قليل الرواد.
طقس يأخذك إلى أبعد مما تتصور إذا انفجر المكان بجمال إنسان .
كانت تلبس الخريف وجها وفستانا وترسم محيا الصباح ابتسامة وتنتعل الرمل في أقدام جميلة، أكثر نضجا من الطالبات لكن في ذات المعني، لفتت نظري بعبارة السلام سمعتها مع تغريد عصفور في ذات اللحظة ، فتصورت أن العصفور تكلم وأن البخور المتمايل في ندى الصباح رد التحية قبلي، نبهني فنجان القهوة إن لم المسه وأرشف منه سيبرد حنقا لأنني أهملت القهوة وأرخيت حبال خيالي لذلك الطاؤوس ملك الطيور ، غضضت طرفي احتراما ،إلا أن عيني أصرت على نظرة إعلاء لذلك الجمال والصباح بكل معالمه والمطر تدثر في حواء الجميلة تلك…
تذكرتSonya,وEmma,وتذكرت بل مثلت أمامي كل ملامح جميلات حواء في خاطري، فكانت هي الأشمل والأعمق ، استغرقت مع كوب القهوة ذلك الصباح كل تاريخي العاطفي وعندما لم أقو على أي كلام أشعلت سيجارة علها تأخذ من لهب شب في عقلي فجاة، واعتذرت على تسميم الجو والطقس والرقص الوجداني بعبارة آسف للتدخين، ردت علي وقالت لما رأيتك أخذت الكرسي مسافة مني شعرت أنني ضايقتك لكن لما رأيت السيجارة في يدك أيقنت أنك شخص آخر تراعي حقوق الآخرين ، نبهت على الطلاب أنني أبدأ بعد ربع ساعة من زمن المحاضرة لكني أدخل القاعة مع الزمن، في ذلك الصباح نظرت إلى الساعة كانت الثامنة إلا عشر ،تنفست الصعداء فقد هرولت في صحراء ذاتي وأبحرت كل سنوات عمري في لحظات تحسبها ربع ساعة بحساب الزمن لكنها بحساب ذلك اليوم دهرا ونافذة ضوء وجمال شد خاصرة الليالي في عيوني سهدا وأمنيات ودعوات، ربي لا تذرني فردا فأنت خير الوارثين،…
اللوحة لم تكتمل بعد، أطل علي في ذلك الصباح وكل ذلك الجمال والراحة العقلية والنفسية والوجدانية من ذلك اللقاء أطل مصطفي سيد أحمد وتوقفت عند،:
لقيتك والرزاز مدخل وناديتك
أقيفي معاي نشيل كتف الغنا الميل ونتخيل
حلم دونك بيتحقق
وقبلك خيل دماي
واقفة علي شرياني تتشهق
ومعاك اتبرجت غيمة
وشهق جواي صوت جدول
مرقت على المطر حفيان
لقيتك والرزاز مدخل،
لم أقو على الانتظار أكثر فانهار جدار الصمت وصارت جبال الصبر كالعهن وتحولت السماء إلى وردة كالدهان، إلا أن الصور لم ينفخ بعد …
إلى لقاء كانت كلمات خرجت بصدق وكان لقاء آخر في طقس أروع من شتاء أفريقيا الدافيء ، وفي اللقاءات الإنسانية العابرة قد تخضر وتورق أشجار في دواخلنا وتتحول غابات من فرح، كانت كباية القهوة تلك كفنجان نزار قباني، تأملت العرافة في نفسي الخطوط التي رسمتها ببقايا القهوة على جدار الكباية لوحة من خطوط معقدة، وأنا اعرف نفسي لبقايا المطر على الأرض المفروشة بالرمل والخريف باد أمامي، اعتدت أن أرسم بقايا القهوة علي كوبي وأقراء حظي دوما وأتذكر كلمات نزار وصوت عبد الحليم يجسد لوحة الحظ التي نستطلعها دوما مع الوداعية أو ضارب الرمل أو قارئ خطوط الكف،
بصرت ونجمت كثيرا
لكني لم أقرأ أبدا فنجانا
يشبه فنجانك
بصرت ونجمت كثيرا
لكني لم اعرف أبدا
أحزانا تشبه أحزانك
سماءك ماطرة
وطريقك مسدود مسدود…
وأنا أغادر ذلك الصباح الذي رسمني قوس قزح كبير يحجب المطر ويعكس في السماء بهجة ألوان…
خلق ذلك اليوم في نفسي شعورا جديدا وكنت أفرغ شحنات النفس جواي وأمنيات حتي أدركت أن الحزن الذي يسكن أضلاعي هو قدري ومنه أحببت صعوبة الأشياء وتعقيدات المعني ،فالأدب والشعر والقصة تولد من همسة بن في قهوة أو من اهراق الشاي لونه في الماء الساخن أو البارد، إنها الأيام تأخذنا إلى البعيد ونحن أقرب مكانا وموعدا.