لا يا صديقي بروفيسور هنود أبيا كدوف: لا تقع في هذا الفخ !!

لا يا صديقي بروفيسور هنود أبيا كدوف: لا تقع في هذا الفخ !!
  • 13 نوفمبر 2021
  • لا توجد تعليقات

د. سلمان محمد أحمد سلمان

1

تداولت الصحف الورقية والالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي خبراً مفاده أن الفريق البرهان وقادة انقلاب 25 أكتوبر قد عرضوا عليك يا صديقي هنود رئاسة الوزارة، وأنك قد قبلت العرض.

قد يكون الخبر عارٍ من الصحة فالأجواء العامة تجعل انتشار مثل هذه الأنباء أسرع من انتشار النار في الهشيم، خصوصا مع بيانات رفض العرض، وعروض مماثلة، من عددٍ من الشخصيات السودانية الأخرى. في هذه الحالة اعتذر عن مقالي هذا، وأرجو قبول عذري.

فمع انقطاع الانترنيت والمكالمات التلفونية في السودان، ووجودي خارج السودان، لم يكن بالإمكان الاتصال بك يا صديقي لمعرفة الحقيقة، والتحدث والنقاش بهدوءٍ معك.

وإن كان الخبر صحيحاً فآمل ان تجد الوقت لقراءة مقالي هذا والتمعّن فيه قبل أن تقبل العرض المقدم لك لتصبح رئيس الوزراء. هذا بالطبع إذا نجح النظام الانقلابي في البقاء في السلطة حتى ذلك الوقت، وهو احتمالٌ ضعيف.

لقد دفعتني لكتابة هذا المقال علاقة الزمالة والصداقة التي جمعتنا منذ نهاية ستينيات القرن الماضي عندما التقينا طلاباً جدد في كلية الآداب بجامعة الخرطوم، قبل أن ننتقل معاً إلى كلية القانون، ونتخرج منها (أنت عام 1971، وأنا عام 1972)، وقبل أن نعمل معاً أساتذةً بالكلية، ثم نلتقي لفترةٍ قصيرة عندما حضرت أنا أستاذاً زائراً بكلية القانون بالجامعة العالمية الإسلامية في ماليزيا. وكنت أنت بذلك الوقت قد أصبحت عميداً لتلك الكلية.

نعم علاقة الزمالة والصداقة التي امتدت حتى الآن إلى أكثر من خمسين عاماً هي ما دفعتني لكتابة هذه الرسالة المفتوحة لك.

2

لا أظنك تختلف مع الراي القائل أن ما حدث في السودان في 25 أكتوبر هو انقلابٌ على الشرعية الدستورية، وعلى حلم وطموحات معظم الشعب السوداني التي كررتها مليونيات ثورة ديسمبر – مدنية، وحرية، سلام وعدالة.

الآن يحاول انقلاب 25 اكتوبر إجهاض ذلك الحلم وتلك الثورة التي وصفها العالم، كل العالم، بأنها ثورة الحضارة والسلم، وثورة القرن، وأنها الفصل الثاني للثورة الفرنسية. فقد أشادت بالثورة برلمانات وحكومات كل دول العالم المتحضر، وتصدّرت صور الشباب والشابات السودانيين العزل وهم يقاومون رصاص وقنابل العسكر بصدورٍ مفتوحة الصفحات الأولى من صحف ومجلات العالم. ووصف الكثيرون اعتصام الثوار بأنه أول دولةٍ ديمقراطيةٍ اشتراكيةٍ في العالم العربي والإسلامي والأفريقي.

وجاء رد فعل العسكر على المظاهرات الرافضة لانقلاب 25 أكتوبر بنفس الرصاص والعنف والقتل والاعتقالات والتعذيب والإذلال للشباب والشابات الذي قابلته ثورة ديسمبر. وأدان العالم، وبصوتٍ عالٍ وموحد، ذلك العنف غير المبرر لمظاهراتٍ في غاية السلمية، كما أدان من قبله، بنفس الصوت، العنف الذي واجه ثورة وثوار ديسمبر.

3

 لقد درسنا أنا وأنت وزملاؤنا وبحثنا بعمقٍ عنما كنا طلاباً في كلية القانون بجامعة الخرطوم في مسائل الشرعية الدستورية، والشرعية القانونية، وحقوق الإنسان ومفوضية حقوق الإنسان، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، ثم مجلس حقوق الإنسان. وقمنا بعد ذلك مع عددٍ من زملائنا في كلية القانون بجامعة الخرطوم بتدريس تلك المبادئ، خصوصاً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وشرحنا لطلابنا وطالباتنا بتفصيلٍ دقيق كيف يمثل ذلك الإعلان أحلام وطموحات وتطلعات شعوب العام – كل العالم.

كان أساتذتنا الأجلاء في كلية القانون في جامعة الخرطوم، وفي الجامعات التي درسنا بها خارج السودان،يذكّروننا بانتظام بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبدورنا كقانونيي المستقبل في الدفاع بشراسة وبلا ترددٍ عن حقوق الإنسان. وقمنا نحن بنقل تلك الفلسفة وبتدريس نفس الإعلان مراراً وتكراراً لطلابنا وطالباتنا حتى حفظنا عن ظهر قلب كل مواد الإعلان العالمي، خصوصأ تلك الفقرة من الديباجة التي تقرأ:

“وكان من الضروري أت يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم.”

بل لقد استمدت ثورة ديسمبر المجيدة قوتها وشرعيتها ومصداقيتها من الفقرة الأولى من ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تقرأ:

“…. الاعتراف بالكرامة المتأصّلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وحقوقهم المتساوية الثابتة هي أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.”

ألم يكن وما يزال شعار ثورة ديسمبر المجيدة هو “حرية سلام وعدالة” التي وردت عام 1948 (أي قبل سبعين عامٍ) في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟

لقد حفظنا هذه الكلمات المكتوبة بأحرفٍ من نور  عن ظهر قلب عندما كنا طلاباً، وتجادلنا كثيرا في مضمونها، ودرّسناها عندما أصبحنا أساتذة.  فكيف يمكن لنا التخلّي عنها وإدارة ظهرنا لها ونحن في فصل العمر الأخير يا صديقي هنود؟

4

إذا قبلت يا صديقي رئاسة الوزارة فسوف تحاول الجلوس في المقعد الشرعي لرجلٍ أصبح أيقونة السودان وبطله القومي. لقد أصبح صديقنا الدكتور عبد الله حمدوك المحطة التي يلتقي فيها معظم افراد الشعب السوداني – أطفالنا يكررون إسمه في طريقهم إلى المدارس، وخلال ساعات الدراسة، وعند عودتهم إلى منازلهم، وشبابنا يهتفون باسمه في مظاهراتهم المليونية ويحملون صوره. ويتكرر نفس المشهد في مظاهرات وتجمعات السودانيين في كل دول المهجر وحول العالم.

5

كيف ستتعامل يا صديقي هنود مع بيانات مجلس الأمن، وقرارات الاتحاد الأفريقي ودول الترويكا والاتحاد الأوربي ومجلس حقوق الإنسان، وقرار الكونغرس الأمريكي المرتقب، والتي تؤكد جميعها اعترافها بالدكتور حمدوك كرئيس الوزراء الشرعي، وتطالب بعودته إلى كرسي رئاسة الوزارة مع حكومته التي حاول ويحاول قادة الانقلاب حلّها؟

لقد أعلنتها أمريكا داويةً، وكذلك البنك الدولي ومؤسسات التنمية الدولية الأخرى، وعددٌ من الدول الأوروبية، أن البرنامج الاقتصادي الموعود للسودان، بما في ذلك إعفاء الديون وجدولتها، فد توقّف، ولن يعود إلا بعد عودة الحكومة الشرعية.

كيف ستتعامل مع سفراء وسفارات السودان التي رفضت الانقلاب العسكري وتصر على أنها تمثل الحكومة الشرعية، وتتعامل معها معظم تلك الدول بتلك الكيفية – تمثيلها لحكومة الدكتور عبد الله حمدوك؟

6

بل كيف ستتعامل وأنت القانوني الضليع منذ نصف قرنٍ من الزمان بالرأي القانوني الذي أصدرته الأمم المتحدة وعمّمته على كل منظماتها ووكالاتها ولجانها المتخصّصة هذا الأسبوع. لقد قضى ذلك الرأي القانوني بأن حكومة الدكتور حمدوك تظل هي الحكومة الشرعية في السودان، وأن ممثلي وموظفي هذه المنظمات يجب عليهم عدم لقاء أو الاجتماع بأي مسئولٍ في حكومة أخرى في السودان.

بل لقد ذهب هذا الرأي القانوني خطوةً غير مسبوقة ووجّه كل مسئولٍ في الأمم المتحدة يتطلب عمله ضرورة مخاطبة مسئولٍ في أية حكومة تخلف حكومة الدكتور حمدوك ان تتم تلك المخاطبة بدون إشارة إلى الموقع الرسمي للمسئول الجديد في تلك الحكومة.

إذا قبلت رئاسة الوزارة فسوف تعيش في مكتب أغلق العالم أمامه كل الأبواب. لن يزورك أحد من الرؤساء والوزراء ومسئولي المنظمات الدولية، ولن تتمكن من السفر لتخاطب الأمم المتحدة أو إحدى وكالاتها، أو أحد مؤتمراتها، ولن تستطيع زيارة كثيرٍ من دول العالم لأنهم لن يسمحوا لك بالحضور.

لن تدعوك أو تقابلك الجامعات التي اعتدت على التدريس فيها، ولن تقبلك منظمات المجتمع المدني والأحزاب السودانية. ستتواصل المظاهرات التي ستطالب برحيل الانقلاب وقادته ورئيس وزرائه غير الشرعي، وسوف تهتف بسقوطك، وسوف يسجل التاريخ كل ذلك يا صديقي.

ستعيش في عزلةٍ دائمة داخلية وخارجية، وتصبح وكأنك مطلوب من محكمة الجنايات الدولية.

7

 كيف ستتعامل يا صديقي هنود مع مليونية 13 نوفمبر القادمة؟ هل إذا أصبحت رئيس وزراء وقتها ستأمر بضرب الشباب العزل المتطاهرين؟

إذا كانت الإجابة لا، فماذا ستفعل عندما يأمر الآخرون بضرب وقتل واعتقال وتعذيب وإذلال المتظاهرين؟ هل ستتذكر ايام الدراسة والتدريس لمبادئ الشرعية القانونية والإعلان العالمي لحقوف الإنسان والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان، وسنوات دراستك في انجلترا وعملك في ماليزيا وزياراتك المتعددة لأمريكا والهند والدول الديمقراطية الأخرى وما شهدته أنت في هذه الدول من ديمقراطية وحريات عامة، واحترام لحقوق الإنسان، أم سيصير كل ذلك في ذمة التاريخ؟

8

العمل الوزاري في ظل الوضع الذي أفرزه انقلاب 25 أكتوبر وحكومته (إن واصل الانقلاب بقاءه وتم تشكيل الحكومة) أمرٌ في غاية التعقيد، ويخضع لقدرٍ كبير من المساومات والمحاصصات، والتي ستتغير بالضرورة من شهرٍ لآخر. وسوف تتوالى المؤامرات بين الانقلابيين انفسهم، وبالضرورة ستشملك أنت.

لا تقع في هذا الفخ يا صديقي هنود. فهم يبحثون في هذا الوقت بالتحديد عن شخصٍ يشبه الدكتور حمدوك – يحمل الدكتوراه وعمل خارج السودان، ليوازنوا به الدكتور حمدوك – بهذه البساطة والسذاجة!

الفارق الشاسع بين هذا الشخص، بغض النطر عمن سيكون، وبين الدكتور حمدوك هو الشرعية الدستورية التي اعترف بها كل العالم للدكتور حمدوك، والاحترام الكبير له ولمقدراته الفذة ولمصداقيته، والإعزاز والتقدير والمحبة التي يتمتع بها الدكتور حمدوك في السودان كشخصيةٍ وطنيةٍ شجاعةٍ وفريدة – والتي لم يسبقه عليها أي سياسيٍ سودانيٍ منذ استقلال السودان.

9

لا تقع في هذا الفخ يا صديقي هنود!

salmanmasalman@gmail.co

التعليقات مغلقة.