سلطة المحكمة الدستورية في مراجعة دستورية التعديلات الدستورية

سلطة المحكمة الدستورية في مراجعة دستورية التعديلات الدستورية
  • 06 أغسطس 2018
  • لا توجد تعليقات

نبيل أديب عبدالله المحامي

أصدرت المحكمة الدستورية في الأيام القليلة الماضية حكما مهما في الدعوى الدستورية برمة ناصر وآخرون ضد جهاز الأمن وحكومة السودان. ونسارع هنا ونقول أننا لا نهدف لمناقشة حكم المحكمة الدستورية في الدعوى موضوع التعليق، ولكننا هدفنا للتنبيه لمبدئين تبنتهما المحكمة الدستورية في سياق فصلها في تلك الدعوى، الأول يقرر أن مصلحة المعتقل في اللجوء للمحكمة الدستورية لتحدي دستورية ممارسة جهاز الأمن لسلطاته في الإعتقال بموجب قانونه، تبدأ من لحظة الإعتقال وليس فقط عند إنتهاء فترة الإعتقال الممنوحة للجهاز في ذلك القانون.
والثاني يقرر أن المحكمة الدستورية لا سلطة لها في مراجعة دستورية التعديلات الدستورية. وبقدر ما يعتبر المبدأ الأول إنتصاراً لحكم القانون يجعلنا نحتفل به، بالنسبة لأهميته في خضوع أجهزة السلطة التنفيذية في ممارستها لسلطتها القانونية لأحكام الدستور، فإننا نعتقد أن المحكمة الدستورية تحتاج لإعادة النظر فيما توصلت إليه في سلطتها في مراجعة دستورية التعديلات الدستورية. لخصت المحكمة الدستورية موقفها من هذا الأمر فيما يلي “أما فيما يخص الادعاء بعدم دستورية التعديل الحادث على نص المادة 151/3 من الدستور، ومطالبة الادعاء بإعلان ذلك، فإن ذلك من مما تتقاصر عنه سلطة المحكمة الدستورية، واختصاصها، إذ تختص ضمن أشياء أخرى على إلغاء النصوص القانونية المتعارضة مع الدستور. ولا يشمل ذلك النظر في دستورية أو عدم دستورية النصوص الدستورية إذا أن ذلك من اختصاص الجهة التي أصدرت الدستور، وأقرته. والدستور نفسه جعل من المحكمة الدستورية حارسة للدستور، وقيمة عليه، وألزمها باحترامه، والتقيد بما فيه، لا نقض غزله وإيهان عروته، إذ أن واجبها الرئيسي هو صيانته وتفسيره وإلزام الجميع باحترامه والتقيد بنصوصه”

إغفال الشروط الشكلية للتعديل
فرقت المحكمة الدستورية بين إلغاء النصوص القانونية المتعارضة مع الدستور، وإلغاء النصوص الدستورية لنفس السبب. ورأت أن سلطتها لا تتجاوز الأولى إلى الثانية. وعيب تلك التفرقة أنها من شأنها أن تمنع المحكمة الدستورية من القيام بدورها كحارسة للدستور. كما وأنها تغفل التفرقة بين الطعن في إغفال الشروط الشكلية للتعديل، والطعن في جواز التعديل لأسباب موضوعية، حيث أن الفقه مستقر على جواز الأولى، ومختلف حول بعض من الثانية. معلوم أن الدساتير بحسب قابليتها للتعديل، تنقسم إلى دساتير جامدة وأخرى مرنة. ودرجة المرونة أو الجمود تختلف من دستور لآخر. ولكنها في الغالب تقوم على درجة معقولة من الجمود، حتى لا يسهل تعديل النصوص الدستورية فتصبح كتعديل القانون العادي. لكي تحقق الدساتير الدرجة المطلوبة من الجمود، فإنها تلجأ لتطلب شروط شكلية تُصعِّب تعديلها. ومثال ذلك بالنسبة للدستور السوداني أنه يوجب تقديم مشروع التعديل قبل فترة شهرين على الأقل من المداولات. كما ويشترط أن تتم إجازة التعديل بموافقة ثلاث أرباع جميع الأعضاء لكل مجلس من مجلسي الهئية التشريعية، في إجتماع منفصل لكل منهما.
من المتفق عليه في في فقه القانون الدستوري أنه إذا تمت إجازة تعديل دستوري دون التقيد بالشروط الشكلية لإجازته، فإن المحكمة الدستورية يجوز لها، بل ويتوجب عليها، أن تنقضه.
مقبولية التعديل من الناحية الموضوعية
من حيث الموضوع فإن الفقه الدستوري العالمي مجمع على جواز تتدخل المحكمة حين ينتهك التعديل حرمة التعديل الواردة بنص في الدستور. يتحقق ذلك حين ينص الدستور بشكل مباشر على عدم جواز تعديله في فترة معينة، أو على عدم جواز تعديل بعض مواده. من قبيل تلك الأحكام المادة الخامسة من الدستور الأمريكي، والتي تمنح الولايات عدد متساو في التمثيل في مجلس الشيوخ، وهي مادة لا يجوز تعديلها. كذلك يمنع الدستور الفرنسي أي تعديل من شأنه أن يمس الصيغة الجمهورية للحكم. كما ويمنع الدستور الألماني تعديله بشكل يمس النظام الفيدرالي ولا المبادئ الاساسية المضمنة في المادة الاولى منه.

المبادئ الدستورية الأساسية
ولكن السؤال هو هل يجوز للمحكمة مراجعة تعديل أحكام الدستور من الناحية الموضوعية، متى ما إستوفيت المتطلبات الشكلية؟ أعتقد أن هنالك مبادئ أساسية في الدستور تحدد الطبيعة الدستورية للدولة، وهذه لا يجوز تعديلها، لأنها تمثل الهيكل الأساسي للدستور. ومن ذلك النص في الفقرة الأولى من المادة الرابعة من الدستور والمعنونة المبادئ الأساسية للدستور على أن “تؤسس وحدة السودان على الإرادة الحُرة لشعبه وسيادة حكم القانون والحكم الديمقراطي اللامركزي والمساءلة والمساواة والاحترام والعدالة”. والفقرة (1) من المادة 27 “تكون وثيقة الحقوق عهداً بين كافة أهل السودان، وبينهم وبين حكوماتهم على كل مستوى، والتزاماً من جانبهم بأن يحترموا حقوق الإنسان والحريات الأساسية المضمنة في هذا الدستور وأن يعملوا على ترقيتها؛ وتعتبر حجر الأساس للعدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية في السودان”.والمادة 48 ” لايجوز الانتقاص من الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذه الوثيقة، وتصون المحكمة الدستورية والمحاكم المختصة الأُخرى هذه الوثيقة وتحميها وتطبقها، وتراقب مفوضية حقوق الإنسان تطبيقها في الدولة وفقاً للمادة 142 من هذا الدستور”. مجموع هذه المواد يعني إلتزام الدولة السودانية بالديمقراطية، والتعددية، وحقوق الإنسان، وحكم القانون. وهذا يعني أن الأحكام المؤسسة على هذه المبادئ غير قابلة للتعديل. وهذا يعود لأنها تشكل الهيكل الأساسي للدستور أو ما يُعرف في فقه القانون الدستوري الحديث، بالمبادئ فوق الدستورية. وهي مجموع مالم يتنازل عنه الأفراد من حرياتهم وحقوقهم للدولة التي كونوها، ومنحوها السيادة على إقليمهم.
عدم منطقية تحصين التعديل الدستوري
التعديل الدستوري هو عمل تشريعي يجاز بأغلبية معينة من البرلمان. وإذا كانت نفس هذه الأغلبية لا تمنح البرلمان سلطة إصدار تشريع يخرق أحد الحقوق الأساسية، فما هو المنطق في منح البرلمان هذه السلطة لمجرد أنه أطلق على عمله التشريعي إسم تعديل دستوري؟ أوضح القضاء في الهند إعدم منطقية ذلك المفهوم في سابقة Golak Nath والتي نقضت حكم السابقتين سانكاري براساد و ساجان سينغ المؤسس على أنه لا فرق بين الحقوق الأساسية وبين غيرها من المبادئ الواردة في الدستور. ولكن المحكمة العليا غيرت موقفها في Golak Nath فذكرت “ينص الدستور بإيجاز على أن بعض الحقوق هي حقوق أساسية، ويجعل جميع القوانين المنتهكة للحقوق المذكورة باطلة. ويمنع صراحة البرلمان والرئيس من تعديلها أو تعليقها إلا في ظروف محددة. إذا كانت القرارات في قضية سانكاري براساد ([1952] SCR 89 ، 105) وقضية ساجان سينغ ([1965] SCR 933) ، تتفق مع صحيح القانون، فإن ذلك يعني أنه يمكن للبرلمان نفسه أن يلغي الحقوق الأساسية بضربة واحدة، في حالة أن يكون الحزب الحاكم منفردا، أو في إئتلاف مع أحزاب أخرى، يسيطر على الأغلبية اللازمة. ورغم أن الدستور يتطلب موافقة أغلبية الولايات، بالنسبة لمواد أقل أهمية، فإنه وفقا للسابقتين يمكن إسقاط الحقوق الأساسية، دون موافقة تلك الأغلبية. ورغم أنه لا يجوز للبرلمان بقرار منه حتى ولو كان بالإجماع أن يمنع أو يلغي حقًا أساسيًا واحدًا، فإن أغلبية الثلثين يمكن أن تلغي كل الحقوق الأساسية. قد تنهار البنية العليا، التي تم تصميمها بدقة ومُثُل عالية، بشكل كامل في خطوة خاطئة واحدة. ومن شأن مثل هذا الاستنتاج أن ينسب غير المعقولية إلى واضعي الدستور، إذ يجعل الدستور يتحدث بصوتين. لا يمكن أن نعزي هذا القصد إلى صانعي الدستور ما لم تجبرنا أحكام الدستور على القيام بذلك”
I.C. Golak Nath And Ors. vs State Of Punjab And Anr.

حماية الديمقراطية من الدستورية الإنتهاكية
بعد أن ولى ريح الإنقلابات العسكرية، حين إتخذ المجتمع الدولي قررارت ترمي الي تبني عقوبات فورية وتلقائية ضد الأنظمة التي تتولد عن إنقلابات عسكرية ضد نظم ديمقراطية، أصبحت الخطورة الرئيسية الآن على النظام الديموقراطي تتمثل في استخدام آلية تعديل الدستور لخلق نظام سلطوي، بدلاً من النظام الديموقراطي الموجود. وهي مسألة ليست عسيرة وتقتضي فقط الحصول علي أغلبية كافية لتعديل الدستور، ومن ثم تعديله بشكل يقضي على النظام الديمقراطي. وهذا ما أصبح يطلق عليه بعض فقهاء القانون الدستوري مصطلح Abusive constitutionalism أي الدستورية الإنتهاكية. الدستورية الإنتهاكية تأتي إلى السلطة بشكل ديمقراطي، و تلجأ لتعديل الدستور بوسائل دستورية، ولكنها تهدف من ذلك التعديل لأن تحكم من قبضتها على السلطة، بحيث توقف عملية التبادل السلمي للسلطة، التي هي اساس النظام الديمقراطي. أول تجربة لإسقاط الديمقراطية من داخل مؤسساتها كانت التجربة النازية، حيث فاز الحزب النازي في إنتخابات ديمقراطية، إلا أنه ما لبس أن اسقط كافة الاحكام الديمقراطية في الدستور، بطرق مختلفة.
دور القضاء في الدفاع عن الدستورية
رفض المراجعة القضائية للتعديل دستوري إلا من حيث الإجراءات المتطلبة لإجازته، يقوم على أن التعديل الدستوري متى ما إستوفى الشكل المطلوب، هو تعبير عن إرادة الأمة التي تخضع لها كافة السلطات في الدولة، وهو مبدأ دستوري أساسه المحافظة على النظام الديمقراطي. ولكن بسبب الهجوم على الديمقراطية من الداخل، اصبح منع القضاء من مراجعة التعديلات الدستورية، يساعد الدستورية الإنتهاكية في تحقيق أغراضها بشل يد القضاء في إبطال التعديلات الدستورية التي تهدف للعصف بالنظام الديمقراطي. وقد لعب القضاء الدستوري دوراً هاماً في عدد من الدول لحماية النظام الديمقراطي
ففي الهند اعتمدت المحكمة العليا على نص المادة 13 في الدستور التي تنص على أنه لا يجوز للدولة أن تصدر قانوناً من شأنه أن يصادر او ينتقص من الحقوق الواردة في ذلك القسم، وأن أي قانون يصدر بالمخالفة لذلك يعتبر باطلاً للدرجة التي تزيل ذلك الخلاف، في مراجعة التعديلات الدستورية من حيث الموضوع. Golak nath v. State of Punjab
حين طُعِن في صحة التعديل السابع عشر لدستور 1964م قبلت المحكمة الطعن وقالت أن تعديل الدستور هو قانون، وبالتالي يخضع للمراجعة القضائية. ولكن المحكمة العليا في عام 1973م ألغت ذلك النظر حين طُعِن أمامها في التعديلات الرابع والعشرين، والخامس والعشرين، والتاسع والعشرين، فذكرت أن تعديل الدستور ليس بقانون ولكنها اعلنت التعديلات المطعون فيها غير دستورية لأنها تنتهك الهيكل الاساسي للدستور. Kesavanada bharati v. Kerala وقد سارت السوابق على هذا النهج حتى دعوى أنديرا غاندي ضد راج نارين في عام 1975م
وفي نيبال ايضاً قررت المحكمة العليا أن من سلطاتها إبطال أي تعديل للدستور يمس المبادئ الأساسية فيه. في تركيا لا يجوز تعديل الاحكام الدستورية التي تقرر أن تركيا هي جمهورية ديمقراطية علمانية واشتراكية تخضع لسيادة حكم القانون . وقد قررت المحكمة الدستورية التركية أن ذلك يمنحها سلطة المراجعة القضائية فيما يتعلق بتعديل الدستور. عندما تم تعديل الدستور التركي لالغاء سلطة العفو قررت المحكمة الدستورية إبطال التعديل لأنه لم تتم إجازته بالاغلبية المطلوبة، ولكنها ذكرت أنه حتى ولو كانت إجازته قد تمت بالأغلبية المطلوبة فإن التعديل يظل غير دستوري بسبب موضوعه، لأنه يتعارض مع المبادئ الاساسية للدستور. وعندما تم تعديل الدستور للسماح بتعيين قضاة غير مؤهلين في المحاكم العسكرية في زمن الحرب، رأت المحكمة الدستورية التركية أن التعديل غير دستوري لأنه يؤثر سلباً على إستقلال القضاء والذي يشكل احد عناصر سيادة حكم القانون.
وعندنا في سابقة جوزيف قرنق وآخرين ضد حكومة السودان، قرر القاضي صلاح حسن أن إلغاء حكم التعديل الوارد فى دستور 56 لابد أن يكون قد قصد منه أن يكون الدستور جامداً جموداً مطلقاً، فى الفترة التى تقوم فيها الجمعية التأسيسية بإصدار دستور دائم على الاخص فيما يتعلق بفصل الحريات العامة، وذلك حتى يتم نقاش حر يوفر فيه للجميع فرصة إبداء الرأى فى الدستور الذى يفترض أن يحكم ليس فقط من يشاركون فى النقاش بل أيضا الأجيال القادمة، وألغى التعديل الدستوري الذي إستثنى الشيوعية من حريتى التعبير والتنظيم..
النص على عدم خضوع التعديلات الدستورية للمراجعة القضائية
لجأ الإنتهاكيون، لوقف التدخل المستمر للقضاء في الدول المختلقة للمحافظة على الديمقراطية، إلى النص صراحة في الدساتير الحديثة، أو في تعديلات دستورية، على عدم خضوع التعديلات الدستورية للمراجعة القضائية، ولكنهم لم ينجحوا في مسعاهم.
في تركيا منع دستور عام 1982م ، المحكمة الدستورية صراحةً من مراجعة التعديلات الدستورية من حيث الموضوع، و قصر سلطتها في مراجعة التعديلات الدستورية على حالة عدم اجازتها بالاغلبية المطلوبة. في خضم الصراع بين المحافظين واللبراليين تم منع طالبات من دخول المعاهد العليا بالزي التقليدي، مما دفع البرلمان تحت تأثير الأحزاب المحافظة لأن يصدر قانوناً يسمح لهن بذلك، إلا أن المحكمة الدستورية قررت عدم دستورية ذلك القانون. بازاء ذلك تم تعديل الدستور بشكل يسمح باصدار ذلك القانون. وعندما عُرِض الأمر على المحكمة الدستورية، قررت عدم دستورية التعديل لأنه ينطوي على إخلال بعلمانية الدولة والمنصوص عليها في المادة الثانية من الدستور، مما يخل بالنظام الجمهوري للدولة، بعد أن أسقطت المادة الدستورية التي تمنعها من مراجعة التعديلات الدستورية من حيث الموضوع، حيث قضت بآن المادة نفسها غير دستورية.
في الهند أصدر البرلمأن التعديل الثاني والأربعين للدستور الذي ينص على أنه لا يجوز لأي محكمة أن تنظر في صحة اي تعديل على الدستور لأي سبب كان. و بغرض ازالة اي شك فإنه لايوجد أي قيد على سلطة البرلمان في تعديل الدستور بالاضافة او الحذف او التغيير . قررت المحكمة في Minerva mills ltd v. Union of India أن التعديل الثاني والاربعين غير دستوري، حيث أن القيود الواردة على سلطة البرلمأن في تعديل الدستور، هي مكون اساسي من الدستور الهندي لا يجوز تعديلها .
في النمسا توصلت المحكمة الدستورية لنفس النتيجة عن طريق مراجعة إستيفاء التعديل للمتطلبات الإجرائية، حيث قررت أنها لا تسطيع أن تفصل في دستورية التعديل من حيث الموضوع، الا أنه يجوز لها أن تقرر ما اذا كان قد اتبع المتطلبات الإجرائية. نتيجة لذلك فقد أبطلت المحكمة الدستورية عدداً من التعديلات إستناداً على تفسيرها للنص الدستوري الذي يتطلب إقرار التعديل الكامل بإستفتاء، والذي فسرته بأن التعديل الكامل ليس المقصود منه تعديل كل مواد الدستور، بل يكون التعديل كاملاً لو عدل في احد معالم الدستور الرئيسية. State citizenship case . وبالتالي فقد اسقطت بعض التعديلات الدستورية التي رأت أنها عدلت مواد دستورية تشكل أحكامها احد المعالم الرئيسية للدستور والتي يتطلب تعديله موفقة الشعب على التعديل عن طريق الإستفتاء .
والملاحظ من كل ذلك أنه كقاعدة عامة ، (رغم اختلاف الدساتير بعضها عن بعض) فإن الأحكام القضائية لم تفسر صمت الدستور عن منحها سلطة المراجعة القضائية بالنسبة للتعديلات الدسورية بأنه يمنعها من ممارسة تلك السلطة، بل على العكس من ذلك فإن السوابق في القانون المقارن تشيرالي أن الأحكام القضائية في واقع الامر قامت بمراجعة النصوص الدستورية التي تحرمها من مراجعة التعديلات الدستورية، واسقطتها باعتبارها مخالفة للدستور.
والسؤال هو إذا تم تعديل الدستور بشكل مخالف للدستور، إما بعدم إتباع الشكل المطلوب، أو بتعديل قاعدة موضوعية لا يجوز تعديلها إما بنص صريح، أو لأنها من المبادئ الأساسية للدستور، فمن الذي يستطيع أن يحمي الدستور من إيهان عروته ونقض غزله؟ إن نفس الأسباب التي ترى المحكمة الدستورية أنها تمنعها من التعرض لتعديل الدستور، هي في واقع الأمر التي تمنحها سلطة التصدي للتعديل، إذا هدف إلى نقض غزل الدستور، وإيهان عروته، على حد تعبير المحكمة، لأن الدستور جعل من المحكمة الدستورية حارسة للدستور وقيِّمة عليه.

nabiladib@hotmail.com

التعليقات مغلقة.