هـل تفرز الحـرب نقيضـها؟ وتجهض آمـال الثـورة المضـادة! وهل إلى مخـرج من سبيـل؟

هـل تفرز الحـرب نقيضـها؟ وتجهض آمـال الثـورة المضـادة! وهل إلى مخـرج من سبيـل؟
  • 03 يونيو 2023
  • لا توجد تعليقات

محمد الأمين عبد النبي

(١)
عبرت ثـورة ديسمبر المجيدة عن تطلع شعبي إلي الحرية والسلام والعدالة والديمقراطية، والتي اسقطت نظام شمولي ظلامي جثـم على الشعب السوداني ثلاثة عقود من الزمان، تضـافرت عوامل عديدة لإنجاح الثورة أهمها السلمية، وكسر حاجز الخوف، وانحـياز المكون العسكري للثورة، ووحدة قوى الثورة وإلالتفاف حول إعلان الحرية والتغيير.
وكانت عملية الإنتقال السياسي ليس سهلة وإنما عملية معقدة ومتداخلة الأبعاد ومحفوفة بالمخاطر والتحديات أهمها على الإطلاق تحدي بلورة مرجعية جامعة وبرنامج ديمقراطي يقوم على الجدية والإلتزام والتوافق على المشتركات وإدارة حوار حقيقي حول المختلف حوله، أما التحدي الثاني هو إزالة التمكين وحسم آمال الثورة المضـادة في مهدها. صحيح تعثرت الحكومة الانتقالية، ثم قوضت، ولكنها حققت نجاح نسبي في هـّز أركان الثورة المضادة والدولة الموازية (العميقة) وإبطال كل مخططاتها، وفي ذات الوقت العمل على مشاريع الانتقال الديموقراطي، وقد إستطاعت قوى الثورة والانتقال كشف التحركات التي تحاول استعادة أوضاع ومصالح ما قبل الثورة، والتي تهدف إلى مسح ومسخ ما أحدثته الثورة من تغيرات في المشهد السوداني.
بالتأكيد كانت هناك إخـفاقات مُرة، أهمها الخلافات بين قوى الثورة والتي تطورت إلي انقسامات، وضعف الممارسة السياسية التي تبدو أشبه بالمحاصصة وليس كآلية إلي ضمان عدالة وموضوعية التمثيل في إدارة الانتقال، كما لم تحظى المسألة الديمقراطية بالأولوية والأهتمام اللازم، وإهتـزاز الشراكة العسكرية والمدنية نتيجة عدم التوافق حول ملفات تفكيك التمكين والسلام والعدالة والعلاقات الخارجية والاقتصاد والاصلاح الأمني.
بدأت محاولات الثورة المضـادة باكراً بفض الاعتصام او ما عُرف بمجزرة القيادة العامة، ثم تلتها العمليات الممنهجة لضرب النسيج الاجتماعي بإشعال الفتن القبلية والاستقطابات الاثنية، وتخريب الاقتصاد الوطني، وتعطيل مسيرة الحكم الانتقالي بإغلاق الطرق القومية وافتعال الأزمات والتلاعب بالأمن القومي، وإحكام سيطرتها على مؤسسات الدولة وخلق دولة موازية تماماً، وكانت أكبر محاولات الثورة المضادة إنقلاب ٢٥ أكتوبـر ٢٠٢١ والقرارات التي صدرت بموجبه والتي مهدت لعودة النظام البائد وإدارة المشهد الانقلابي، وأخيراً إشعال الحرب في ١٥ ابريل ٢٠٢٣، محاولات الثورة المضـادة هذه لم تستهدف الخصم السياسي والعودة الي السلطة فحسب وانما إستهدفت الوطن والمواطن، بدليل استخدامها لكل أساليب التغيير العنيف من قتل وتشريد، واستهتار باللحمة الوطنية، وتدمير مؤسسات الدولة، وصناعة ودعم الانقلابات، وبث خطاب الكراهية والعنصرية، وإشعال الحرب بين العسكريين.
للأسـف لم تفلح قوى الثورة في مواجهة الثورة المضادة واستكمال الثورة ومهام الانتقال الديمقراطى رغم ما بذلت من مجهود، وذلك لعجز واضح في معسكر قوى الثورة الذي أصابته الانقسامـات، والذي أصبح في خانة ردة الفعل والتصـدي للشيطنة التي فرضتها عليه الثورة المضادة، وبالمقابل كل محاولات ومخططات قادة الثورة المضـادة حققت عكس مقاصدها ولم تنجح أساليبها المتعددة وأخطرها الإنقلاب والحرب بل كانت وبالاً عليهم، الشاهد أن عدم إنتصار قوى الثورة بالكامل وتنفيذ استحقاقات التحول الديمقراطى، وكذلك عدم إنتصار الثورة المضادة رغم أساليبها العنيفة وإصرارها على إعادة عقارب الساعة الي الوراء بكل السبل، يؤكد بأن العقل السوداني يحتاج الي إعادة التفكير السياسي بحيث يضع الأولوية في وقف الحرب ومعالجة اثارها ومن ثم تبني عملية إصلاح ونهضة الوطن وتحقيق تطلعات المواطن في الحرية والسلام والعدالة، بدلاً عن الهرولة نحو مكاسب سياسية ضيقة وقصيرة الأمد تقضي على ما تبقى من وطن.

(٢)

أظهرت حـرب الخامس عشر من أبريل تشوهات المجتمع السوداني التي تسبب فيها حكم الطغيان والافقار والإذلال والاجرام، وكشفت عن الإشكالات الأساسية التي أعاقت بناء دولة القانون والمؤسسات والحوكمة في السودان، وعبرت عن ضعف تماسك الأمة وهشاشة الدولة في كل المجالات، وأكدت على عمق أزمة الشرعية المستقرة للدولة وعدم تطورها ككيان له استقلاليته عن النظام الحاكم بل أصبحت أداة في أيدي الحكام لإحكام قبضتهم على المجتمع، كما كشفت الحرب عن تبعية الدولة لقوى الخارج والتي لا تخطيها العين، وبّينت إلي أي مدى عّجز العقل السوداني على إنتاج الحلول ومواكبة التطورات والمتغيرات وبناء المصير الوطني، والخنوع إلي استمرار الحلقة الشريرة واجترار تجارب الماضي حذوك النعل بالنعل، مما يؤكد فشل الدولة في إنجاز مهامها الوطنية منذ فجر الاستقلال.
جاءت ثورة ديسمبر المجيدة كمحاولة جادة لكسر الحلقة الشريرة ومخاطبة قضايا البناء الوطني وهوية الدولة والنموذج المجتمعي وإعادة صياغة المشروع الوطني، ولكنها، وقعت ضحية التجاذب السياسي بين قوى التحول الديمقراطى (قوى الثورة) وقوى الاستبداد والطغيان (الثورة المضادة)، والذي تحول إلى صـراع على هوية الدولة نفسها وإعادة هيكلة مؤسساتها.
المعلوم بالضرورة أن نجاح أو فشل الثـورة المضادّة في مهمتها يعتمد بالدرجة الأولى على مـدى قدرة قوى الثورة نفسها على الدفاع عن الثورة من خلال تحصينها بالدعم الشعبي الكامل، وتوافر الظروف الخارجية الملائمة والداعمة لنجاح الثورة وتحقيق اهدافها، ورغم أن هذين العاملين لم يتوفرا بشكل كامل إلا أن إستعجال قوى الثورة المضادة جعلها تقدم نموذجاً متطرفاً في قوالب عدة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، يحمل مضموناً سيئاً رافضاً للآخر وأحادياً لا يتعرف بالتعددية والاختلاف ونسبية الحقيقة، هذا التوجه النافي للآخـر وّلد ظاهرة العنف وبث الكراهية والعنصرية والتي أسست للحرب التي تدور رحاءها الآن، إن التطرف المقيت والاقصاء وردود الأفعال دفعت قوى الردة والثورة المضادة لإرتـكاب جرائم في حق الشعب وهي في المعارضة، تضاف الي جرائم سنوات الحكم، مما ضاعف من رفضها وعزلها وذلك لأن أسباب الغضب على سوء العمل ما زالت قائمة.
لدى عرّابي الثورة المضادة اعتقاد عريض أن الديمقراطية سوف تُسلم حكم البلاد لتيارات في ظنهم سوف تشكل خطرا على الاستقرار السياسي، وهذه دعوة حق أريد بها باطل فهي تستهدف في المقام الأول عملية التحول الديمقراطى، بل ذهب بعضهم أبعد من ذلك عندما دعا صراحة لتمكين الحكم العسكري فيما طالب آخرون بديمقراطية بلا أحـزاب أي ديمقراطية عسكرية، نعم، هكذا يعتقد البعض، غير أن هذا الاعتقاد يهدف في حقيقة الأمر لتكريس سياسة النظام المباد في القضاء على الأحزاب السياسية ليس بإختراقها واضعافها فحسب وإنما بتشويهها والتحريض ضدها، وذلك في سبيل تمرير مشروع العسكرة والانقلابات وقطع الطريق أمام الوعي الديمقراطى وتعويق اي عملية سياسية وتعطيلها ومن ثم اجهاضـها تماماً، حتى ولو اقتضى الأمر السعي بكل قوة وطاقة لإشعال حرب أهلية، ولتحقيق ذلك أتخذ فلول النظام السابق في ثورتهم المضادة من التباين بين القوات المسلحة والدعم السريع حول الدمج ذريعة لإشعال الحرب، لقناعتهم أن ليس لديهم أدنى فرصة لإستعادة حكمهم إلا على إثر حـرب طاحنة، بغية تغيير موازين القوة والاجهاز على مكتسبات الثورة، وتحويل المشهد برمته، حيث يصبح وقف نزيف الدم والحرب هو الأولوية القصوى والبحث عن الاستقرار في السودان هو المطلب الاول والتضحية بقضية التحول الديمقراطى على شاكلة ما حدث مع طالبان في أفغانستان التي عادت للحكم بعد تفوقها العسكري، أو تكرار تجارب دول الثـورات والتي دخلت في حالة احتراب كما هو الحال في اليمن وسوريا وليبيا، بسبب الدور الذي أدته الثورات المضادة في تحويل مسار الثورة نحو الفوضى والحرب الأهلية. عطفاً على التغييرات الإقليمية والدولية وصراع المحاور “الروسي – الغربي” وبروز اختراقات حقيقية في العلاقات العربية التركية من جانب والعلاقات العربية الإيرانية من الجانب الآخر، وإعادة صياغة القرار الإفريقي في قضايا القارة، والتوجه لإستعادة علاقات دول العالم العربي فيما بينها، كل ذلك يشير إلي ثمة تطورات إقليمية ودولية تضـع السودان في قلب النزاعات الإقليمية والدولية لموقعه الجيو سياسي وتداخله الاستراتيجي، هذه التغييرات تسمح للفلول بالمراوغة والابتزاز والتمـحور.
شاءت الأقدار أن يستجيب طرفي المكون العسكري الي مخططات الثورة المضادة، بعد أن فشلت إعادة قوات الدعم السريع الي بيت الطاعة، لجأت إلي معاقبتها وإجبارها للعمل مجدداً وفق توجهات مشروع الثورة المضادة، وحصاد نتيجة الضغط المتواصل على القوات المسلحة لإتخاذ مواقف ضد الثورة والتغيير واستغلال الخلاف حول الإصلاح والدمج والتحديث كمبرر للإقتتال بين القوات المسلحة والدعم السريع. الواضـح للطرفين والشعب السوداني أن ما تطمح إليه الثورة المضادة تحت ستار دعم القوات المسلحة هو في حقيقة الأمر الاستحواذ على السلطة وفق تخطيط مسبق، فكل المؤشرات تؤكد نجاح الثورة المضادة في إشعال نيران الحرب، ولكنها فشلت في الوصول إلى السلطة، وكما يقول المنطق الجدلي (إن كل قضية تفرز نقيضها)، حتماً سوف تفرز هذه الحرب عكس مقاصدها ومن داخلها أكثر من خارجها، وستكون المحصلة الموضوعية زيادة الوعي بنبذ الحرب والعنف والكراهية والتمسك بالسلام والتسامح والتعايش وقبول الآخر والديمقراطية والحرية، ورفض اسباب ومسوغات الحرب والموت المجاني، فمهما كان الخطاب السياسي والدعاية الحربية والفرز على اساس الإنتماء الاجتماعي القبلي والاصطفاف الإثني، فلن يشتري أحد هذا القبح والتوحش والشطط، كما لن تكن الجوانب الفنية للإصلاح والدمج والتحديث في القطاع العسكري والأمني معضلة وإنما ستكون أكثر سهولة، لأن الحرب أثبتت ضرورة هذه العملية بل أصبحت مهمة لا تقبل التأجيل، وان لا مناص من جيش مهني واحد والنـأي بالعسكريين من السياسة. وبغض النظر عن المنتصر أو المهزوم فلن يقبل الشعب السوداني العسكرة مرة أخرى رغم المحاولات المستميتة، ورغم التعنت والتماطل في المفاوضات لإنهاء الحرب، والاستخفاف بحياة المواطـن ومصير الوطن، حتماً ستضـع الحرب أوزارها، وسوف تنتصر ارادة الشعب، حينها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون.

(٣)

هل إلي مخرج ديمقراطي من سبيل؟ ببساطة الإجابة نعم، رغم انه سؤال معقد، لأن مأزق الحرب يطلب معالجة تذهب بعيداً نحو أعماق الجذور لتفكيك الإشكالات المتوارثة التي ألقت بظلالها على تدهور الواقع، وكذلك من الصعب التنبؤ بنتائج الحرب الجارية، وهذا بدأ جلياً في تخبط القادة العسكريين والمحللين الاستراتيجيين والذين أصبحوا كالمنجمين، يروجـون للحرب بلا هدى أو كتاب منير.
الإجابة على هذا السؤال أعلاه تطلب تقديم مشروع سياسي تنويري يقف بقوة في وجه الحرب ويجفف منابعها ويفتح مداخل التحول نحو الديمقراطىة، هذا المشروع ينطلق من أرضية معرفية لا تخاطب قضايا الثروة والسلطة فحسب وانما تستوعب القضايا المجتمعية بعمق بعيداً عن الكسل الفكري والجمود السياسي وقريباً من تفكيك الطبيعة التكوينية للمجتمع السوداني والذي بالتأكيد أفرز دولته بكل تعقيداتها على حد مقولة مونتسكيو (كل مجتمع يفرز دولته المطابقة)، هذا المجتمع بكل مكوناته الأهلية والدينية والمدنية والسياسية لا ينفصل عن إشكالية الحكم والاقتصاد وبناء الدولة السودانية ومؤسساتها المدنية والعسكرية، فكل الصراعات بين مكونات المجتمع فيما بينها منذ الاستقلال وحتى اليوم حول السلطة دون إتفاق على آلية تداول سلمي مما خلق تراكم خبيث من الحروب والانقلابات والاضطرابات، هذا التراكم وقف حجر عثرة أمام تطور الدولة بمكوناتها الثلاثة (المجتمع، الحكومة، القطاع الخاص)، والشواهد كثيرة:
• الممارسات التي تقوم بها الإدارات الأهلية في المجتمعات العشائرية والقبلية تتناقض مع توجهات المجتمع المدني الحديث الذي يقوم على أساس الحرية والتنوع والسماح بالاختلاف، هذا التناقض (المصطنع) تم استخدامه لأغراض سياسية ترتبط بتسييس الإدارات الأهلية والتوسع فيها دون ضوابط وقبول إجتماعي، والانحراف بها عن دورها المجتمعي والمصالحات والتعايش لأدوار تجعلها في لب الصراع السياسي.
• لاشك أن للدين تأثيرات مهمة في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية على كافة المستويات الداخلية والقومية والحضارية العالمية، ولكن تجربة الاسلام السياسي في السودان جعلت الصراع على الإسلام نفسه وليس النهج الاسلاموي المتطرف، علماً أن القيم الإسلامية تنطلق من مقاصد الشريعة (الدين، النفس، المال، العقل، النسل) والتي لا تتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان والديمقراطية، التحشيد الديني للوصول إلى السلطة والمحافظة عليها بإستغلال الدين جعلته إحدى مغذيات الصراع المتطاول.
• بروز الولاءات الجهوية والقبلية والطائفية على حساب الهوية الوطنية الجامعة التي تستوعب إدارة التنوع وتعزز الولاء للدولة وترسخ مفهوم المواطنة المتساوية، وحتى الوعي السياسي يتردد ما بين الولاءات العصبية التي تقدم فرص التضامن والتعاون المتبادل والتماهي والاستنصار بالقبيلة والطائفة والاثنية، مما أعاق تزويب العصبيات وأشكالها ودمج المواطنين جميعاً في كيان الدولة الحديثة على اساس المواطنة.
• الآفاق السياسية والفكرية حبيسة التجارب السابقة، فلم تعبر عن نفسها في مشروع وطني مكتمل الأركان نظرياً كما لم يجد الفرصة الكافية في التطبيق وان وجدت لم تكتمل التجربة، فكل التجارب كان مصيرها أما الفشل أو الإخفاق أو التعثر، وقّل ما تجد تجربة ناجحة، يرجع ذلك للمواقف الحدية والاقصائية أحياناً والتي جعلت البلاد في حالة استقطاب مستمر بين ثنائيات متناقضة.
• رغم أن المجتمع المدني السوداني متحرر من القيود الأكاديمية والفلسفية، إلا أنه منغمس في التناقضات والصراعات بينه والسلطة، وتداخل الشأن العام مع الخاص، وجدلية المجتمع الحديث والتقليدي، علماً أن نشأة المجتمع المدني لم تكن على حساب المجتمع التقليدي وانما مكمل للدور الوطني، فهو ليس في صراع مع بنية المجتمع القديمة ولا يفترض القضاء على مكونات المجتمع التقليدي لينطلق على انقاضها، وفي ذلك تقع على عاتق المجتمع المدني وضع برامج إعادة تأهيل المجتمع الأهلي والتقليدي وفتح نوافذه أمام تيارات الحداثة وتغيير البنية الثقافية.
• التطلع إلى الحكم الديمقراطى لم يكن مجرد حلم وأشواق السودانيين، وإنما رغبة أكيدة وقناعة راسخة للشعب السوداني، ولكن هذه القناعة لم تتحول إلى مقاربة عملية قابلة للتطوير بسبب الانقلابات العسكرية التي قطعت الطريق على الديمقراطية من ناحية، وعدم الوفاء بالمهام التأسيسية للديمقراطية من ناحية ثانية والتي تتمثل في تطوير ثقافة ديمقراطية، وتوفير موارد مادية ومعنوية، وإصلاح المؤسسات السياسية، وبناء مقومات المجتمع المدني، وبناء تحالف ديمقراطي قادر على ترسيخ الحكم الديمقراطى.
• إشكالية التنمية غير المتوازنة والتهميش التنموي من إفرازات أزمة الحكم والصراع السياسي والفشل في إدارة التنوع، كما أن التجاذب حول النموذج الاقتصادي المناسب، والتشوهات التي تعرض لها الاقتصاد الكلي، في ظل تفشي ظاهرة الفساد والإفلات من العقوبة وغياب المحاسبة وضعف الرقابة، والقضاء على دولة الرعاية والتي تحولت لدولة الجباية، وخلق فوارق اجتماعية واقتصادية كان لها الأثر الكبير في أضعاف القطاعين العام والخاص معاً، مما فاقم الاختلالات التنموية التي كان لها تأثيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية مضرة للغاية.
• التوافق الوطني ووحدة قـوى الثورة وبناء جبهة مدنية ديمقراطية فكرة قديمة متجددة، ولكنها تعثرت، لغياب الإرادة، وإنعدام الثقة، وتعمد الإقصاء والاقصاء المضاد لقد فرضت الحرب واقعاً مأساوياً وتعقيدات مركبة تستوجب إتحاد كافة القوى الرافضة للحرب والشمولية حول ميثاق بناء كتلة حرجة ذات جدوى مهمتها على المدى القصير إيقاف الحرب والانخراط في حوار وطني ديمقراطى، وعلى المدى الطويل ترسيخ الحكم الديمقراطي وإدارة التنوع وإزالة التشوهات التي لحقت بالدولة السودانية، صحيح ان الصراع بين اصطفاف قوى ديمقراطية مقابل اصطفاف قوى شمولية، ولكن، هناك تحيزات جديدة وتغيرات في المواقف والمصالح لكثير من القوى، سيما مجموعات إسلامية معتدلة تؤمن بالتحول الديمقراطى والتطلع الشعبي للتوافق السياسي واعـلاء قيمة للوطن، كما أن التوافق السياسي لا ينطلق من فراغ وانما من مجهودات تمت في سبيل وحدة قوى التحول الديمقراطى، وانطلقت أكثر من ست مبادرات لوقف الحرب وإعادة المسار السياسي، من المهم أن تتوحد كل هذه المبادرات في مشروع واحد يعمل عليه الجميع ويتوج بميثاق شرف أو إعلان مبادئ يحظى بتوافق القوى السياسية والمدنية والنقابية المهنية ولجان المقاومة، هذا الميثاق يضع الأساس المصلحة الوطنية العليا والمحافظة على حقوق الشعب السوداني وفق مقاربة أكثر موضوعية تأخذ بعين الاعتبار الواقع الذي أحدثته الحرب والأبعاد الإقليمية والدولية، والتوافق على تشكيل حكومة انتقالية وفق برنامج واضح، وإدماج قضية السلام ضمن قضايا التحول الديمقراطى، وتحديد ثوابـت العمل المشترك والسماح بتعدد الوسائل والمرونة في التعامل مع المتغيرات السياسية والميدانية، وإستيعاب قدرات النساء والشباب وضمان مشاركتهم وإبراز قضاياهم، ومشاركة الخبراء والمختصين والأكاديميين في التشاور حول إدارة الانتقال، وتأكيد البناء علي توصيات مؤتمرات وورش تفكيك نظام الثلاثين من يونيو والسلام وشرق السودان والعدالة الانتقالية ومبادئ وأسس الإصلاح الأمني والعسكري وبناء جيش مهني واحد والنـأي بالعسكريين من السياسة، وإرسـاء دعائم الديمقراطية التوافقية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والحكم الراشد.
• ليس من المعقول أن تظل قوى الثورة والتحول الديمقراطى منقسمة على نفسها، فلتكن هذه الحرب رغم ويلاتها وتداعياتها وآثارها فرصة لوحدة قوى الثورة والديمقراطية أولاً والتوافق الوطني ثانياً بلا سقوف وبلا تحفظ، فقط الالتزام بوقف الحرب والإيمان بالتحول الديمقراطى، توافق يمكن من نجاة الوطـن من براثن الحرب الأهلية الشاملة، وتحويل طاقات أبنائه وبناته للبناء الوطني.

(٤)

هناك عوامل موضوعية داخلية وإقليمية ودولية تؤكد أن الخيار الأسلم والأنـجع هو وقف الحرب اليوم قبل الغد، للخسائر الكبيرة في الممتلكات والأرواح واستهداف المدنيين العزل بالقتل والتشريد والنهب والسلب واحتلال المنازل والمحلات التجارية وتدمير البنية التحتية وتوقف الخدمات، في ظل إستمرار الاشتباكات وعدم التزام طرفي الحرب بالهدنة ووقف إطلاق النار قصير الأمد وعدم الوفاء بتعهداتهما في إعلان جدة، مما فتح الباب امام العقوبات وتجميد المفاوضات وقرارات الاتحاد الإفريقي، وقرارات مجلس الامن الدولي، كل ذلك ومازالت اصوات ودعاوى استمرار الحرب والحسم العسكري ترتفع، أن الذين انساقوا لهذا الموقف غير مدركين لحجم المعاناة والوضع الإنساني الكارثي الذي تمر به البلاد، ولا للتدمير الواسع للمرافق العامة والجرائم البشعة للحرب من اغتصاب وتعذيب وقتل جماعي، هذا الوضع جعل الضمير الإنساني العالمي يطالب بوقف الحرب، فقد آن الأوان أن تضع الحرب أوزارها، وان يتخلى الطرفان عن التعنت والتصلب في المواقف والتحلي بالحكمة والشجاعة والإقبال على حل سياسي يخرج البلاد من ورطة الحرب، فكل المؤشرات تؤكد بأن الطرفين دخلا في ورطة حقيقية بالإنجرار وراء سراب الثورة المضادة فلم يحصدا سوى الندامة والدمار والخراب، والرجوع للحق فضيلة، وجاء في الأثر (ما غلب عُـسر يُسـرين).

التعليقات مغلقة.