أكتوبر الأخضر والخروج من التخلف والتبعية

أكتوبر الأخضر والخروج من التخلف والتبعية
  • 23 أكتوبر 2025
  • لا توجد تعليقات

تاج السر عثمان

١
أشرنا سابقا الي الذكرى ٦١ لثورة أكتوبر ‘ التي كانت محاولة للخروج من التخلف والتبعية’ فقد ورث السودان بعد الاستقلال تركة اقتصادية اجتماعية استعمارية مثقلة بالتخلف والتبعية كان حصادها:
– أصبح السودان خاضعا لاحتياجيات بريطانيا ومد مصانعها بالقطن الذي كان المحصول النقدي الرئيسي في تلك الفترة، وقامت مشاريع زراعة القطن لتلبية ذلك الاحتياج الخارجي.
– أحكمت بريطانيا سيطرتها على تجارة السودان الخارجية من خلال سيطرتها على البنوك الأجنبية التي كانت تتحكم في حركة رأس المال في اتساعها وانكماشها، كما كانت الشركات البريطانية تسيطر علي معظم تجارة الصادر والوارد، أما ماتبقي فقد سيطرت عليه الشركات الأجنبية الأخرى (الأجانب المتسودنين) من يونانيين وشوام، والجزء الضئيل المتبقي للنشاط التجاري فقد عملت فيه الرأسمالية السودانية المحلية.
– ترتب علي نمط التنمية التي فرضها المستعمر علي السودان وهي التخصص في زراعة محصول نقدي واحد(القطن)، أن تخلفت الصناعة، وتم اجهاض أي محاولة من جانب الرأسمالية السودانية الناشئة لإقامة صناعة وطنية.
– ظل حوالي 90% من السكان مسجونا في القطاع التقليدي الذي يعتمد علي أساليب الزراعة التقليدية وتربية الماشية. أما ميزانية التعليم فقد كانت متواضعة لاتتعدى 2% من الميزانية العامة، وميزانية الصحة بلغت 4%، أما نفقات قوة دفاع السودان فقد كانت 8،9%( تقرير الحاكم العام 1938م).
– لم يعرف السودان برامج التنمية إلا في الأعوام: 1946م – 1951م، 1953م – 1956م، بعد ضغط الحركة الجماهيرية وازدياد نمو الوعي الوطني الذي كان يطالب بزيادة ميزانية التعليم.
٢
بعد الاستقلال لم يحدث تغيير يذكر في التركيبة الاقتصادية والاجتماعية التي خلقها المستعمر وازداد الوضع سواء بسبب عدم الاستقرار السياسي والانقلابات العسكرية، وفشل الأنظمة الحاكمة (المدنية والعسكرية) في التنمية، إضافة لتعميق حرب الجنوب، وكان الحصاد بعد أكثر من64 عاما من الاستقلال علة النحو التالي:
– انهيار كل البنيات التي خلفها الاستعمار مثل مشروع الجزيرة، والسكك الحديدية، والنقل النهري، والخطوط الجويّة السودانية.
– ديون خارجية بلغت تجاوزت 60 مليار دولار.
– عجز غذائي ومجاعات.
– حروب وعدم استقرار داخلي.
– نماذج فاشلة للتصنيع حيث انهارت حتي الصناعات الخفيفة مثل: النسيج والزيوت. الخ.
– عدم تحقيق الأهداف المباشرة المنشودة من التنمية الرأسمالية التي قادتها الفئات المدنية والعسكرية في السودان، وكانت هناك آثار سلبية لتضخيم دور الاستثمار في التنمية.
– عدم الثقة بالنفس وتزايد الاعتماد على الغير.
علي أن الوضع شهد تدهورا سريعا في فترة مايو (1969- 1985م)، ولاسيما بعد التخفيضات المتوالية في الجنية السوداني بعد عام 1978م وتصاعد النشاط الرأسمالي الطفيلي علي حساب النشاط الإنتاجي في الصناعة والزراعة، وظهرت فئات الرأسمالية الطفيلية والبنوك الأجنبية التي أسهمت في تدمير الاقتصاد السوداني وتهريب الأموال اللازمة للتنمية إلى الخارج ( الفائض الاقتصادي).
وبعد انقلاب 30 يونيو 1989م، ورغم الشعارت الدينية التي رفعها النظام لتحقيق العدالة، إلا أن سياسات النظام التي اعتمدت الخصخصة وسحب الدعم عن السلع والخدمات الأساسية أدت إلى إفقار أغلبية الشعب السوداني حسب الاحصاءات الرسمية 94% يعيشون تحت خط الفقر(التقرير الاستراتيجي 1997م)، وتصاعد النشاط الطفيلي وتدهور الإنتاج الصناعي والزراعي، وتزايدت الهجرة من الأرياف إلة المدن، واصبح تبديد الفائض الاقتصادي في الصرف البذخي وتهريبه للخارج والاستثمار في العقارات هو السائد. ولم ينعكس استخراج البترول والذهب علي حياة المواطنين العادية، وعلي تطور الزراعة والصناعة وتوفير ودعم خدمات التعليم والصحة، بل تدهورت تلك الخدمات إلى درجة الانهيار التام، وأي تنمية يمكن تحقيقها بدون تعليم وصحة؟!!.
كما اختل توزيع الدخل القومي حيث أصبح العشرة الأغنى لديه حوالي 60%، وال 40% الأفقر لديهم 8% فقط من الدخل القومي (بروفيسور محمد هاشم عوض: السوداني الدولية، السبت 19/3/ 1994م).
بعد ثورة ديسمبر’ تم الانحراف عن مسار الثورة وتعطل تفكيك التمكين’ وضم شركات الجيش والأمن والشرطة والدعم السريع لولاية وزارة المالية’ وكانت شركات الجيش تستحوذ على ٨٢ ٪ من موارد البلاد ‘ وتم تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي القاسية في تخفيض العملة’ ورفع الدعم عن الوقود والكهرباء والتعليم والصحة والدواء’ مما فاقم من تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والأمنية والتعليمية’ إضافة تفاقم الصراع على السلطة بين الجيش والدعم السريع بعد المقاومة الكبيرة التي واجهها انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١’ وتدخل المحاور الإقليمية والدولية لفرض الاتفاق الإطارى الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير وقاد للحرب اللعينة الجارية حاليا التى دمرت البلاد والعباد.
٣
خلاصة القول: إن التجارب التنموية بعد الاستقلال في السودان فشلت في الخروج من التخلف والتبعية للخارج’ وتجديد البلاد ووضعها علي أعتاب المجتمع الصناعي الزراعي المتطور، رغم عراقة شعب السودان وحضاراته القديمة التي كانت لا تقل تطورا عن الحضارات المعاصرة لها، كما تم الفشل في ترسيخ الديمقراطية والسلام ورفع مستويات المعيشة والارتقاء بخدمات التعليم والصحة والكهرباء والمياه وتوفير البنيات الأساسية اللازمة للتنمية، وأصبح السودان في ذيل قائمة الدول الأكثر تخلفا في العالم، ورغم إمكانياته وموارده الزراعية والحيوانية والبترولية والمعدنية والسياحية، وما زالت مهام التنمية قائمة تنتظر الإنجاز في ظروف عالمية(العولمة) وداخلية معقدة .
هشيما أم نسلك سبيل التوجه الداخلي دون
٤
فما هي أهم عناصر التوجه الداخلي أو التنمية المستقلة؟
عندما نتحدث عن التنمية ننطلق من الواقع في تجلياته وتحولاته المختلفة، كما أن طرق التنمية متعددة ويتم فيها تفاعل بين الأصالة والمعاصرة، كما أنه عندما نتحدث عن تنمية مستقلة، لايعني ذلك الانعزال عن العالم، كما أن طريق التنمية الرأسمالية الذي سارت عليه البلاد منذ الاستقلال كان فاشلا، وأن هذا الطريق استند علي النظريات الغربية حول مفاهيم التخلف والتنمية، وعجزت تلك النظريات عن تفسير التخلف وأهملت الطبيعة الخاصة للبلاد المتخلفة وتراثها وتقاليدها وظروفها الخاصة، ومن خلال النقد للفكر الاقتصادي الغربي التقليدي وفشل مفاهيمه ومقولاته حول التخلف والنمو وعجزها عن تفسير التخلف، ظهرت دعوات بديلة للتنمية المستقلة على النحو التالي:
*- الاعتماد علي النفس في مواجهة الاعتماد فقط علي المعونات والقروض والاستثمارات.
– ظهرت فكرة التوجه الداخلي للتنمية في مواجهة انقسام الاقتصاد إلى قسم حديث مرتبط عضويا بالشركات متعددة الجنسيات، وقسم (تقليدي) وتسمي أحيانا تنمية متمحورة حول الذات .
– الوفاء بالاحتياجات الأساسية في مواجهة إثراء الأقلية وفقر الأغلبية.
– التنمية البيئية في مواجهة نهب الموارد الطبيعية حتي الاستنفاد.
– وفي مواجهة النظم العسكرية الديكتاتورية الشمولية، ظهرت فكرة الديمقراطية ومشاركة الجماهير باعتبارها الشرط لنجاح التنمية.
– التكنولوجيا الملائمة في مواجهة الانبهار بأحدث تكنولوجيا العصر.
– بناء قاعدة علمية وتكنولوجية وطنية في مواجهة التبعية الناشئة عن الاعتماد على استيراد تقنيات الإنتاج.
– الأصالة والهوّية الثقافية والحضارية في مواجهة الذوبان في الثقافة أو الحضارة الغربية.- الانفلات الجزئي عن الدوران في مسار أو فلك النظام العالمي.
– الاستقلالية بمعني انتقال مركز صنع القرار من الخارج إلى الداخل.وعندما نتحدث عن التنمية في السودان نأخذ في الاعتبار الآتي:
— السودان دولة متعددة الثقافات والأديان والمناخات والأعراف، ويتميز بمستويات تطور متباينة ومتعددة في أنماط المعيشة وقوي الانتاج وعلاقات الانتاج، وهذا الوضع له انعكاسه في بنية المجتمع الفكرية والثقافية والإيديولوجية ويؤثر علي تطوره السياسي.
تأخذ التنمية في الاعتبار هذا الواقع باعتباره مصدر غني وإخصاب، وبالتالي يكون النظام السياسي والاجتماعي والثقافي متوافقا مع هذا التعدد، وأن وحدة وتكامل السودان تتم من خلال التنوع واحترام حق كل شعب في تطوير ثقافاته وممارسة شعائره الدينية ومعتقداته، وأن يتم التعبير عن ذلك في دستور ديمقراطي يجسد هذا الواقع.
– لايمكن الحديث عن التنمية دون أخذ خصائص وموروثات شعب السودان وتقاليده ودمجها في البناء الثقافي العام، ومساهمتة المتميزة في مجري الحضارة العالمية، تلك الخصائص التي تنطلق من واقع السودان العربي- الأفريقي وتعدد دياناته، دون أن يعني ذلك الانغلاق باسم الخصوصية المحلية، ولكن بهدف التطلع إلى الأمام والمستقبل.
– إعادة بناء الاقتصاد السوداني علي أساس إعطاء الأسبقية للانتاج الصناعي والزراعي والحيواني، وتشجيع الرأسمالية المنتجة، سواء كان ذلك في قطاع الدولة أو الخاص أو التعاوني، والقضاء علي النشاط الطفيلي الضار بالحياة والمجتمع والفكر والثقافة.- بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تكفل الحقوق والحريات الأساسية واحترام المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق وحريات الإنسان، وذلك شرط هام للتنمية والسلام وتوحيد الوطن على أسس طوعية وديمقراطية.
– لا يمكن الحديث عن التنمية بدون وقف الحرب واستعادة مسار الثورة ‘ وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي’ وأشراك أوسع قطاعات الجماهير في عملية التنمية نفسها التي تهدف إلى توفير احتياجات الإنسان الأساسية، وإحداث التنمية المتوازنة بين أقاليم السودان المختلفة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*